السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله، تحية طيبة وأهلا بكم في الحلقة الخامسة عشرة من هذا البرنامج نخصصها للحديث عن بركات الشعائر الحسينية في ترسيخ روح الرفض والبراءة من الظالمين أعداء الله وخلقه وكذلك في ترسيخ روح المودة لأولياء الله ومجاري رحمته لخلقه عزوجل، كونوا معنا:
أيها الإخوة والأخوات، من الآثار المهمة التي إشتملت عليها ملحمة سيد الشهداء وسيد المظلومين مولانا أبي عبد الله الحسين _عليه السلام_ هي إثارة روح النفرة الفطرية من الظلم والظالمين سواء الذين ارتكبوا فاجعة الطف الرهيبة أو من شايعهم وتابعهم إلى يوم القيامة. ولا يخفى عليكم أيها الأعزاء أن واقعة كربلاء هي العامل الأهم الذي عرف المسلمين بحقيقة بني امية وأطاح بحكم الشجرة الملعونة في القرآن، فقد أجمع المؤرخون على أن الطلب بثارات الحسين _عليه السلام_ كان هو الشعار الأول للثورات التي تفجرت ضد الحكم الأموي بعد واقعة كربلاء بغض النظر عن مدى صدق رافعي هذا الشعار، ففيهم الصادق الذي تأثر حقا بالمظلومية الحسينية وفيهم السياسي الذي رفع هذا الشعار لاستقطاب مشاعر المسلمين والحصول على تأييدهم. وعلى كل حال فإن هذا الشعار شكل العامل الأهم لإسقاط الحكم الأموي على يد بني العباس بعد أقل من ثمانية عقود من واقعة عاشوراء.
ومما لا شك فيه أن الشعائر الحسينية تشتمل بمختلف أنواعها وأشكالها على ترسيخ هذا الأثر المهم من آثار ملحمة سيد الشهداء والمظلومين _ عليهم السلام _ وهذا ما نلاحظه بوضوح في النصوص الشريفة المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام في زيارة الحسين عليه السلام أو في ذكر مصابه، فهي لا تخلو من ذكر قتلته و لعنهم وإدانة ظلمهم لأهل البيت _ عليهم السلام _ وهنا ينبغي التنبيه إلى نقطة مهمة هي أن هذه النصوص الشريفة تعمم اللعن ليشمل كل ظالم ظلم حق محمد وآل محمد أي كل عدو لله عزوجل وأوليائه وعباده وخلقه من الأولين والآخرين.
أي أنها لا تحصر الأمر ببني أمية أو المباشرين لارتكاب فاجعة الطف الرهيبة بل تعممه ليشمل كل ظالم يحارب الله وإرادته في حفظ مصالح العباد.
وعلى ضوء هذه الحقيقة يتضح لنا أن من بركات إقامة الشعائر الحسينية والمشاركة فيها مكافحة الظلم والظالمين في أي عصر وزمان ومن أي صدر هذا الظلم، أي أن إقامة هذه الشعائر المقدسة هي وسيلة لنشر هذه الآثار المباركة فهي تربي المقيمين لها والمشاركين فيها على اجتناب ظلم أي أحد والتورع عن الإنضمام إلى جبهة الظالمين، هذا من جهة ومن جهة ثانية تربيهم على البراءة من الظالمين وأشياع قتلة الحسين _عليه السلام_ في كل عصر وزمان.
أعزائنا المستمعين، وعلى الطرف الآخر فإن للإهتمام بإقامة الشعائر الحسينية والمشاركة فيها بركاته المشهودة في تنمية وتقوية روح المودة لمحمد واله _عليهم السلام_ في القلوب، إذ ان للتفاعل الوجداني مع مظلوميتهم اكبر الاثر في تقوية مودتهم التي هي ألاجر الوحيد الذي أمر الله عزوجل رسوله الأكرم _صلى الله عليه وآله_ بأن يطلبه من أمته.
المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة نستمع له معا من ضيف هذه الحلقة من برنامجكم الشعائر الحسينية سماحة (الشيخ مالك وهبي _ الباحث الاسلامي من لبنان_).
الشيخ مالك وهبي: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلي على محمد وال بيته الطيبين الطاهرين
في الحقيقة كربلاء ايقظت جملة من المشاعر والتساؤلات حول تلك المشاعر بنفس اللحظة يعني لااحد ينكر المسلمين في زمن الامام الحسين عليه السلام كانوا يكنون مشاعر الحب والمودة لأهل البيت عليهم السلام الا انهم مع ذلك لم يسعفهم ذلك الحب في ذلك الزمن لنصرة الامام سلام الله تعالى عليه وهذا يدفع الى التساؤل عندما نحضر مجالس كربلاء ومجالس عاشوراء وان من يحيي هذه المراسم يدفعنا للتساؤل ماهو الحب الحقيقي الذي يجب ان يكون في مشاعرنا وفي قلوبنا حتى يكون ذلك الحب دافعاً لنصرة اهل البيت عليهم السلام حينما يكون موقف النصرة. مشهور الحديث الذي يروي عن الفرزدق انه التقى بالامام الحسين عليه السلام وقال له قلوبهم معك وسيوفهم عليك هذا يعني ان المحبة مراتب ومستويات وان علينا ان يكون لدينا ذلك الحب الذي يشكل نصرة الائمة عليهم السلام يعني هنالك فارق بين حب زهير وبرير وحب مسلم بن عوسجة وحبيب لأهل البيت عليهم السلام وبين ما زعمه اولئك الضعاف النفوس من حب، انا لااكذبهم عندما كانوا يقولون انهم يحبون اهل البيت لكن حبهم لم يكن في قلبهم بذلك المستوى الذي ينافس حبهم للدنيا وعندما تقع المنافسة والمزاحمة بين حبين متنافيين فعند ذلك تكون الغلبة للحب الاقوى، مجالس كربلاء، مجالس عاشوراء تحيي فينا الحب الحقيقي وتنمي ذلك الحب لكي يصبح طاغياً على كل حب بحيث اذا تنافس حب الدنيا مع حب اهل البيت عليهم السلام تكون الغلبة لحب اهل البيت سلام الله عليهم وبالتالي هذا تساؤل هل سيتميز كل من يحضر مجالس اهل البيت؟ انا عندما احضر مجالس اهل البيت عليهم السلام، مجلس عاشوراء ماهو الذي يميزني عن اولئك الذي وقفوا في وجه الامام الحسين عليه السلام؟ هل انا مثلهم؟ هل روحي مثل روحهم؟ هل نفسي مثل نفوسهم؟ يستحي المرء ان يحضر مجالس الحسين عليه السلام وروحه تشبه روح من قاتلوه، يستحي ان يحضر بين يدي الامام الحسين عليه السلام ويجد مستوى محبته هو ليس اعلى من مستوى من كان يزعمه اولئك الذي حاربوا الامام الحسين عليه السلام اذن يسعى ان يكون افضل منهم، يسعى ان يكون لائقاً لهذه المجالس، لائقاً بالحضور بين يدي الامام الحسين عليه السلام وهذا يشكل دافعاً لتنقية النفوس وتنقية المشاعر لتصل الى الصورة المطلوبة.
نشكر سماحة (الشيخ مالك وهبي _ الباحث الاسلامي من لبنان) على ما بينه من آثار الشعائر الحسينية وإقامتها والمشاركة فيها في تقوية مودة أهل بيت النبوة _ عليهم السلام _ في القلوب. ونتابع أعزائنا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران تقديم هذه الحلقة من برنامج (الشعائر الحسينية منطلقات وبركات)، فنشير إلى عنصر أساسي في هذه الشعائر المقدسة له عظيم الأثر في التعبير عن المودة القدسية لأهل بيت النبوة صلوات الله عليهم أجمعين وبالتالي تقوية مودتهم في القلوب.
هذا العنصر هو عنصر (المواساة) الذي يتجلى في كثير من أشكال شعائر العزاء والحزن على المصاب الحسيني المفجع، ومن أهم آثاره أنه يجعل الإنسان المؤمن يشعر وكأنه جزء من الأسرة الحسينية إذ يقوم _ولو رمزيا_ بتحمل ما تحمله سيد الشهداء وصحبه وعيالاته من أذى في يوم عاشوراء وما بعده في مسيرة السبايا..
وهذا بحد ذاته يجعل المؤمن يجتهد _ ولو لاشعوريا _ للتخلق بأخلاق هذه الأسرة الكريمة وهي المصداق الأسمى للأخلاق الإلهية الكريمة، ويسعى _ ولو لا شعوريا أيضا _ لاجتناب ما لا يليق بهذه الأسرة التي يتولد في قلبه الإنتماء لها ببركة إقامته ومشاركته في الشعائر المرتبطة بها.
مستمعينا الأفاضل، إن عنصر المظلومية المحضة الذي تجلى في واقعة الطف يشكل في الواقع الوقود الذي يحرك الشعائر الحسينية باتجاه تمثيل أسمى وأطهر صور المواساة الإيمانية الكريمة التي أشرنا إليها آنفا.
وهذه من الحقائق التي تنبه لها كل من درس ملحمة سيد الشهداء سلام الله عليه حتى من غير المسلمين، لاحظوا أعزائنا ما يقوله بهذا الخصوص المستشرق الإلماني، الأصل (غوستاف غرونيبام) في كتابه (حضارة الإسلام) حيث يقول: (إن الكتب المؤلفة في مقتل الحسين تعبر عن عواطف وإنفعالات طالما خبرتها بنفس العنف أجيال من الناس.. إن وقعة كربلاء ذات أهمية كونية فلقد أثرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين الرجل النبيل والشجاع تأثيرا لم تبلغه أي شخصية مسلمة اخرى.
وبالمضمون نفسه يصرح المؤرخ البريطاني جيبون، فقد نقل المؤرخ الهندي الأستاذ (سيد أمير علي) في كتابه (مختصر تاريخ العرب) أن هذا المؤرخ البريطاني قال: ( إن مأساة الحسين المروعة وعلى الرغم من تقادم عهدها تثير العطف وتهز النفس من أضعف الناس إحساسا و أقساهم قلبا).
وبهذا مستمعينا الأكارم ينتهي لقاء اليوم من برنامج (الشعائر الحسينية منطلقات وبركات) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران تقبل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم في رعايته سالمين.