فاني به جار الشهيد بكربلا
سليل رسول الله خير مجير
السلام عليك ايها العبد الصالح الزكي، اودعك شهادة مني لك، تقربني اليك في يوم شفاعتك: اشهد انك قتلت ولم تمت، بل برجاء حياتك حييت قلوب شيعتك، وبضياء نورك اهتدى الطالبون اليك، واشهد انك نور الله الذي لم يطفاً ولا يطفاً ابداً، وانك وجه الله الذي لم يهلك ولا يهلك ابدا، واشهد ان هذه التربة تربتك، وهذا الحرم حرمك، وهذا المصرع مصرع بدنك، لا ذليل ـ والله ـ معزك، ولا مغلوب ـ والله ـ ناصرك. هذه شهادة لي عنك الى يوم قبض روحي بحضرتك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
ان من مسلمات الشريعة الاسلامية، بل والشريعة الالهية في جميع الاديان، كرامة المؤمن وحرمته حياً وميتاً، ومن كرامته وحرمته ميتاً دفنه واجلال قبره وتعاهده بالزيارات وذكر الله تعالى وعدم وطئة بالارجل، واهداء الثواب له لاسيما ليلة وحشته ـ بصلاة ركعتين ـ الاولى بالحمد وآية الكرسي مرة، والثانية بالحمد وسورة القدر عشر مرات، ثم يقال بعد التسليم: اللهم صل على محمد وآل محمد، وابعث ثوابها الى قبر فلان.
وقد جاء عن الامام الرضا (عليه السلام) قوله: من اتى قبر اخيه المؤمن.
ثم وضع يده على القبر وقراء: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» سبع مرات، امن يوم الْفَزَعُ الأَكْبَرُ.
كما جاء عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام) وقد سئل كيف يسلم على اهل القبور، فقال:
تقول: السلام على اهل الديار من المؤمنين والمسلمين، انتم لنا فرط، ونحن ـ ان شاء الله ـ بكم لاحقون.
هذا في المؤمنين والمسلمين فكيف بساداتهم من الانبياء والمرسلين، والاولياء والوصيين؟ وقد وردت فيهم زيارات ودعوات وصلوات عند قبورهم، تجديداً للعهد الالهي معهم، واعتباراً بما جرى في حياتهم وحتى بعد وفياتهم، وعقداً للولاء والثبات على محبتهم وولايتهم، والمضي على نهجهم وسيرتهم، ونوالاً من فضائلهم وكراماتهم.
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله) يوماً: من زار قبري بعد موتي، كان كمن هاجر الي في حياتي .
وسأله الحسن (عليه السلام) يوماً: يا ابتاه، ما جزاء من زارك؟
فاجابه (صلى الله عليه وآله): يا بني، من زارني حيا او ميتا، او زار اباك او اخاك او زارك، كان حقاً علي ان ازوره يوم القيامة فاخلصه من ذنوبه.
وعندما نراجع مصادر الحديث الشريف المعتبرة، نلاحظ بوضوح ان الاحاديث الشريفة الواردة في فضل زيارة الحرم الحسيني المبارك اكثر عدداً واشد تاكيداً مقارنة بالاحاديث الشريفة الواردة بشان فضيلة زيارة سائر مشاهد اهل بيت النبوة الاخرى، ولذلك فقد افتى كثيراً من الفقهاء بارجحية زيارة الحسين (عليه السلام) فما السر في ذلك؟
*******
نتلمس الاجابة عن هذا السؤال في حديث خبير البرنامج سماحة الشيخ على الكوراني في الاتصال الهاتفي التالي:
المحاور: عندما نراجع مصادر الحديث الشريف نلاحظ بوضوح ان الاحاديث الشريفة الواردة في فضل زيارة الحرم الحسيني المبارك اكثر عدداً واشد تأكيداً مقارنة بالاحاديث الشريفة الواردة بشأن فضيلة زيارة سائر مشاهد اهل بيت النبوة الاخرى، ولذلك فقد افتى كثير من الفقهاء بارجحية زيارة الامام الحسين (عليه السلام)، يحدثنا عنها سماحة الشيخ علي الكوراني، سماحة الشيخ كيف نفهم حث الاحاديث الشريفة على زيارة الامام الحسين (عليه السلام) اكثر من سائر المعصومين (عليهم السلام)؟
الشيخ علي الكوراني: هناك للسلفيين سؤال حول انتم تحيون ذكرى الامام الحسين (عليه السلام) وتقيمون له شعائر وتذهبون الى زيارته، لماذا لا تقيمون مجالس وتعزية وتبكون على النبي (صلى الله عليه وآله) وهو افضل منه، او على علي او على الزهراء او على الامام الحسن لماذا تخصصون الحسين دون غيره؟
الجواب: نعم هناك تسلسل رتبي في الفضل هذا ثابت عند علمائنا انه افضل المخلوقات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يليه علي (عليه السلام)، فاطمة الزهراء، الامام الحسن، الامام الحسين، بعد الامام الحسين ايضاً هناك بحث هل الامام المهدي يأتي في درجته ام يأتي الامام المهدي (سلام الله عليه) او الامام زين العابدين، وكثير من علمائنا يقولون ان الامام المهدي رتبته بعد الامام الحسين (سلام الله عليه)، هذا من حيث الرتبة، ولكن هذا التسلسل الرتبي يختلف عن مسألة الزيارة، يختلف اختلاف اساسي، مثلاً هم يعترفون بان افضل بقاع الارض التربة التي مدفون فيها النبي (صلى الله عليه وآله)، لانه هو افضل الخلق، طيب اذا افضل البقاع افضل من الكعبة، اذن لماذا لا نصلي الى المدينة الى قبر النبي (صلى الله عليه وآله)؟
