البث المباشر

التأثير المتبادل بين الحسنات والسيئات وسبل حفظ الحسنات حوار مع الشيخ محمد السند حول تلبية حاجات البدن في مواقف الحشر والقيامة ثلاثة ايام للسائح في جوار العابد (حكاية ادبية)

الأحد 31 مارس 2019 - 10:12 بتوقيت طهران

الحلقة 71

الحمد لله انيس الموحدين إذا اوحشتهم العوالم، والصلاة والسلام على مظاهر اسمائه الحسنى محمد وآله الطيبين الطاهرين. 
يسرنا ان نكون معكم في هذه الحلقة التي تشتمل على ثلاث محطات رئيسة تحمل العناوين التالية:
- سبل حفظ الحسنات من شر السيئآت
- عطش وجوع مواقف الحشر والقيامة
- مواعظ العابد للسائح

*******

فإلى الفقرة الاولى من لقاءنا هذا، ندخل رحابها على بركة الله عزوجل. وعنوانها هو:

سبل حفظ الحسنات من شر السيئآت

عندما نراجع مصادر الحديث الشريف المعتبرة عند مختلف المذاهب الاسلامية نجد عدداً كبيراً من الاحاديث الشريفة تصرح بقوة التأثير المتبادل بين الحسنات والسيئآت في ميزان اعمال كل انسان، وان السيئات تذهب بالحسنات.
فمثلاً‌ روي في مصادر الفريقين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: انه ليأتي العبد يوم القيامة وقد سرته حسناته، فيجيء‌ الرجل، فيقول: يارب ظلمني هذا...
ثم قال (صلى الله عليه وآله): فيؤخذ من حسناته [اي الاول] فيجعل في حسنات الذي سأله [اي المظلوم]، فما يزال كذلك حتى ما يبقى له حسنة.
ولكن، ما حال هذا الانسان إذا خلا ميزان اعماله من الحسنات وجاء مظلوم آخر قد لحقه ظلم منه في الحياة الدنيا؟
يجيب رسول الله (صلى‌ الله عليه وآله) عن ذلك بقوله في تتمة الحديث: فاذا جاء من يسأله [اي عن ظلم لحق به في الدنيا] نظر الى سيئاته [اي الى سيئآت المظلوم] فجعلت مع سيئآت الرجل، فلا يزال يستوفي منه حتى يدخل النار!
ونقرأ في رواية اخرى عنه (صلى‌ الله عليه وآله)‌ انه قال: يؤتى ‌بأحد يوم القيامة ويوقف بين يدي الله ويدفع اليه كتابه، فلا يرى حسناته.
فيقول: الهي ليس هذا كتابي، فإني لا ارى فيه طاعتي؟
فيقال له: ان ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك بأغتياب الناس.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): ثم يؤتى بآخر ويدفع اليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة.
فيقول: الهي ما هذا كتابي، فإني ما عملت هذه الطاعات!
فيقال له: لان فلاناً‌ اغتابك فدفعت حسناته اليك.
كما روي في كثير من المصارد الحديثية والفقهية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: من ظلم امرأةً مهرها فهو عند الله زان [اي ان هذه هي الصورة الملكوتية لعمله].
ثم قال (صلى الله عليه وآله) في بيان موقف هذا الرجل الظالم لحق زوجته عند الحساب:
يقول الله عزوجل يوم القيامة [له]: عبدي زوجتك امتي على عهدي فلم توف بعهدي وظلمت امتي.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): فيؤخذ من حسناته فيدفع اليها بقدر حقها، فإذا لم تبق له حسنة امر به الى النار بنكثه للعهد (ان العهد كان مسؤولاً).
ولكن ايها الاخوة والاخوات، كيف يعالج الانسان هذه المشكلة؟ وكيف يحفظ حسناته؟
الاحاديث الشريفة هدتنا الى سبل ذلك وفتحت ابواب الامل في مختلف الحالات. السبيل الاول هو التوبة ورد المظالم وارضاء من ظلمهم عند امكانية ذلك.
اجل، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: من اقتطع مال مؤمن غصباً بغير حقه، لم يزل الله عزوجل معرضاً‌ عنه، ما قتاً لأعماله التي يعملها من البر والخير لا يثبتها في حسناته حتى يتوب ويرد المال الذي اخذه الى صاحبه. 
ولكن ما حال ومصير من لم يستطع القيام بذلك لسبب من الاسباب خارج عن ارادته وقدرته مع صدق نيته في ذلك؟
الجواب هو: ان يتوب ويتوجه الى الله جلت قدرته فهو القادر على كل شيءٍ، وهذا السبيل هدتنا اليه احاديث وادعية اهل بيت النبوة (عليهم السلام) ومنها الدعاء التالي المروي في كتاب الاقبال وقد جاء فيه:
الهي واسألك ان تصلي على محمد وآل محمد، وتهب لي برحمتك كل ذنب فيما بيني وبينك، وان تستوهبني من خلقك وتستنقذني منهم، ولا تجعل حسناتي في موازين من ظلمته واسأت اليه فإنك على ذلك قادر يا عزيز... يا ارحم الراحمين.

