تلعب الموارد الطبيعية، وعلى رأسها النفط والغاز، دورا محوريا في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وبناء البنية التحتية للدول، لتصبح أحد أهم الركائز التي يمكنها تشكيل مستقبل الأمم بشكل ملموس.
فالنفظ والغاز لا يمدّان الصناعات ووسائل النقل والطاقة الكهربائية فقط، بل يشكلان أيضاً مصدراً رئيسياً للعملات الأجنبية وتمويل المشاريع الكبرى في مجالات التنمية والبنى التحتية.
إن امتلاك احتياطات كبيرة من هذه الموارد يشكل فرصة نادرة لتطوير الصناعات المرتبطة بالطاقة وتعزيز القدرات المالية للحكومات من أجل تنفيذ مشاريع عمرانية واجتماعية كبرى.
فالدول التي تُحسن إدارة مواردها النفطية يمكنها أن تعزز بنيتها التحتية، وتطوّر تقنياتها، وترسّخ مكانتها في الاقتصاد العالمي.
ويعد اليمن إحدى الدول التي تمتلك ثروات استراتيجية مهمة، إذ يقع على سواحل البحر الأحمر وتملك موقعاً جغرافياً بالغ الأهمية. إلا أنّ الحرب المدمّرة التي تعصف باليمن منذ عام 2015 نتيجة التدخلات الخارجية، خصوصاً من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والكيان الصهيوني، حرمت هذا البلد من استثمار ثرواته الطبيعية واستفادته منها في تنمية اقتصاده وبناء مستقبله.
وخلال العامين الأخيرين، دخل اليمن في صراع بحري مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني دعمًا للشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الصهيوني الوحشي على غزة، مما جعل العالم يسلّط الضوء على الدور العسكري والأمني لليمن في المنطقة.
لكن من المهم إدراك أن أهمية اليمن لا تنحصر في موقعها الجيوسياسي أو تحركاتها العسكرية، بل تعود أيضاً إلى امتلاكها موارد نفطية وغازية هائلة.
فوفقاً للتقديرات، تبلغ احتياطات اليمن النفطية نحو 3 مليارات برميل، بينما تصل احتياطاتها من الغاز الطبيعي إلى نحو 17 تريليون قدم مكعب، وهي ثروات قادرة – في حال استغلالها بشكل عادل ووطني – على تحويل اليمن إلى دولة مزدهرة ومستقرة اقتصاديًا.
غير أنّ هذه الصناعة تواجه اليوم أضراراً جسيمة نتيجة الحرب الداخلية الدائرة في اليمن منذ أكثر من عشر سنوات، وهي الحرب التي اندلعت بدعم مباشر من الولايات المتحدة وبمشاركة فاعلة من السعودية، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية للبلاد وتعطيل معظم القطاعات الإنتاجية، وفي مقدمتها قطاع النفط.
اليمن قبل عام 1990 مقسّمة إلى قسمين: شمالي وجنوبي
ففي اليمن الشمالي، سقط حكم المملكة المتوكلية الزيدية عام 1962، وتمّ إعلان قيام النظام الجمهوري. خلال تلك الحقبة، لعب الجيش والقبائل دوراً محورياً في إدارة شؤون البلاد، وكان اليمن الشمالي مرتبطاً سياسياً بالغرب والسعودية. وبعد اغتيال الرئيس أحمد حسين الغشمي عام 1978، أدّت القبائل والجيش دوراً رئيسياً في وصول علي عبد الله صالح إلى السلطة.
أما اليمن الجنوبي، فبعد خروج البريطانيين عام 1967 – الذين كانوا يسيطرون على عدن منذ عام 1839 – آلت السلطة إلى جبهة التحرير الوطني التي كانت مرتبطة سياسياً بالمعسكر الشرقي والاتحاد السوفييتي. غير أنّ تراجع قوة الاتحاد السوفييتي وفقدان اليمن الجنوبي لدعمه الاستراتيجي، إضافةً إلى الأزمات الاقتصادية التي واجهها الشطران، دفعا كلاً من اليمن الشمالي والجنوبي نحو الوحدة. وهكذا، تحقّق الاتحاد عام 1991، وتولّى علي عبد الله صالح رئاسة اليمن الموحّد بدعم من الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا.
فيما بعد، تحوّلت السعودية إلى أحد أبرز الداعمين لصالح، إذ كانت ترى في اليمن بلداً ذي أهمية استراتيجية كبرى نظراً لحدوده المشتركة معها، وامتلاكه موارد طبيعية غنية مثل النفط والمعادن، وأراض زراعية خصبة، وموقعٍ جيوسياسي فريد في بوابة أفريقيا ومضيق باب المندب.
وخلال فترة حكمه من 1991 حتى 2014، كان علي عبد الله صالح عملياً يتصرّف كحاكم تابع للنفوذ السعودي. لكنّ الشعب اليمني ثار ضد نظامه بسبب الاستبداد، وانتشار الفساد، وقمع المعارضين، والفقر الشديد، والتفاوت الاجتماعي، وسوء توزيع الثروات، وضعف الخدمات العامة، ما أدّى في نهاية المطاف إلى اندلاع موجة احتجاجات واسعة أطاحت بحكمه.
لقد سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها، وعلى رأسهم السعودية، منذ اندلاع الثورة اليمنية إلى منع قيام نظام وطني شعبي مستقل، إذ خشوا من تحوّل اليمن إلى دولة ذات قرار حرّ ومستقل. لذلك عملوا على حرف مسار الثورة من خلال إعادة إنتاج نظامٍ تابع يخدم مصالحهم.
إلا أنّ صمود الشعب اليمني ونجاحه في تشكيل حكومة مستقلة أثارا غضب هذه القوى، فكان أن شنّت الولايات المتحدة والسعودية وحلفاؤهما حرباً شاملة على اليمن عام 2015، في محاولة لإسقاط الحكومة الجديدة وإعادة السيطرة على البلاد.
لقد تركت هذه الحرب آثاراً مدمّرة على البنية التحتية والاقتصاد اليمني، وكان من أبرز نتائجها الضرر البالغ الذي لحق بقطاع النفط، باعتباره الركيزة الأساسية للاقتصاد اليمني وأهم مصادر دخله القومي.
ففي السنوات التي سبقت الحرب، كان إنتاج اليمن النفطي يقارب 450 ألف برميل يومياً، وكان النفط يشكل نحو 90٪ من صادرات البلاد و70٪ من إيرادات الحكومة.
لكن مع استمرار الحرب والحصار، تشير التقارير إلى أنّ إنتاج النفط اليمني انخفض بحلول عام 2024 إلى نحو 10 آلاف برميل يومياً فقط، وهي كميات تستولي عليها قوات الاحتلال في جنوب اليمن المدعومة من السعودية والإمارات والولايات المتحدة، بينما يُحرم الشعب اليمني من أي استفادة من عائداتها.
هذه الحقيقة تعكس مدى الكارثة الاقتصادية التي خلّفتها الحرب على اليمن ولم يقتصر الدمار على قطاع النفط فحسب، بل طال مختلف البنى التحتية.
فقد بلغت الخسائر في قطاعات النفط والغاز والمعادن حتى عام 2021 نحو 45 مليار دولار، وتشمل هذه الأضرار تدمير خط أنابيب مأرب – رأس عيسى، ومحطة رأس عيسى، وميناء الحديدة، وهو أحد أهم الموانئ التجارية ومراكز تصدير الطاقة في اليمن.
لقد تحوّلت الحرب إلى أداة ممنهجة لنهب ثروات اليمن وتجويع شعبه، تحت ذرائع سياسية وأمنية، بينما الهدف الحقيقي هو الاستحواذ على كنوز البلاد الطبيعية والسيطرة على موقعها الجيوسياسي الحيوي.
لقد أدت عمليات النهب والدمار المستمرة إلى فقدان اليمن لإيراداته وزيادة الفقر بين المواطنين ومن ثم، أصبح أهم خيار أمام الشعب اليمني للتخفيف من الفقر والمعاناة هو إعادة إعمار كل ما دمرته الحرب، وتأمين ميزانية الدولة، وتحقيق النمو الاقتصادي من خلال إحياء صناعة النفط الوطنية.
ولذلك، يتطلب إحياء هذه الصناعة الحيوية تنفيذ مجموعة من الإجراءات المهمة، وسنستعرضها بشكل موجز.
أهم شرط لإحياء صناعة النفط في اليمن هو تحقيق الوحدة الترابية عن طريق طرد قوات الاحتلال من جنوب اليمن، فمنذ اندلاع الحرب في عام 2014، انقسمت اليمن مجدداً إلى شطرين: شمالي وجنوبي.
وقد احتلت قوات مدعومة من السعودية والإمارات جنوب اليمن، وبشكل خاص المناطق الغنية بالنفط مثل محافظات مأرب، شبوة، حضرموت، وجزء من الجوف، ويقوم هؤلاء الاحتلاليون وداعمونهم بـ نهب موارد النفط اليمنية بشكل مباشر.
أما الشمال اليمني، الذي يشمل محافظات صنعاء وصعدة وغيرها من المناطق الحيوية، فيسكنه حوالي 70٪ من سكان اليمن البالغ عددهم 40 مليون نسمة، وتظل هذه المناطق تحت سيطرة الحكومة المستقلة والشعبية لليمن، مما يجعلها قاعدة أساسية لإعادة بناء الدولة واستعادة قطاع النفط الوطني.
لذلك، لكي يستفيد الشعب اليمني من ثرواته النفطية والغازية الغنية، أصبح من الضروري طرد قوات الاحتلال وحلفائها من هذه الأراضي، وهم السعودية والإمارات، ومنح الشعب اليمني السيطرة الكاملة على موارده.
ومن خلال هذه الخطوة، يمكن إيقاف نهب الموارد الاستراتيجية من نفط وغاز، وتحقيق دخل مستدام يمكّن الحكومة من تمويل إعادة الإعمار، ودعم النمو الاقتصادي، وفي الوقت ذاته تعزيز دور اليمن سياسياً واقتصادياً على الساحة العالمية.