البث المباشر

قدسية بقاع الارض ومنها كربلاء ارض الحسين عليه السلام

السبت 25 مايو 2019 - 15:02 بتوقيت طهران

يا تربة الطفّ المقدسة التي

هالوا على ابن محمد بوغاءها

حيث ثراك فلا طفته سحابة

من كوثر الفردوس تحمل ماءها

السلام عليك يا ابا عبد الله، وعلى الارواح التي حلت بفنائك، وأناخت برحلك، عليكم مني جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار.
إن من الصفات الذاتية لله تبارك وتعالى: الرحمة، والحكمة. وقد اختار الله جلّ وعلا لعباده وصياً لرسوله صلى الله عليه وآله، فكان الحسين سلام الله عليه، ودوى في الاسماع على مدى الدهر: «حسين مني وأنا من حسين»، وقد شاء الله تبارك شأنه أن يكون الحسين سيد الشهداء، فاختار له ذلك شرفاً دونه كل شرف، وفضيلة لا تدانيها الفضائل، كما اختار له أرضاً يقتل فيها، وقبراً زكيّاً يدفن فيه، فما يظن بهما بعد ذلك؟
في قصة كليم الله موسى عليه السلام وقد آنس ناراً، قال تعالى: «فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» (سورة القصص،۳۰)، قال الامام جعفر الصادق (عليه السلام) في ظلّ هذه الآية الشريفة: «شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ، الذي ذكره الله في كتابه هو الفرات، والبقعة المباركة هي كربلاء، والشجرة هي محمد صلى الله عليه وآله».
وفي رواية ثانية: «إن بقاع الارض تفاخرت، ففخرت الكعبة على البقعة بكربلاء، فأةحى الله اليها: اسكتي ولا تفخري عليها؛ فإنها البقعة المباركة التي نودي منها موسى من الشجرة، وإنها الربوة التي آويت اليها مريم والمسيح، وإن الدالية التي غُسل فيها رأس الحسين فيها غسلت مريم عيسى».
هاتان الروايتان هما نموذجان لكثير من الاحاديث الشريفة المروية من طرق الفريقين والتي تتحدث عن بقاع الارض وكأنها موجودات حية ناطقة، وتبين أن لها قدسية ذات مراتب متعددة، فكيف نفهم هذا الامر؟

*******

الاجابة عن هذا التساؤل يقدمها خبير البرنامج سماحة الشيخ علي الكوراني في الحديث الهاتفي التالي:
المحاور: روايات كثيرة واحاديث شريفة مروية من طرق الفريقين تتحدث عن بقاع الارض وكأنها موجودات حية ناطقة وتبين ان لها قدسية ذات مراتب متعددة فكيف نفهم هذا الامر، الاجابة عن هذا التساؤل يقدمه سماحة الشيخ علي الكوراني في حديثه التالي.
الشيخ علي الكوراني: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة واتم السلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، سؤالكم كيف تفسرون الاحاديث الشريفة المتحدثة عن افضلية بعض بقاع الارض على غيرها، وهو ايضاً يرتبط بالسؤال الاخر كيف تفسرون ما ورد في بعض الاحاديث الشريفة من حصول التفاخر بين بقاع الارض وهي جمادات، هناك رأي وهو الذي اعتقد به انه في الكون لا يوجد ميت بالمعنى الدقيق للكلمة الحياة ليست مقتصرة على الانسان والحيوانات فقط، الان علمياً ثبت ان النباتات ايضاً لها انواع من الاحساس والتفاعل، اذن فيها روح بحسبها، وانا اعتقد بان الجمادات ايضاً كذلك، ما عندنا ميت، ومن اقوى الادلة على ذلك آية التسبيح ما من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم، وإن من شيء، يعني كل شيء في هذا الكون يسبح بحمد الله، يعني ينزه الله من ناحية ومن ناحية اخرى يثبت فاعليته ان العطاء منه، التسبيح تنزيه، يعني وجوده عز وجل ليس من نوع وجود المخلوقات والطبيعة والمادة هذا التنزيه، التحميد، اثبات فاعلية الله، العطاء، التموين، الادارة منه سبحانه وتعالى، اذن كل شيء في الوجود يستوعب حقيقتين حقيقة ان الله منزه عن ان يكون من نوع المخلوقات وان العطاء والفاعلية هي لله سبحانه وتعالى، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، وعبر عنهم بضمير العاقل تفقهون تسبيحهم، على هذا الاساس يمكن ان نقول ان الكون كله حي وحين اذن التفاضل يكون، طيب كيف يكلف هؤلاء الموجودات كل موجود له تكليف بحسبه، الانسان باعتبار انه ميزه الله بالعقل والكفاءة فيعطيه تكاليف يتكامل هذا الانسان باستجابته او يتناقص بعدم استجابته للتكاليف الالهية، اذن هناك مسار تكاملي للانسان لاداء ما اوجب الله عز وجل عليه او بالسقوط فيه، وكذلك الحيوان ايضاً بنسبته، لما عندنا في القيامة يقتص للجماء من القرناء يعني اصل مبدأ الظلم بين الحيوانات موجود وشخصيات الحيوانات كما نراها متفاوتة في الخير والشر، وبهذا الملاك ايضاً شخصية الجمادات، الجبال مختلفة المادة مختلفة، وبناءً على هذا المبنى وهو مبنى قوي عند التعمق في القرآن الكريم وفي العلوم الطبيعية هناك تفاضل بين بقاع الارض، ولماذا لا يكون تفاضل.
مع تقديم شكرنا لخبير البرنامج سماحة الشيخ علي الكوراني على التوضيحات التي قدمها بشأن قدسية بقاع الارض ومنها كربلاء ارض الحسين عليه السلام.