*******

ننقلكم الآن الى فقرة يجيب فيها خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند على اسئلتكم للبرنامج.
فلنستمع معاً الى اللقاء الهاتفي التالي الذي اجراه معه زميلنا وحوار عن احتياجات البدن في موقف الحشر.
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احباءنا وسلام على شيخنا الكريم الشيخ محمد السند، سماحة الشيخ من الاخ مصطفى الاحمد وردنا هذا السؤال يقول كيف تلبى الحاجات لاهل المحشر من الطعام والشراب والاستراحة والنوم وغير ذلك وخاصة مع طول فترة مواقف الحساب؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين، في الحقيقة على صعيد يوم القيامة فيه من الاهوال المفزعة وفيه من الشدائد ومن العطش والجوع ما ذكر في كثير من الروايات ربما حتى الكثير من اهل الجنة يبتلون بتلك الاهوال وتلك الشدائد والقليل ممن لهم اعمال من نمط خاص من الصلاح والبر اولئك في الحقيقة الذين ينجون من الشدائد والاهوال، ففي الحقيقة تلك الشدائد مقدر لها من رب العالمين ان تقع في عرصات يوم القيامة ولكن ليس ذلك لاجل عدم الامكانية والقدرة في البيئة التي تتهيأ في يوم القيامة وفي عرصات المحشر لاجل تزويد جميع البشرية الطعام والغذاء وما شابه ذلك، ولكن هي البيئة بيئة المحشر وبيئة النشر وبيئة الحشر وبيئة عرصات يوم القيامة مخصصة، بروز وتجلي الشدائد.
المحاور: سماحة الشيخ لعل السائل يقصد بان المعاد ما دام جسمانياً والجسم بطبيعته يحتاج الى الطعام والشراب والنوم اذا كانت الشدائد هي في اصل الجوع والعطش قد تكون كفارات عنه، ولكن في الحياة الدنيا البدن ان لم يطعم ولم يسقى الماء مثلاً لا يستطيع المقاومة ينتهي يصيبه الموت، فهل ان هذه الحالة تصدق على يوم الحشر ام لا لعله السائل يشير الى هذه الجنبة؟
الشيخ محمد السند: يعني في الآيات والروايات هناك اشارات عديدة الى انه يصيب اهل المحشر والمعاد كثير من الشدائد وربما حتى نوع من الغيبوبة ثم يفزع عن قلوبهم واهوال عديدة تتوالى عليهم، ولكن ايضاً ورد يوم تبدل الارض غير الارض وردت في روايات اهل البيت عليهم السلام وهم ادرى بما في البيت ان الارض تبدل بنمط معين او ارض المحشر، نستطيع ان نقول ارض المحشر التي هي ارض عادية تلك الارض تبدل كخبزة يعني كمواد غذائية ومنبع يمكن ان يستقي منها اهل المحشر غذائهم واكلهم، ولكن بالجمع بين طوائف عديدة من الروايات عرصات وعقبات المحشر ومراحلها عديدة جداً ولا يمكن حمل بعض مصادر الروايات او الآيات على كل المراحل بل لابد من التوفيق فيما بينها بحملها على مراحل وعرصات عديدة، كما في رواية رواها الطبرسي بالاحتجاج في حوار بين امير المؤمنين عليه السلام وذلك المشكك في جملة من الآيات انها كيف التي تستعرض وترسم لنا صوراً تمثيلية مشاهدة حية عن احداث واهوال عرصات يوم القيامة والمحشر فيجيب عليه امير المؤمنين عليه السلام بان لا تناقض ولا تعارض ولا تنافي بين تلك الآيات لان كل طائفة من تلك الآيات في الواقع تعكس وتصور مشهد من المشاهد وهناك مشاهد عديدة في الحقيقة يمر بها اهل المحشر، ومن ثم لدينا وصية كبيرة في روايات اهل البيت عليهم السلام والآيات الكريمة ان هناك جملة من الاعمال تنقذ الانسان وتعيشه في ظل الله عز وجل يوم لا ظل الا ظله.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند شكراً جزيلاً، تفضلوا لمتابعة ما تبقى من البرنامج مشكورين.

*******

اما الآن فننتقل بكم اعزاءنا الى فقرة ادبية اخترنا لها عنوان:

ثلاثة ايام للسائح مع العابد

نقلت بعض المصادر مثل كتاب الفتوحات وغيره حكايةً رمزية فيها اشارات الى سبل النجاة في منازل الآخرة؛ فنقلوا عن بعض السياح انه مر بصومعة متعبد فناداه ثلاثاً حتى اجابه. 
فسأله السائح ان يعظه موعظة تنفعه، فقال العابد: كل القوت والزم السكوت وعلل النفس فإنها تموت وذكرها بالوقوف بين يدي الحي الذي لا يموت. ثم انشأ العابد قائلاً:

لو قنعنا لكفانا

منك يا دنيا اليسير

انت نعماك قليل

وبلاياك كثير

وبات السائح وتلك الليلة يردد هذه الكلمات ويتفكر فيها، ثم عاد في صبحه الى العابد وقال له: زدني من تلك الحكمة. 
فقال له العابد: كل مما كسبته يمينك وعرق فيه جبينك، فإن ضعف يقينك فسل ربك فإنه يغينك. ثم انشأ العابد الأبيات التالية:

إذا اقتربت ساعة يا لها

وزلزلت الارض زلزالها

فلابد من سائل قائل

من الناس يومئذ ما لها

وتنفطر الارض عن ساعة

تشيب الكهول واطفالها

ترى الناس سكرى بلا نشوة

ولكن ترى النفس ما هالها

ترى النفس ما قدمت محضراً

ولو ذرةً كان مثقالها

ذنوبي، بلائي فما حيلتي

إذا كنت في الحشر حمالها

يحاسبها ملك قادر

فإما عليها واما لها

وبات السائح ليلته الثانية في جوار صومعة العابد يتفكر في دلالات ما سمعه، وفي صباح اليوم الثالث خف للعابد قائلاً: زدني من تلك الحكمة.
فقال له: مذكراً بالالتزام بالواجبات واستذكار عرض المحشر.
صل الفرض واذكر العرض... ثم انشأ ابياتاً في الحث على التحرر من اسر الدنيا التوجه الى الله عزوجل بصالحات الأعمال فقال:

متى تهجر الدنيا وتحيا بتوبة

وعمرك للدنيا يساق بها ركضا

فلابد بعد الموت ان تسكن البلى

يرضك ثقل الترب تحت الثرى رضا

وتعطى كتاباً فيه كل فضيحة

وتشهد اهوال القيامة والعرضا

فقم في دياجي الليل لله طائعاً

لعل الذي اسخطته لعله يرضا

وفي صباح اليوم الرابع عاد السائح للعابد طالباً المزيد من الحكمة وهو يودعه، فأوصاه بالصبر وانشأ ابياتاً؛ لكي يحفظها ويخاطب بها نفسه ترويضاً لها، فقال:

متى تهدى الى سبل الرشاد

اذا كنت المصر على الفساد

نهارك لاعباً تغتر فيه

وليلك لا تمل من الرقاد

فدع ظلم العباد فليس شيء

اضر عليك من ظلم العباد

وهيء الزاد انك ذو رحيل

على السفر البعيد على‌ انفراد

تأهب للذي لابد منه

فإن الموت ميقات العباد

يسرك ان تكون زميل قوم

لهم زاد وانت بغير زاد

الوقت المخصص لهذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل قد انتهى. كونوا معنا اعزاءنا في الحلقة المقبلة التي تأتيكم في مثل هذا الوقت من الاسبوع القادم. الى حينها نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

ذات صلة

المزيد
جميع الحقوق محفوظة