البث المباشر

أقامة مجالس عزاء الامام الحسين (عليه السلام) قبل استشهاده

الأحد 23 يونيو 2019 - 09:39 بتوقيت طهران

أناعِيَ قتلي الطّفّ لا زلت ناعيا

تهيج علي طول الّيالي البواكيا

أعد ذكرهم في كربلا.. إنّ ذكرهم

طوي جَزَعاً طَيَّ السِّجلّ فؤاديا

ودَع مُقلتي تحمرُّ بعد ابيضاضها

بعدِّ رزايا تترك الدمع هاميا

ستنسي الكري عيني كأن جفونها

حلفنَ بمن تنعاه أن لا تلاقيا

وتعطي الدموع المُستهلات حقَّها

محاجر تبكي بالغوادي غواديا

أثابكم الله تعالي أجزل الثواب علي مواساتكم أهل البيت في مصابهم العظيم بسيّد شباب أهل الجنة، أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه)، الذي تتجدّد مآتمُه علي مدي السنين والقرون، وتتابع الأجيال، فتبقي خالدةً حيّة ً لا تبلي جدتُها، ولا تنسي علي مدي الدهور، وتقادم العصور، فالحزن علي الإمام الحسين الشهيد دائمٌ يسري في الجوانح المعمورة بالإيمان والولاء، والقلوب الغيورة الناهضة بمجالس العزاء.
فالحسين (سلام الله عليه) قتيل العبرة، كما وصف نفسه (صلوات الله عليه)، فشكلت هذه العبارة الشريفة رمزاً حقيقيّاً لمعني الوفاء والولاء، وعكست الصورة الحقيقيّة للمسلم في اتّصاله الروحيّ مع سيّد الشهداء (عليه السلام)، وعرّفت المحبّين الذاكرين، من خلال عبراتهم العاشقة لريحانة المصطفي (صلي الله عليه وآله)، والموالية لرسول الله من خلال سبطه أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وهو القائل (صلي الله عليه وآله): «حسينٌ منّي وأنا من حسين». فالبكاء علي الإمام الحسين هو من أعظم المواساة للنّبي الأكرم (صلي الله عليه وآله) وسلّم، وكان طالما بكاه وتفجّع علي مصيبته العظمي، وذكر بمظلوميّته ودعا إلي نصرته وإحياء أمره، ومن إحياء أمره (سلام الله عليه) إقامة المجالس والمآتم في ذكراه، وسكب العبرات علي عظيم مصابه وبلواه وذلك من علامات الإيمان، في (أمالي الشيخ الصدوق) و(روضة الواعظين) للفتـّال النّيسابوريّ، وغيرهما، روي أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قال: «أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمنٌ إلّا استعبر»، وفي (كامل الزيارات) لابن قُولَويه، و(مستدرك الوسائل) للميرزا النوريّ، وغيرهما، عن ابن خارجة قال: كنّا عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، فذكرنا الحسين ابن عليّ، فبكي أبو عبد الله وبكينا، ثمّ رفع رأسه (عليه السلام) فقال:
قال الحسين بن عليٍّ (عليه السلام): «أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمنٌ إلّا بكي».
وكان أئمّة الهدي (عليهم السلام) يجدّدون في الناس ذكر أبي عبد الله الحسين، ويقيمون مآتم الحزن والعزاء فيغمرونها من فيض دموعهم الطاهرة، ويعلّمون الناس كيف يخاطبون المولي الشهيد المظلوم، فقد جاء في زيارته (سلام الله عليه) - كما روي الكفعميّ في (البلد الأمين)، والشيخ الطوسيّ في (تهذيب الأحكام) - أن يقال: (السّلام علي وليّ الله وحبيبه، السّلام علي خليل الله ونجيبه، السّلام علي صفيّ الله وابن صفيّه، السّلام علي الحسين المظلوم الشّهيد، السّلام علي أسير الكربات، وقتيل العبرات).
لاحظنا في الحلقة السابقة أن النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله) قد أقام بنفسه المقدسه المجالس الحسينية ورثاء سبطه الشهيد عند ولادته (عليه السلام) وبعيدها وهو رضيع كما سنري لاحقاً في هذه الحلقة، وهذا الأمر ثابت فيما رواه علماء المسلمين بمختلف مذاهبهم عن رسول الله (صلي الله عليه وآله).

