السلام عليكم إخوة الإيمان وتقبل الله منكم تعظيمكم لشعائر الله بإقامتكم ومشاركتكم في الشعائر الحسينية المفعمة بقيم الخير والهداية والوفاء لله ولرسوله الأكرم –صلى الله عليه واله–.
معكم أيها الأعزاء في حلقة أخرى من هذا البرنامج نخصصها لعرض رأي أحد فقهاء مدرسة أهل البيت –عليهم السلام– فيما يرتبط بمعنى (شعائر الله) التي دعانا القرآن الكريم لتعظيمها.. ثم نلاحظ منزلة الشعائر الحسينية من بين مصاديقها.. تابعونا مشكورين.
أيها الإخوة والأخوات.. عقد الفقيه الورع آية الله السيد محمد تقي الإصفهاني رضوان الله عليه في الجزء الثاني من كتابه القيم (مكيال المكارم) فصلا بحث فيه موضوع (شعائر الله).. وقال فيه: إن المراد بشعائر الله تعالى بحسب ما استفدناه من التدبر في الآيات والروايات وملاحظة معنى الشعار والإشعار، وتتبع موارد الإستعمال هو: كل شيء له انتساب خاص، وإضافة خاصة إلى الله عزوجل، سواء كان بلا واسطة أم بواسطة، بحيث يعد تعظيمه تعظيما لله، وتوهينه وتحقيره توهينا وتحقيرا لله عزوجل بحسب الشرع والعرف كأسمائه وكتبه وأنبيائه وملائكته ومساجده وأوليائه وأهل الإيمان به، والأزمنة المخصوصة التي أوجب احترامها والبيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ومواقف أوليائه، ومشاهدهم، ومعابدهم، وأحكام الله تعالى من الفرائض، وغيرها، وحدوده، والحج ومناسكه وأعماله، قال الله عزوجل: "الْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ". وفي هذه الآية دلالة على عدم انحصار الشعائر في البدن كما توهمه بعض (كما هو واضح من استخدام الآية لفظة {من} التبعيضية) إلى غير ذلك من المصاديق الكثيرة، التي يتعذر أو يتعسر إحصاؤها. ولا يخفى أن مواقف الأئمة ومشاهدهم ومعابدهم وملابسهم وذراريهم من تلك المصاديق، فإنها منتسبة إلى الله تعالى بواسطة، أو بوسائط عديدة، ألا ترى أن الله تعالى قد جعل البدن من شعائر الله، مع أنها تساق إلى البيت الحرام، الذي نسبه الله تعالى إليه فأي فرق بينها وبين مشاهد الأئمة (عليهم السلام) ومواقفهم، وذراريهم وما ينتسب إليهم فإنهم حجج الله وبيناته، وهم أعز وأشرف من البيت الحرام.
مستمعينا الأفاضل وعلى ضوء القول المتقدم للفقيه الورع السيد محمد تقي الإصفهاني (قدس سره) نعرض السؤال التالي: ترى أي شعيرة تضاهي الشعائر الحسينية في عظيم آثارها في تقوية القيم الإلهية في القلوب؟ إن الإمام الحسين –سلام الله عليه– قد حفظ هذه القيم بأسمى صور التضحية والفداء في سبيل الله ولذلك كان التفاعل الوجداني مع مظلوميته من أقوى الوسائل لتقوية القيم الإلهية في القلوب.. لاحظوا أعزائنا ما يقوله في هذا الشأن ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ فيصل العوامي الباحث في الشؤون القرانية والفقهية من السعودية) ،نستمع معا:
الشيخ اديب حيدر: بسم الله الرحمن الرحيم عظم الله اجورنا واجوركم واجور الامة الاسلامية بهذا المصاب الكبير جداً ولكن هذا المصاب تحول الى مسار للحياة وطريق للاستقامة ولمواجهة كل مشاكل الحياة.
نعم نحن نعلم ان الامام الحسين عليه السلام عندما وضع بخيار ضيق، او انت تسلم او الدين يسلم فكان الجواب "ان كان دين محمد لن يستقم الا بقتلي فياسيوف خذيني" كانت هذه التضحية كبيرة بأن يبقى هذا الدين وان تفضح كل معالم الظالمين المختبئ، فضحها الامام الحسين وعرفها وبهذا خط منها منهاج الاحرار للناس دائماً وعلمهم كيف ينتصر الدم على السيف وكيف تنتصر الطاعة على المعصية وكيف ينتصر المظلوم على الظالم واصبحت هذه المدرسة متجسدة ولها معالمها الكبيرة جداً ونجد ان ثورة الامام الحسين عليه السلام تتجدد في كل زمان وفي كل مكان لن الزمان والمكان لايخلو من ظالم ولايخلو من جبار ولايخلو من مستكبر لذلك كل الشعوب المستضعفة وكل الشعوب الساعية للحرية وللخلاص تجد من ثورة الحسين المنبع المعين والصافي الذي يعلمها كيفية الانتصار وكيفية المواجهة لذلك نحن اليوم نستذكر كلمة الامام الخميني قدست نفسه الشريفة عندما قال "كل مالدينا من بركات عاشوراء" كانت كلمة دقيقة ولها معنى كبير ان الامام الحسين عليه السلام الهم جميع الاحرار في العالم ان يسيروا في طريق الحياة وفي طريق المواجهة فالان المآتم الحسينية والمواكب الحسينية والشعائر الحسينية هي مظاهرة عالمية واستنكار عالمي لمسار الظالمين والقول لهم ان الارض مازالت تحمل راية الحرية ومازالت تحمل دماء الحسين عليه السلام في وجه كل الطغاة وفي وجه كل الظلمة لذلك نجد ان ثورة الامام الحسين تتسع في مكانها وفي زمانها وفي كل عام تدخل عليها عوامل كبيرة وجديدة ويفد اليها افواج افواج من الذين يريدون الفتح في عالم هذا الكون، نحن نجد المثال الاكبر الثورة الاسلامية في ايران جسدت هذا التغيير ونلاحظ ان الثورة الاسلامية في ايران اصبحت ملاذاً لكل المستضعفين وسنداً لكل مقاوم في العالم، وقوف الجمهورية الاسلامية اليوم الى جانب العدوان على سوريا، اليوم المقاومة الاسلامية وحزب الله في لبنان الذي استمد مقاومته من كربلاء ونداء ياحسين نجد ان اسرائيل لاتتجرأ حتى على دخول سانتيمتر واحد من الاراضي اللبنانية لأن المقاومة لها بالمرصاد وان المقاومة تستلهم عالم الامام الحسين في المواجهة. نعم نحن اليوم محفوظون في لبنان بقوة ارتباطنا بقوة هذه الثورة المباركة.
كانت هذه مستمعينا الأفاضل توضيحات سماحة (الشيخ فيصل العوامي الباحث في الشؤون القرانية والفقهية من السعودية) لآثار الشعائر الحسينية في تقوية القيم الإلهية في القلوب فشكرا له.
ونتابع تقديم هذه الحلقة من برنامج (الشعائر الحسينية منطلقات وبركات) بعودة إلى ما قاله الفقيه العارف آية الله السيد محمد تقي الإصفهاني في كتابه القيم (مكيال المكارم) ففي الجزء الثاني منه تناول العلاقة بين تعظيم شعائر الله والأمور المرتبطة بالأئمة المعصومين ومنهم سيد الشهداء –عليه السلام– وبعد ذلك قرر هذا الفقيه العارف النتيجة التالية، قال قدس سره: تحصل مما ذكرناه أن كل ما كان له انتساب خاص إلى الله تعالى أوجب شرفا له وكان من جملة شعائر الله وكان تعظيمه تعظيم شعائر الله، سواء كان انتسابه بلا واسطة، أو مع واسطة، ومواقف الإمام ومشاهده من جملتها، فهي نظير المساجد التي تنتسب إلى الله تعالى، بسبب وضعها لعبادة الله عزوجل لكن هذا لا يستلزم المشاركة مع المساجد في جميع الأحكام، لأن الأحكام الخاصة التي وردت في الشرع لمكان خاص مخصوصة به لا يتعدى فيها إلى غيره إلا بدليل خاص. نعم يشتركان في كل ما يعد في العرف تعظيما وتوقيرا للمكان، ثم إنه لا ينافي ما ذكرناه في بيان معنى الشعائر لما ذكره بعض من التفسير بدين الله كله وبعض آخر بمعالم دين الله وبعض آخر بالأعلام التي نصبها لطاعته وبعض بحرمات الله وبعض بمناسك الحج.
أيها الإخوة والأخوات، وإستنادا إلى هذه التوضيحات يمكننا أن نقرر النتيجة التالية: وهي أنه أي شعيرة تكون دلالتها على الله عزوجل أقوى يكون تعظيمها أولى وهذه قاعدة عقلية واضحة، وإستنادا عليها نقول: إن مما لا شك فيه أن الشعائر المرتبطة بالمعصومين – عليهم السلام- هي أقوى تأثيرا في الهداية إلى الله عزوجل لأنهم أولياؤه المخلصون وأقرب الخلق إليه. وكما أسلفنا فإن الملحمة الحسينية تتميز بمنزلة خاصة في الهداية إلى الله والدلالة عليه عزوجل بحكم قوة وظهور عامل التضحية النبيلة فيها وبأقوى الصور على مدى التاريخ البشري ….ولذلك فإن تأثيرها في الهداية إلى الله أقوى وبالتالي فإن تعظيمها أولى وهذا هو أحد أسرار شدة تأكيد الأحاديث الشريفة على الإهتمام بشعائر الملحمة الحسينية.
وبهذه النتيجة نختم من إذاعة صوت الجمهورية الإسلامية في إيران حلقة اليوم من برنامج (الشعائر الحسينية منطلقات وبركات) شكرا لكم أعزائنا ودمتم بكل خير.