*******

لا زلنا معكم أعزاءنا في الحلقة الاولى من برنامج أرض الحسين عليه السلام نقدمه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
ومع تقديم شكرنا لخبير البرنامج سماحة الشيخ علي الكوراني على التوضيحات التي قدمها بشأن قدسية بقاع الارض ومنها كربلاء ارض الحسين عليه السلام، ننتقل للحديث عن المنشأ الاساس لقدسية أرض كربلاء؛ فما هو هذا المنشأ التشريفي؟
كلنا يعلم ان للشرف اسبابه، وأسراره ومن ذلك أن شرف المكان، بشرف المكين، المكين الذي حلّ في ذلك المكان، فتشرفت يثرب بهجرة رسول الله صلى الله عليه وآله اليها، فصارت بعد ذلك (المدينة المنورة)، وكذلك كربلاء، اتاها الشرف إذ كتب الله لها أن تكون مثوى حبيب رسول الله وريحانته، وسبطه وثمرة مهجته، أبي عبد الله الحسين ابن علي وفاطمة. ومن قبل ذلك كانت خاضعة لله تعالى، فأكرمها فيما بعد.. يقول الامام الصادق يحدثنا عن حياة العوالم ونحن نظنها هامدة: «لما تفاخرت الارضون والمياه بعضها على بعض، قالت كربلاء: أنا ارض الله المقدسة المباركة، الشفاء في تربتي ومائي، ولا فخر، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك، ولا فخر على من دوني، بل شكراً لله. فأكرمها وزادها بتواضعها، وشكرها لله، بالحسين وأصحابه».

*******

فمن هو الحسين يا ترى؟!

الحسين صلوات الله وسلامه عليه، نفحة الهية نورانية فريدة، شاء الله ان تكون عن طريق أشرف انبيائه ورسله، من ابنته سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين، ومن ابن عمه وحبيبه ونفسه سيد الاولياء والوصيين. فبذلك يحظى الامام الحسين بأشرف نسب وأزكى محتد وسلالةٍ ومنحدر، وهو الى ذلك سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة جميعاً، وقل هو نسيج وحده، لا يمكن وصفه بقلم ولا لسان، ولا مقال ولا بيان، إنه من المصطفى والمصطفى منه، وهو مهجة قلب البتول، وسليل نور علي وصي خير رسول، ذلك النور الذي أبى الله الا أن يتمه ولو كره ذلك من كره! إنه الحسين فوق أن يوصف أو ينعت، أو يُقرن به أحد من الناس، إذ هو من الطينة التي كرمها خالقها فأحسن تكريمها، ولم يخلق من بعد خلقاً الا لاجله، تكريماً له ولجده وأبيه، وامه وأخيه، ثم الذرية الطاهرة من بنيه.
أفلا يكون بعد هذا للحسين مرقد وقبر وضريح وحرم قدسي، وقد قتل تلك القتلة الرهيبة العجيبة؟! أجل، كان له قبر ادخره الله تعالى له في كربلاء، وأخبر به نبيه صلى الله عليه وآله عن طريق جبرئيل عليه السلام، قال: «ثم يبعث الله قوماً من امتك لا يعرفهن الكفار، ولم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية، فيوارون اجسامهم، ويقيمون رسماً لقبر سيد الشهداء، بتلك البطحاء، يكون علماً لاهل الحق، وسبباً للمؤمنين الى الفوز».
وكان من الامام زين العابدين عليه السلام دفن ابيه الحسين بعد ثلاث، ومواراة وإعلام للقبر الطاهر، ثم كان من الموالين الغيارى تشييد للقبر وإعمار وإجلال، فصار علماً شاخصاً يستجذب الارواح والقلوب، ومزاراً معراجاً الى المكارم السامقة.
وبذلك أنبأ رسول الله صلى الله عليه وآله يوم قال لوصيه علي عليه السلام مخبراً عن الغيب العميق: «يا ابا الحسن، ان الله تعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنة، وعرصة من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه، وصفوة من عباده، تحنّ اليكم، وتحتمل المذلة والاذى، فيعمرون قبوركم، ويكثرون زيارتها؛ تقرباً منهم الى الله، ومودة منهم لرسوله، اولئك ـ يا علي ـ المخصوصون بشفاعتي، الواردون حوضي، هم زواري غداً في الجنة. يا علي من عمر قبوركم وتعاهدها فكإنما أعان سليمان بن داوود على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة الاسلام، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر، وبشر اولئك ومحبيك من النعيم وقرّة العين بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
إذن اتضح الاكارم أن ارادة الله تبارك وتعالى شاءت أن تحظى بعض بقاع الارض بقدسية خاصة منشؤها الاساسي نوع من الارتباط بالله وبأوليائه عزوجل، بحيث يكون الاهتمام بها وزيارتها سبباً للتقرب من الله عزوجل.
وهذا الحكم يصدق على ارض كربلاء المقدسة التي احتضنت الملحمة الحسينية الخالدة ومشاهد أبطالها الشهداء (عليهم السلام) الذين اصبحوا مصابيح هداية تهدي الاجيال الانسانية الى قيم التوحيد الخالص بكل معانيه وأسمى مراتبه.
هذا ما توصلنا اليه معاً في هذه الحقلة الاولى من برنامج "ارض الحسين (عليه السلام)" استمعتم اليها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى لقاء مقبل على بركة الله نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة