السلام عليكم أيها الأحبة ورحمة الله تحية مباركة طيبة نهديها لكم في مستهل الحلقة الأولى من هذا البرنامج. و مادامت هي الحلقة الأولى فمن المناسب أن نعرفكم بموضوعاته، فهو برنامج استدلالي إستقرائي يسعى للتعرف على الأصول الشرعية التي تستند إليها الشعائر الحسينية كعبادة وصفها الامام الخميني بأنها من أعظم القربات الى الله عزوجل... وهذا ما صرح به – رضوان الله عليه – في جواب إستفتاء شرعي نشر في الجزء من كتاب (إستفتاءات آية الله العظمى السيد الخميني).
كما يسعى هذا البرنامج الى بيان الآداب الشرعية والصورة الفضلى لاقامة الشعائر الحسينية طبق ما ورد في مصادر التشريع الاسلامي، ثم بيان آثارها التربوية والاصلاحية للفرد والمجتمع وبركاتها المعنوية والعضوية على مر التأريخ الاسلامي مع شواهد من كلمات المفكرين والزعماء الإصلاحيين من مختلف الاتجاهات والاديان. وإضافة لذلك يشتمل البرنامج على إشارات لظاهرة محاربة الطواغيت للشعائر الحسينية على مر التأريخ وعلل هذه الحرب واسرار فشلها في تحقيق أهدافها.
أيها الأخوة والأخوات... و بعد هذه المقدمة ندخل الى موضوع هذه الحلقة، والمنطلق الأول من القرآن الكريم كتاب الله المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهل يمكن الاستدلال به – وهو الكلمة الفصل – على مشروعية الشعائر الحسينية؟
للإجابة عن هذا السؤال نقول: نعم، يمكن الاستدلال قرآنيا على مشروعية الشعائر الحسينية بأكثر من دليل نتناول في هذا اللقاء أحدها وهو دليل الدعوة القرآنية لتعظيم شعائر الله.
ولبيان هذا الدليل ينبغي أولاً أن نعرف تفسير الآية الكريمة الداعية لتعظيم شعائر الله؛ ثمن ينبغي ثانياً ان نعرف ما هي شعائر الله التي يأمرنا عزوجل بتعظيمها؟ و علينا ثالثاً أن نثبت أن الشعائر الحسينية هي من مصاديق شعائر الله عزوجل.
مستمعينا الأفاضل أما الآية الكريمة التي نستدل بها فهي الواردة في سورة الحج الآية ۳۲ حيث يقول عز من قائل: "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب".
الآية الكريمة تدعو وببلاغة إعجازية الى تعظيم شعائر الله عزوجل من خلال وصفها لهذا العمل بأنه ثمرة للتقوى القلبية، والتقوى القلبية مرتبة أسمى من التقوى الظاهرية، فالآية تدعو ببلاغة ولطافة الى تعظيم شعائر الله من خلال التأكيد على أن تعظيمها من صفات أهل التقوى القلبية. أي أن الاية الكريمة تثير في المخاطب غريزة حب التخلق بأخلاق الكاملين لدفعه وحثه على تعظيم شعائر الله. وهنا يثار سؤال عن العلاقة بين تعظيم شعائر الله وبين تقوية الإيمان وهذا من الآثار المشهودة لتعظيم الشعائر الحسينية.
الإجابة عن هذا السؤال نتلمسها في التوضيحات التالية من ضيف البرنامج سماحة السيد احمد النصر الباحث في التاريخ الاسلامي من السعودية، نستمع معاً
النصر: لاشك ان هناك علاقة وثيقة جداً بين هذا الموضوع وبين الصراع على مبادئ الخير والشر حيث انها موجودة منذ وجود الانسان على وجه الارض ومنذ قصة قابيل وهابيل التي مثلت وجسدت خطين اوضحهما الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً"، لاشك ان الانسان يتعرض في حياته الى الكثير لكونه مكون من غرائز ومن عواطف ومن عقلانية ومن حكمة وهو في حالة تجاذب بين هذه المبادئ في اكثر لحظات حياته. العلاقة الوثيقة بين هاتين المسئلتين تحتاج ان تتحرك بين فترة واخرى مايوجه الانسان منظوره العقلاني ولتصحيح سلوكياته، هذه العلاقة لايمكن ان يكتسبها الانسان دون المرور على مفاصل في حياته، في تاريخه، في قصصه، في عبره ولعل قضية الامام الحسين سلام الله عليه تجسد ابرز هذه المواقف التي مرت في تاريخ البشرية كأوضح وابرز الصراع او ابرز موارد الصراع بين مبادئ الخير ومبادئ الشر منها ينجذب الانسان صاحب النفس والمكونات الطاهرة للارتباط بهذه المنطلقات. ونعود الى قضية الامام الحسين نجد انه في احلك اللحظات واصعبها من التي مرت عليه في يوم العاشر من محرم وقد خاطب القوم وهم يواجهونه في تلك اللحظات العصيبة وهو يقول"ويحكم ياشيعة ابي سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد فكونوا احراراً في دنياكم" هنا اوضح الامام الحسين سلام الله عليه انه هنالك مبادئ حتى لو تجرد الانسان من التفكير في الغيبيات، طبيعة الظلم طبيعة قبيحة لاتقبلها النفوس الانسانية بغض النظر عن المبادئ التي يؤمن بها من المنظور الغيبي، هنالك تمور ومبادئ يحملها الانسان في نفسه هذه اللحظات الحرجة التي يتحدث فيها الامام الحسين انما هو يخاطب عقلانية هي التي تحرك الانسان في اي الطريقين هو يقف، "ان لم يكن لكم دين ولاتخافون المعاد فكونوا احراراً" هذه الحرية التي لايمكن ان تكون متوفرة لدى الانسان مادام خارجاً عن نطاق الانسانية، الامام الحسين سلام الله عليه في قضية كربلاء لم يحصر تحركه من نواحي فردية، قضيته شاملة بين التحرك الفردي والتوجيه الكلي للمجتمع. لقد خاطب معاوية حينما ورد الى المدينة المنورة تمهيداً، يحاول ان يمهد لولاية عهد يزيد، الامام الحسين هنا خاطب حتى العواطف من هنا نقول ان احياء وتعظيم شعائر الله هي اوسع الابواب لتطهير النفس البشرية فهي من تقوى القلوب، لقد خاطب معاوية حين قاله له "لقد فضلت حتى افرطت" وهذا كان بمحور عام "واستأثرت حتى اجحفت ومنعت حتى بخلت وجرت حتى جاوزت، مابذلت لذي حق من اتم حقه بنصيب حتى اخذ الشيطان حظه الاوفر" هنا يخاطب الامام الحسين سلام الله عليه العواطف التي كانت تسمع لهذا الخطاب، هذا الخطاب هو نفس اعادة التاريخ بأحياء هذه الشعيرة، احياء شعيرة كربلاء وقضية عاشوراء بشكل دوري هي ايضاً لتجديد العهد مع هذه العواطف الانسانية من خلال المواقف التي مرت على ابي عبد الله الحسين عليه افضل الصلاة والسلام.
كانت هذه مستمعينا الأكارم توضيحات سماحة السيد احمد النصر الباحث في التاريخ الاسلامي من السعودية بشأن العلاقة بين تعظيم شعائر الله ليس في ترسيخ الإيمان وحسب بل وثبات المؤمن عليه.
نعود أحباءنا الى آية سورة الحج المباركه التي تدعونا لتعظيم شعائر الله، فنقرأ لكم ما كتبه العلامة المحقق السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان عنها، قال رضوان الله عليه في الجزء ۱٤ ص ۳۷۳: (الشعائر جمع شعيرة وهي العلامة، وشعائر الله الأعلام التي نصبها الله تعالى لطاعته... وقوله فإنها من تقوى القلوب، أي: تعظيم الشعائر الإلهية من التقوى... وإضافة التقوى الى القلوب للإشارة الى أن حقيقة التقوى –وهي التحرز عن سخطه تعالى– أمر معنوي يرجع الى القلوب).
إذن يتضح مستمعينا الأكارم أن شعائر الله هي العلامات التي نصبها الله عزوجل لهداية الخلق الى طاعته عزوجل وما يقرب الإنسان منه ومن رضاه عزوجل وما يبعده عما يسخطه جل جلاله.
وهنا نتساءل هل أن هذا التعريف يصدق على الإمام الحسين –صلوات الله عليه– و ما يرتبط به؟
الإجابة نجدها واضحة في القرآن الكريم الذي نص على أن الحسين هو من أهل آية التطهير بكل ما تشتمل عليه من دلالات تحليه – عليه السلام – بالعصمة والخلافة الكاملة لله عزوجل.
والاجابة نجدها واضحة في صحاح الأحاديث النبوية المروية من طرق السنة والشيعة والتي تصرح بأن الحسين مصباح الهدى وتعرف المسلمين بأمامته – سلام الله عليه –. والإجابة نجدها واضحة في السيرة الحسينية وهي مليئة بالكثير والكثير من الشواهد الدالة على أنه – صلوات الله عليه – سخر كل وجوده طوال حياته لطاعة الله عزوجل وحفظ حرماته.
مستمعينا الأكارم وبملاحظة كل ما تقدم يتضح أن تعظيم ما يرتبط بالإمام الحسين –عليه السلام– هو تعظيم لشعائر الله الذي دعانا الله له، إذ الشعائر الحسينية من المصاديق البارزة لتعظيم الشعائر الإلهية.
أيها الأخوة والأخوات وعند هذه النتيجة نختم لقاءنا بكم ضمن الحلقة الأولى من برنامج (الشعائر الحسينية منطلقات وبركات). ويبقى أن نعرفكم بموضوع الحلقة المقبلة وهو الإستدلال على الدعوة القرآنية لإقامة الشعائر الحسينية من خلال النظر في سنة كتاب الله المجيد وقيامه عملياً بتعظيم ما يرتبط بأولياء الله عزوجل وخاصة نهضاتهم –عليهم السلام–…. من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ندعوكم لمتابعة هذا البرنامج في حلقته المقبلة بإذن الله، شكرا لكم ودمتم في رعاية الله.