الجواب: ان الافضلية شيء والتوجه والصلاة شيء آخر، هنا ايضاً نفس الكلام افضلية النبي وبعض الائمة (عليهم السلام) على الامام الحسين (سلام الله عليه) لا تعني انهم هم الاولى بمراسم العزاء، مصيبة الامام الحسين مصيبة خاصة، قضيته قضية خاصة، رمزيته رمزية خاصة تجمعت فيه ظلامات انبياء ومؤمنين عبر التاريخ هو ثار الله في ارضه له خصوصيات، لذلك تربة الامام الحسين (عليه السلام) لها خصوصية لا توجد لغيرها، وكذلك الامام الحسين (عليه السلام)، نعم هناك مجالس لوفاة النبي (صلى الله عليه وآله) في شهادته في شهادة امير المؤمنين شهادة الزهراء (سلام الله عليها) شهادة بقية الائمة (عليهم السلام) تقام مجالس، لكن المركزية والمحورية حسب النصوص التي يتعبد بها والواردة عن النبي واهل البيت (عليهم السلام) المركزية لذكرى الامام الحسين (سلام الله عليه)، لذلك زيارة الامام الحسين ومراسم عزائه هذه خاصة فيه، لا يوجد نص في بقية المعصومين بقدر ما يوجد في الامام الحسين (عليه السلام)، ونحن اتباع النص، لماذا اتبعنا اهل البيت بالنص رسول الله (صلى الله عليه وآله) نص عليهم وجاء في القرآن اطيعوهم نحن اطعناهم، هم قالوا هذا مميز ورسول الله قال ايضاً وزوروه نحن نزوره وهذا طبيعي، الله عز وجل يريد زيارة الامام الحسين ان تكون معلماً في الامة بعد الحج، وهكذا نحن فعلناها الحج الواجب عندنا لا يعارضه شيء ولا زيارة كربلاء، ولكن زيارة كربلاء المستحبة ثوابها كذا حجة مستحبة وهو افضل، الله يريد ان تكون كربلاء ثاني الكعبة في الامة كلها موسم حج وموسم زيارة الامام الحسين (سلام الله عليه).
*******
لقد جبلت الفطرة الانسانية على تعاهد الراحلين بذكرهم والتشوق اليهم، وحفظ آثارهم وذكرياتهم، وفاءً للصلات وتكريماً للعهود، وحفظا للعواطف الطيبة. وعلاقات البشرية بالانبياء والاوصياء والاولياء هي علاقات مقدسة تهفو اليها الارواح والقلوب عبر قرون الزمن، لاتبليها احقاب السنوات ولا تعاقب الاجيال، فنحن ـ البشر ـ اليوم، ما زلنا نحن الى ابينا ادم وامنا حواء صلوات الله وسلامه عليهما، رغم توالي مئات العقود والافها من الازمان البعيدة، متمنين ان يكون منهما اثر نحوم حوله يذكرنا بهما على الدوام. وما نزال نتلمس اثار النبوات والاديان عبر التاريخ، فلعلنا نعثر على رموز تشخص امامنا، كشيء من سفينة نوح، او بعض من الصحف السماوية، او نسخ من القران الكريم بخطوط الائمة (عليهم السلام)، لتحتضنها متاحف الايمان، عناوين تتجه بالقلوب الى حياة الرسالات الربانية الشريفة.
ولكن أين نحن اليوم عن القبور النيرة الطاهرة لرسول الله واهل بيته واله الميامين، صلوات الله عليه وعليهم اجمعين! فها هي شامخة الى عنان السماء تدعو قلوب الايمان الى حجها كل يوم وكل ساعة واوان، فهي بيوت الله التي اذن أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، ويُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وعن الصلاة فهي متاجر العباد، ومساكن البركة، ومهابط الرحمة، ودور الطاعة، وهي التي اولى ان تعمر وتشيد، ثم تكون مزارات نيرة، بل ومدنا منورة، كما تنورت يثرب برسول الله المصطفى (صلى الله عليه وآله) حيث قدم اليها مهاجراً، ثم دفن فيها ثاوياً، فكان له فيها مزاراً تاريخي شريف، يفخر به كل مسلم موحد، ويحج اليه قلب كل موال مؤمن.
وذاك قبر سيد شباب اهل الجنة، سبط النبي وريحانته، ابي عبد الله الحسين الشهيد، بل سيد الشهداء. ذلك هو قبر نير يفترش نوره ساحة طف كربلاء، وسط صحراء قاحلة مهجورة، عمرت بمقدم الامام الحسين وشهادته، وقبره القدسي الذي اصبح مزاراً رفيعاً زحفت حوله القلوب، ثم البيوت، ووفدت اليه الاف الزائرين وملايينهم، فكانوا وكونوا بذلك مدينة تحتضن المزار الطاهر، وقد اصبح محل عروج الارواح الى الرضوان، ومسكن القلوب الشائقة الى المعرفة، ومهبط رحمة وخير وبركة وشفاء، ومشهد كرامات ومعجزات، وموضع غفران السيئات واكتساب الحسنات، ونيل الدرجات وازاحة الادواء وطرد الموبقات. فهنيئا لمشيديه عبر القرون، وقد عرف بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) باحدى نبوءاته الشريفة قائلاً: ويقيمون رسماً لقبر سيد الشهداء، بتلك البطحاء، يكون علما لاهل الحق وسببا للمؤمنين الى الفوز.
وتحفظ كتب التاريخ وصدور المؤمنين على مر الاجيال الكثير الكثير من الشواهد الحية على صدق هذه النبؤة المحمدية الخالدة، وكثير من هذه الشواهد ان بركات الهداية الحسينية هذه لم تقتصر لا على اتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) ولا على سائر المسلمين بل شملت اهل مختلف الاقوام والاديان.
*******