بسم الله وله المجد والحمد حبيب قلوب الصادقين والصلاة والسلام على رحمته الكبرى للعالمين المصطفى الامين وآله الطاهرين.
السلام عليكم على بركة الله وبتوفيقه نبدأ لقاء آخر ضمن البرنامج ونحن نصحبكم ضمن المحطات التالية:
- محطة عقائدية عن الكفر بأولياء الله والخلود في ناره جل جلاله
- وإتصال هاتفي مع خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند وإجابة عن سؤال مجازاة الكفر او الشرك الجلي والخفي
- ثم حكاية ذات دلالات عدة عنوانها: إذهب فقد مد الله في عمره
- ونختم اللقاء بفقرة ادبية عنوانها ما يبقى وما يفنى
*******
إذن كونوا معنا والفقرة التالية وعنوانها في هذا اللقاء هو:
معاداة الاولياء والخلود في النار
عرفنا في الحلقات السابقة من برنامج عوالم ومنازل أن القرآن الكريم قد حذرنا من مجموعة من الامور التي تسبب الخلود في النار وهو أشد أنواع العذاب الاليم أعاذنا الله وإياكم من جميع أقسامه وقد اتضح أن العامل المحوري المسبب للخلود في النار هو الكفر بالله وبآياته عن عناد وجود، وهذا ما بينته أيضاً كثير من الاحاديث الشريفة فمثلاً روى الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد بسنده عن مولانا الامام الكاظم (عليه السلام) انه قال: لا يخلد الله في النار الا أهل الكفر والجحود وأهل الضلال والشرك.
وتبين الاحاديث الشريفة مصاديق الكفر بالله وبآياته عزوجل، فتصرح أن من أوضحها هو الكفر بأولياء الله من الانبياء والاوصياء عليهم السلام بعدما ثبت بأنواع البراهين والادلة أنهم خلفاء الله عزوجل والهادون اليه.
وفي هذا السياق رويت في المصادر المعتبرة عند مختلف الفرق الاسلامية وبألفاظ كثيرة ان مبغض الامام علي (عليه السلام) والمنكر له عن جحود وعناد هو من المصاديق البارزة للمخلدين في النار طبقا ً للقاعدة المتقدمة بعدما نص القرآن الكريم وصحاح الاحاديث النبوية المتواترة على ولايته (عليه السلام) وهذا ما صرحت به نصوص كثيرة منها مثلاً ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الامالي مسنداً عن ابن عباس أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أعطاني الله خمساً وأعطى علياً خمساً، أعطاني جوامع الكلم وأعطى علياً جوامع العلم، وجعلني نبياً وجعل علياً وصياً، أعطاني الكوثر وأعطى علياً السلسبيل، وأعطاني الوحي وأعطى علياً الالهام.
وأسرى بي اليه عزوجل وفتحت (لعلي) أبواب السماء حتى رأى ما رأيت ونظر الى ما نظرت اليه ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا بن عباس، من خالف علياً فلا تكونن ظهيراً له ولا وليا، فوالذي بعثني بالحق، ما يخالفه أحد الا غيرّ الله ما به من نعمة وشوّه خلقه قبل إدخاله النار.
يا ابن عباس، لا تشك في عليّ فإن الشك في علي يخرج عن الايمان ويوجب الخلود في النار.
وهذا الحكم يصدق بوضوح أيضاً على من ناصب العداء علياً وأئمة العترة المحمدية (عليهم السلام) وشيعتهم لأنهم شيعة لأهل البيت عليهم السلام، ما رواه الشيخ محمد الكليني رضوان الله عليه في كتاب الكافي بسنده عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه تحدث عن ثواب السعي في قضاء حوائج المسلم الى أن قال: ومن صنع اليه (أي للمسلم) معروفاً في الدنيا، فاذا كان يوم القيامة قيل له: (أي للمسلم) معروفاً في الدنيا، قيل له (اي للمسلم): ادخل النار [والمراد هنا من دخول النار ليس بالاقامة فيها بل الاطلاع على اهلها]، قال:
قيل له: ادخل النار فمن وجدته فيها صنع اليك معروفاً في الدنيا فأخرجه بأذن الله عزوجل الا أن يكون ناصباً [أي معادياً لآل محمد (صلى الله عليه وآله)].
ونلاحظ في هذا الحديث الشريف اشارة الى ان الناصبي حتى اذا اسدى معروفاً لأحدٍ من المؤمنين فإن ذلك لاينفعه في الخلاص من الخلود في النار وإن كان قد ينفعه في تخفيف بعض اهوال الحشر كما هو المستفاد من احاديث اخرى وهذا في الواقع حكم قرآني بينه مولانا الامام الصادق (عليه السلام) في الحديث المروي عنه في كتاب المحاسن أنه قال: (لا ينفع مع الكفر عمل)، ثم استشهد بمضمون عدة من الآيات الصريحة الواردة في سورة التوبة والتي تذكر أن سبب عدم قبول الله تبارك وتعالى لنفقات المنافقين هو أنهم كفروا بالله وبرسوله وأن موتهم هو على هذا الكفر في الواقع.
ومن مما تقدم يتضح أن من بين أهل النار من لا يخلده الله جلت رحمته فيها بل يخرجه منها بعد أن يلبث فيها أحقاباً، وهذا الامر صرحت به النصوص الشريفة وعرفتنا بشروطه أيضاً.
*******
ولكن الحديث عنه نوكله الى الحلقة المقبلة من برنامجكم عوالم ومنازل فيما الى زميلنا ليعرض بعض أسئلتكم للبرنامج على خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند.
مجازاة الكفر او الشرك الجلي والخفي
المحاور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وسلام على خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند، سماحة الشيخ الاخ ابو منتظر يسأل يقول قلتم في حلقة سابقة ان الكفار والمشركين يخلدون في النار، فهل هذا الامر يصدق على الكفر والشرك الجلي فقط ام يشمل الخفي ايضاً؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، طبعاً العناد والجحود لا يمكن فرض تحققه الا مع كون الكفر مخالفة جلية، والا مع كونه خفي وتستبطن شدة في الخفاء ودرجات اخفى فاخفى من الواضح انه لا يتسير حين اذن العناد او الجحود، نعم ربما يتصور العناد مع خفاء الكفر فيما لو كانت العصبية والتزمت والاصرار على هذا المطلب في قرارة نفس من يعتنقه بحيث له درجة من الاصرار والتعصب يصر عليه حتى لو انكشف لا سامح الله انه مخالف الى ثوابت والى ضروريات والى اسس يبقى مصراً على ذلك، هناك العصبية هي من شدة الغضب والعناد قد تفرط في بعض الحالات والصور وان كانت قليلة الوقوع.
المحاور: سماحة الشيخ الاخ ايضاً يسأل يقول مضمون الاية الكريمة قال الله تعالى «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»، كيف نجمع بين هذه الاية وآية «هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ»، لماذا يعني اذا كان امر كُنْ فَيَكُونُ لماذاسِتَّةِ أَيَّامٍ هنا؟
الشيخ محمد السند: في الحقيقة هناك المأخوذ في مفاد الآية انما امره عالم الامر، وقد بينت آية ثالثة ان الخلق بالمعنى العام تنقسم الى عالم الامر وعالم الخلق وله الامر وله الخلق، فعالم الامر شأنه الابداع كُنْ فَيَكُونُ واما عالم التخليق نظير النطفة وتكوين الارض وبسط الارض والسماوات وما شابه ذلك ليست من عالم الامر، انما مفاد الاية الابداع وهو عالم الامر انه كُنْ فَيَكُونُ وليس عالم الخلق ففي فرق بين عالم الامر وعالم الخلق، باعتبار ان عالم الخلق هو في نفسه ذاتيه التدريج طبيعة وجوده التدريج لانه ضمناً ان نقول لزمان مئة سنة ان ينضغط هذا الزمان القرن الكامل ينضغط في آن ولحظة فحينئذ ينمسخ ويتغير عن ذاته، فطبيعة ذاتات الامور والاشياء في عالم الخلق انها تدريجية والا لخرجت عن هويتها، فاذن فرق بين عالم الامر الذي وصف بانه كُنْ فَيَكُونُ وعالم الخلق.
المحاور: سماحة الشيخ دقيقاً المقصود من عالم الامر ما هو المقصود؟
الشيخ محمد السند: هو العالم المجرد عن الاجسام والمادة وعالم الابداع، يعبر عنه ذلك عالم من نمط آخر مجرد عن هذه المادة الغليظة وعن هذه المقادير الجسمانية والحلول والفواصل الجغرافية والزمانية، يعني مجرد عن هذه المادة.
المحاور: هل هو المعبر عنه بعالم الملكوت؟
الشيخ محمد السند: نعم طبعاً عالم الملكوت هو درجات طبقات غير الطبقة العليا منها عالم الابداع.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند شكراً جزيلاً، وجزا الله وهم يتابعون ما تبقى من فقرات هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل.
*******
نتابع أعزاءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل بنقل حكاية موثقة ومعبرة إخترنا لها العنوان التالي:
إذهب فقد مد الله في عمره
نقل المرحوم آية الله السيد محمد حسين الطهراني في موسوعته عن معرفة المعاد عن احد علماء سامراء أنه ابتلي أيام دراسته بمرض الحصبة وكان يعد يومذاك من الامراض الصعبة وقد عولج من مرضه في سامراء بمعالجات عدة ولكن دون جدوى، وأخذت حالته تزداد سوءً فأضطروا الى نقله الى مدينة الكاظمية المقدسة لعرضه على أطباء أفضل.
وقد رافقه في هذه المرحلة والده وإخوته فأستأجروا غرفة في احد الفنادق القريبة من حرم الامامين الكاظم والجواد سلام الله عليهما، وعالجوه فترة دون جدى أيضاً حتى بلغ به المرض حداً غاب معه عن الوعي لقد أعرب اطباء الكاظمية عن يئسهم من امكانية شفاء هذا الشاب فذهب إخوته وجلبوا أفضل من عرفوه من أطباء مركز العاصمة بغداد لمعالجة أخيهم، ولكن هذا الطبيب وإن كان حاذقاً في عمله الا انه كان من اهل السوء والمعاصي، يقول هذا الشاب واصفاً حاله عند مجيئه كنت غائباً عن الوعي ولا أشعر بما حولي، لكنني شعرت بثقل شديد يجثم على صدري ففتحت عيني دون ارادة مني فرأيت شخصاً بهيئة خنزير واقفاً عند رأسي، ودون إرادة مني بصقت في وجهه فصاح بي ماذا تفعل أنا دكتور، أنا دكتور! بوجهي الى الحائط تجنباً للنظر اليه وهو يفحصني، ثم أصدر تعليماته لإخوتي وكتب نسخة الدواء وذهب، فشعرت بذلك الثقل الجاثم يزول عن صدري.
ولا يخفى عليكم أن ما رآه ذلك الشاب في تلك الحالة هو الصورة البرزخية لذلك الطبيب وقد رآها بعينه البرزخية وعلى اي حال ٍ فقد نفذ إخوة الشاب تعليمات هذا الطبيب بحذافيرها ولكن دون جدوى، فدخل الشاب في مرحلة الاحتضار وهناك رأى بعينه البرزخية مشهداً آخر يحدثنا عنه قائلاً: رأيت ملك الموت قد دخل عليّ بملابس بيضاء وبهيئة شاب وسيم نيّر الطلعة هش وبش. ثم دخل الخمسة الاطهار عليهم السلام بالترتيب النبي الاكرم وأمير المؤمنين والزهراء والحسنان، فأنست بهم ونسيت ما بي من أوجاع ولكن في خضم ما كان يشاهده هذا الشاب المحتضر بعينه الملكوتية شاهد والدته وقد صعدت الى سطح الفندق وهي مضطربة هلعة وتوجهت الى القبة المطهرة لمولانا الامام الكاظم (عليه السلام) متوسلة به الى الله عزوجل وهي تقول: يا مولاي يا موسى بن جعفر، لقد جئت بولدي الى هنا رجاء شفاعتك أفترضى أن أدفنه هنا وأرجع وحدي؟
لقد شاهد الشاب وهو في غرفته تضرع وتوسل والدته وهي على سطح الفندق ثم شاهد بعينه الملكوتية أيضاً استجابة الله عزوجل لتوسلها، قال في بيان ما جرى: عندما كانت والدتي منهمكة في توسلها. شاهدت مولاي مولاي الامام الكاظم (عليه السلام) وقد جاء الى غرفتنا فقال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أرجو أن توافقوا على رجاء أم هذا السيد وتشفعوا لشفائه، فإلتفت رسول الله الى ملك الموت وقال: إذهب الى الأجل الذي عينه الله تعالى فقد أمد الله في عمره بتوسل والدته.
ثم جاءت والدتي وعدت أنا الوعي فقلت لها: لماذا فعلت هذا؟
لقد كنت على وشك أن أذهب مع النبي والوصي والزهراء والحسنين فلم تتركيني أذهب معهم (عليهم السلام)!
*******
كما نرجو من الله أن تروق لكم الفقرة الادبية في هذه الحلقة وعنوانها هو:
ما يبقى وما يفنى
نقرأ لكم أبياتاً جميلة في فلسفة الحياة والموت للعالم الاديب الشيخ طاهر الكندي السوداني من علماء مدينة العمارة العراقية يقول فيها (رحمه الله):
سبحان من أنشأ المخلوق من عدم
وحكم الموت بين الناس عن حكم
فكل نفس تذوق الموت في ألم
لا تأمنن وإن أمسيت في حرم
إن المنايا بجنبي كل إنسان
إن كان قلبك حب المال شائقه
أو كان عهدك عهد الحتف واثقه
فكل باب رسول الموت طارقه
وكل ذي صاحب يوماً يفارقه
وكل زاد وإن أبقيته فان
وإن صفى لك دهر غير مؤتمن
بل كيف تأمن من مشؤوب بالمحن
إن كنت في سنة من حادث الزمن
فالخير والشر مقرونان في قرن
بكل ذلك يأتيك الجديدان
الله يأتيك ما أمناك من ورع
والله ينجيك من خوف ومن فزع
فاسم بنفسك وأرق خير مرتفع
وأسلك طريقاً تمسي غير مختنع
حتى تبين ما يمني لك الماني
*******