*******

المحاور: ما هو السر بأختصاص الحسين (عليه السلام) بأقامة مجالس عزاءه قبل استشهاده؟ لنستمع معاً لما يقوله في الاجابة عن هذا التساؤل ضيف هذه الحلقة من برنامج تاريخ المجالس الحسينية سماحة السيد محمد الموسوي رئيس رابطة اهل البيت العالمية من لندن:
السيد محمد الموسوي: بسم الله الرحمن الرحيم لقد وردت احاديث كثيرة في كتب المسلمين من مختلف المذاهب واضحة الدلالة على ان النبي (صلى الله عليه وآله) قد بكى الحسين (عليه السلام) وكان يخبر المؤمنين والمسلمين بما سيجري على سبطه الحسين فيبكي ويبكون، من ذلك ما روته ام سلمة كما ينقل ذلك الطبراني في المعجم الكبير في الجزء الثالث الصفحة ۱۸۰ تقول ان جبرئيل نزل على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في بيتي وقال: يا محمد ان امتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأومأ بيده الى الحسين فبكى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وضمه الى صدره ثم قال رسول الله: «وديعة عندك هذه التربة فشمها رسول الله وقال ويح كرب وبلاء».
قالت قال لي رسول الله: «يا ام سلمة اذا تحولت هذه التربة دماً فأعلمي ان ابني قد قتل»
قالت ام سلمة فجعلتها في قارورة ثم جعلت انظر اليها كل يوم واقول ان يوماً تتحولين دماً ليوم عظيم، هذا في معجم الطبرانين المعجم الكبير وهو من اهم الموسوعات الحديثية عند اخوتنا اهل السنة والجماعة.
هناك احاديث كثيرة جداً الخصها فأقول ان النبي بكى الحسين في يوم ولادته، في يوم ولادة الحسين بكاه عندما اخبره جبرئيل انه سوف يقتل في ارض يقال لها كربلاء وكان يبكيه في اوقات بعد الولادة لما كبر الحسين وكان عمره سنة بعد ذلك ايضاً عدة مناسبات اخرى كلما كان يرى الحسين (عليه السلام) ويتذكر ما يجري عليه يبكيه، هذا انس بن الحارث قال كما يذكر ابو نعيم الاصفهاني في دلائل النبوة يقول: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ان ابني هذا اي الحسين يقتل بأرض بالعراق فمن ادركه منكم فلينصره قال فقتل انس بن الحارث مع الحسين (عليه السلام ، في كنز العمال في الجزء الثاني عشر الصفحة ۱۲۷ الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله): «ان جبرئيل اخبرني ان ابني هذا يقتل وانه اشتد غضب الله على من يقتله» هذا الحديث ايضاً يذكره ابن عساكر صاحب الكتاب المشهور تاريخ دمشق.
الاحاديث في هذا الباب كثيرة جداً وقد الف الشيخ الاميني (رضوان الله عليه) صاحب موسوعة الغدير رسالة في هذا الموضوع، لماذا كان النبي يبكي الحسين؟ يبكي مصاباً لم يحدث بعد؟ لأن مصاب قتل الحسين في الواقع مصاب اكبر واعظم من قتل انسان عادي لأن من يقتل الحسين يريد بقتله ان يقتل الدين ويريد بقتله ان يقضي على الاسلام برمته ولذلك الحسين (عليه السلام) بكاه جده رسول الله وفي عدة مناسبات يعني يقول بعض العلماء ان المجالس التي عقدها النبي وبكى وابكى فيها اكثر من عشرين مجلساً كما نقرأ في الروايات المختلفة، قد تكون هناك روايات لم نطلع عليها نحن لكن النبي بكاه في روايات كثيرة، هذا يعطي درساً للامة الاسلامية ان مقتل الحسين هو مصيبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي يحب النبي لابد ان يحزن لمصاب الحسين لأن المسلمين جميعاً يروون حديث النبي (صلى الله عليه وآله): «لا يؤمن احدكم حتى اكون انا وذريتي احب اليه من نفسه وذريته» اذن الايمان مشروط بأن يحب المؤمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذرية رسول الله صلى الله عليهم اجمعين اكثر من حب الانسان لنفسه ولذريته هو، هذا من دلائل البكاء على الحسين ان المسلم الموالي لرسول الله حقاً، الوفي له حقاً ينبغي ان يعيش مأساة ثورة الحسين ويبرأ ممن قتله ويوالي الحسين ويوالي اولياء الحسين، الائمة عليهم السلام من ذرية الحسين ويعادي حزب الشيطان الذين قتلوا الحسين وكل من سار على خطهم الشيطاني الذي هو خط الظلم والضلال والطغيان.

