سلام من الله مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة مباركة نستهل بها سابعة حلقات هذا البرنامج، ونقرنها بالإشارة الإجمالية إلى أننا تحدثنا في الحلقات السابقة من البرنامج إلى المنطلقات القرآنية التي ينطلق منها المؤمنون في تعظيم الشعائر الحسينية وإقامتها ومشاركتها ثم تطرقنا إلى الأدلة الداعية لذلك المستفادة من أحاديث النبي الأكرم وسيرته _صلى الله عليه وآله_ ثم أقوال وأفعال أئمة عترته الطاهرة _عليهم السلام_. وفي هذه الحلقة نتناول نماذج أخرى من أحاديث الأئمة المعصومين _عليهم السلام_ تؤكد أن تعظيم الشعائر الحسينية هي من علائم الإيمان فلا يمكن للمؤمن أن يتخلى عنها مهما كانت الأوضاع المضادة لها .
روي في كتاب كامل الزيارات وغيره مسندا عن ابن خارجة قال: كنا عند أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) فذكرنا الحسين بن علي (عليه السلام) فبكى أبوعبد الله وبكينا ثم رفع رأسه فقال: قال الحسين بن علي: أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا وبكى. وروي في الكتاب المذكور بسنده عن مسمع البصري قال: قال لي أبوعبد الله: يا مسمع أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين؟ قلت: لا أنا رجل مشهور من أهل البصرة وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة وأعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النصاب وغيرهم ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيميلوا علي قال: أفما تذكر ما صنع به؟ قلت بلى، قال: فتجزع؟ قلت: والله وأستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك علي فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي قال عليه السلام: رحم الله دمعتك أما إنك من الذين يعدون في أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنا. قال الراوي مسمع البصري: ثم استعبر واستعبرت معه فقال عليه السلام: الحمد لله الذي فضلنا على خلقه بالرحمة وخصنا أهل البيت بالرحمة يا مسمع إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أميرالمؤمنين رحمة لنا وما بكى أحد رحمة لنا وما لقينا إلا رحمه الله.
مستمعينا الأفاضل تلاحظون في هذه الأحاديث الشريفة أنها تجعل التفاعل الوجداني مع مظلومية الإمام الحسين – سلام الله عليه – من علائم الإيمان، فما العلاقة بين الإيمان الصادق وتعظيم الشعائر الحسينية على ضوء قول سيد الشهداء – عليه السلام-: (أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى) عرضنا هذا السؤال على ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ حسن التريكي مدير مجلس الثقافة والاعلام الاسلامي في لندن) فأجابنا مشكورا:
الشيخ حسن التريكي: بسم الله الرحمن الرحيم وحياكم الله وعظم الله اجورنا واجوركم بهذه الايام، ايام مصابنا بأيام الامام الحسين عليه السلام
كما تفضلتم عندما يقول الامام الحسين "انا قتيل العبرة ما ذكرني مؤمن الا بكى واستعبر" فالامام الحسين عليه السلام قدم نفسه من اجل الدين وحفظ الدين فلذلك كل مؤمن بالله وبرسالة الرسول يدرك حجم هذه التضحية التي قدمها الامام الحسين عليه السلام من اجل هذا الدين وحفظ هذا الدين فلولا الامام الحسين لما بقي الدين وكما قيل "ان الدين محمدي الوجود حسيني البقاء" بقي هذا الدين بتضحية الامام الحسين الذي رأى ان هذا الدين ينحرف عن المسار الذي اراده الله سبحانه وتعالى واراده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اقدم على تلك التضحية العظيمة، قدم نفسه الزكية الطاهرة ونفوس ابناء واخوانه واصحابه وهم خيرة الاصحاب كما شهد بذلك هو الامام الحسين عليه السلام لهم بأنه لم ير اصحاباً خيراً من اصحابه ولذلك الانسان المؤمن عندما يدرك هذه الحقيقة وحجم هذه التضحية فانه يشعر باللوعة والاسى لهذا الامام العظيم الذي ضحى بنفسه وبوجوده وبأعز ما لديه من ابناء واخوان وصحب في سبيل هذا الدين.
الامام الحسين عليه السلام لم يضحي من اجل الاسلام كدين او عقيدة يعتقد بها كما يعتقد اي تابع يعتقد بأي دين وانما ضحى من اجل الاسلام الذي هو دين الله سبحانه وتعالى لكل الانسانية، نعم الامام الحسين كجده كان انسانياً في كل طروحاته وكل شعاراته وكل مبادئه التي اطلقها في يوم عاشوراء، الاسلام جاء من اجل الانسان وكذلك الامام الحسين عليه السلام عندما ضحى بنفسه ضحى من اجل انسانية الانسان وعندما نقرأ شعارات الامام الحسين عليه السلام ندرك هذا الامر بوضوح، كل شعارات الامام الحسين كانت شعارات انسانية "هيهات منا الذلة" هذا شعار ينطلق بصوت الانسان الذي يرفض الذل ويرفض الظلم ولذلك في شعار اخر يقول "اني لاارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برماً" هذا منطق انساني، كل انسان حر شريف يرفض ان يعيش ذليلاً او مظلوماً تحت السلطات الظالمة ولذلك هو يفضل الموت على الحياة ومن مقولات الامام الحسين عليه السلام "موت في عز خير من حياة في ذل" اذن الامام الحسين في طروحاته انطلق للانسانية لذلك رأينا كل انسان حر شريف حتى من غير المسلمين فهم الحسين او قرأ للامام الحسين ادرك هذه الحقيقة وتعلق بالامام الحسين كما رأينا ذلك مثل غاندي محرر الهند وغيره من المفكرين في شرق الارض وغربها الذين قرأوا الامام الحسين وادركوا المبادئ التي ضحى من اجلها الامام الحسين لأن الامام الحسين ضحى من اجل مبادئ انسانية لذلك تعلقوا بهذه الشخصية دون ان تربطهم به عليه السلام رابطة عقيدة او دين لهذا ما من مؤمن يؤمن بالله بفطرته الانسانية الا ويتعلق بالامام الحسين ويبكي للامام الحسين عليه السلام.
كانت هذه توضيحات سماحة (الشيخ حسن التريكي مدير مجلس الثقافة والاعلام الاسلامي في لندن) بشأن العلاقة بين الإيمان والتفاعل الوجداني مع الملحمة الحسينية، فشكرا له، وشكرا لكم وأنتم تتابعون الحلقة السابعة من برنامج (الشعائر الحسينية منطلقات وبركات) وها نحن نواصل تقديمه من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، فنشير الى أن المستفاد من حديثي الإمام الحسين وسليله الإمام الصادق عليهما السلام – أن التفاعل الوجداني مع الملحمة الحسينية لا يختص بشهر المحرم الحرام وأيام الشهادة الحسينية. نعم أكدت الأحاديث الشريفة الكثيرة ضرورة الإهتمام باقامة الشعائر الحسينية بالخصوص في شهر المحرم الحرام، فمثلا روى الصدوق في الأمالي بسنده عن مولانا الإمام الرضا عليه السلام انه قال: إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال فاستحلت فيه دماؤنا وهتكت فيه حرمتنا وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا واضرمت النار في مضاربنا وانهب ما فيه من ثقلنا ولم ترع لرسول الله – صلى الله عليه وآله – حرمة في أمرنا، أن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا بارض كرب وبلاء وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون.
وفي الحديث الرضوي المتقدم _مستمعينا الأفاضل_ إشارة دقيقة الى منطلق مهم من منطلقات إقامة الشعائر الحسينية، هي أن في إقامتها إدانة لانتهاك الحرمات الإلهية والنبوية والبراءة من الذين انتهكوها في واقعة الطف الفظيعة.
ولا يخفى عليكم أن الدفاع عن الحرمات الإلهية والبراءة من منتهكيها من ابرز علامات الإيمان الصادق بالله ورسوله، جعلنا الله وإياكم من أهل صادق الإيمان إنه سميع مجيب. وبهذا تنتهي الحلقة السابعة من برنامج (الشعائر الحسينية منطلقات وبركات) قدمناها لكم من إذاعة صوت الجمهورية الإسلامية في إيران تقبل الله منكم حسن المتابعة ودمتم في رعايته سالمين.