*******

فنشير الي أن المودة الصادقة لأهل بيت النبوة (عليهم السلام) كانت ولازالت أهم الدوافع لإقامة مجالس العزاء الحسيني طوال التأريخ.
أخرج ابن عساكر الدّمشقيُّ الشافعي في (تاريخ مدينة دمشق) بسنده إلي أمّ الفضل بنت الحارث بن عبد المطّلب أنّها قالت للنّبيِ (صلي الله عليه وآله): رأيت يا رسول الله رؤيا، أُعظمك أن أذكرها لك.
قال: إذكريها.
قالت: رأيت كأنّ بضعةً منك قطعت فوضعت في حجري!
فقال (صلي الله عليه وآله): (فاطمة.. تُلد غلاماً، أُسمّيه حسيناً، وتضعه في حجرك).
قالت أمّ الفضل: فولدت فاطمة حسيناً فكان في حجري أربّيه، فدخل [أي النبيّ (صلي الله عليه وآله)] عليّ يوماً وحسينٌ معي، فأخذ يلاعبه ساعة، ثمّ ذرفت عيناه، فقلت: ما يبكيك؟!
قال: «هذا جبرئيل يخبرني أنّ أمّتي تقتل ابني هذا».
وفي رواية الحاكم النّيسابوريّ الشافعيّ في (المستدرك)، والحافظ البيهقيّ في (دلائل النبوّة) أنّ أمّ الفضل قالت لرسول الله (صلي الله عليه وآله): رأيت كأنّ قطعة ً من جسدك قطعت ووضعت في حجري!
فقال لها: رأيت خيراً، تلدُ فاطمة - إن شاء الله - غلاماً فيكون في حجرك.
قالت: فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فدخلت يوماً إليه فوضعته في حجره، ثمّ حانت منّي التفاتة ٌ فإذا عينا رسول الله تـُهريقان من الدموع!
قلت: يا نبيّ الله، بأبي أنت وأميّ، مالك؟!
قال: أتاني جبرئيل فأخبرني أنّ أمّتي ستقتلُ ابني هذا.
فقلت: هذا؟!
فقال: نعم، وأتاني بتربةٍ من تربته حمراء!
سمّي الشيخ الأمينيّ هذه الرواية بـ (مأتم الرضاعة)، وكانت له تعليقةٌ
والنتيجة التي نخلص إليها مما تقدم هي أن الأحاديث الشريفة المروية في المصادر المعتبرة عند مختلف المذاهب الإسلامية تدعونا الي الإهتمام بأقامة المجالس الحسينية والبكاء علي مصاب الحسين (عليه السلام) فهذا ما فعله رسول الله (صلي الله عليه وآله) قبل وقوع فاجعة كربلاء بزمن طويل وأقام مجلساً عزائياً بكي فيه علي مصيبة سبطه سيد الشهداء أيام رضاعته (عليه السلام).

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة