وله الحمد بارئ الخلائق أجمعين وعصمة المعتصمين وازكي الصلوات الساميات التحيات الخالصات علي النبي الكريم رحمة الله الكبري للعالمين وآله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية مباركة طيبة لكم ونحن نلتقيكم في حلقة أخري من برنامج عوالم ومنازل وضمن الفقرات التالية:
- الأولي روائية عقائدية عنوانها: هداية باقرية للنجاة ورفيع الدرجات
- وفي الثانية إجابه من ضيف البرنامج عن أحد أسئلتكم المهمة للبرنامج
- وفي الثالثة حكاية عنوانها: لا نزداد لله الا حباً
- وفي الرابعة إجابة صادقية عن سر الخلود في الجنة أو النار
- والفقرة الخامسة أدبية فيها مختارات من أشعار الموعظة ضمن عنوان هو: إكرام الوديعة
*******
علي بركة الله نبدأ جولتنا في هذا اللقاء بالفقرة الأولي وعنوانها هو:
هداية باقرية للنجاة ورفيع الدرجات
روي الشيخ الطوسي في كتاب "الأمالي" عن مولانا الإمام الباقر (عليه السلام) أنه كان يقول: أربع من كن فيه كمل إسلامه وأعين علي ايمانه ومحصت ذنوبه، ولقي ربه وهو عنه راض ولو كان فيما بين قرنه الي قدمه ذنوب حطها الله تعالي عنه.
ثم قال (عليه السلام) مبيناً هذه الخصال بقوله: وهي الوفاء بما يجعل الله علي نفسه.
أي الوفاء بما يعاهد الله عليه ثم قال (عليه السلام) عن باقي الخصال: وصدق اللسان مع الناس والحياء مما يقبح عند الله، وعند الناس وحسن الخلق مع الأهل والناس.
ثم قال مولانا الباقر (عليه السلام): وأربع من كن فيه من المؤمنين اسكنه الله في اعلي عليين في غرف في محل الشرف كل الشرف.
ثم ذكر (عليه السلام) هذه الخصال التي ترفع درجات المؤمنين في الجنان قائلاً:
من آوي اليتيم ونظر له فكان له أبا
ومن رحم الضعيف وأعانه وكفاه
ومن انفق علي والديه ورفق بهما وبرهما ولم يحزنهما ومن لم يخرق لمملوكه [أي من لم يكلف مملوكه أو أجيره ما يصعب عليه القيام به].
قال (عليه السلام): ومن لم يخرق لمملوكه وأعانه علي ما يكلفه ولم يستعمله فيما لا يطيق.
يشير مولانا الباقر (عليه السلام) في الجزء الأول من حديثه المتقدم الي إكرام الله عزوجل لعباده المؤمنين بتطهيرهم من الذنوب وتمحيصهم منها في الحياة الدنيا لكي لا تمسهم النار في الحياه الاخرة أبداً.
أي أن الله جل جلاله يزيل في الحياة الدنيا عن نفوسهم كل لوثٍ ورجس بحيث لا تبقي ثمة حاجة لتطهيرهم من آثار الذنوب بالنار في الآخرة لكي يتأهلوا لدخول الجنة.
وقد أشارت احاديث شريفة كثيرة الي هذه الحقيقة نكتفي بواحد منها مروي في كتاب المحاسن للشيخ البرقي رضوان الله عليه مسنداً عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه قال: والله لا يصف عبد هذا الأمر [أي يعتقد بالعقائد الحقة] فتطعمه النار.
وهنا سأله الراوي أن بين المعتقدين بالعقائد الحقة من يرتكب المعاصي، فكيف لا تمسه النار في الآخرة؟
فاجابه (عليه السلام) قائلاً: إنه إذا كان ذلك ابتلي الله تبارك وتعالي أحدهم في جسده فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا ضيق الله عليه في رزقه، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا شدد عليه عند موته حتي يأتي الله ولا ذنب له ثم يدخله الجنة.
وثمة بديل آخر لهذه الإبتلاءات التي ذكرها مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) وهي التي ذكرها مولانا الإمام الباقر سلام الله عليه في الحديث السابق.
وهذه الخصال الأربع هي: وفاء المؤمن بما يجعله لله علي نفسه من عهود وصدق اللسان مع الناس والحياء مما يقبح عند الله وعند الناس وحسن الخلق مع الأهل والناس. رزقنا الله التحلي بهذه الخصال الحميدة.
اللهم أمين، ورزقنا واياكم التحلي بالخصال الأربع الأخري التي ذكرها الامام الباقر (عليه السلام) والتي تؤدي الي رفع المؤمن الي أعلي عليين الجنان.
وهي إيواء الأيتام والتعامل معهم بروح أبوية ورحمة الضعفاء وإعانتهم وبر الوالدين وعدم التشديد علي الأجراء وإعانتهم.
رزقنا الله وإياكم توفيق العمل بهذه الخصال المنجية من الهلكات والموصلة الي رفيع الدرجات اللهم أمين.
*******
أما الان فالي الفقرة المخصصة للإجابة عن أسئلتكم للبرنامج.
المحاور: السلام عليكم اعزائنا ورحمة الله وبركاته وسلام على ضيفنا الكريم سماحة السيد محمد الشوكي، سماحة السيد الاخ احمد العلي يسأل عن معنى قول الامام السجاد سلام الله عليه في دعاء يوم الثلاثاء من ادعية الايام (واجعل الوفاة راحة لي من كل شر) ما المقصود بهذا القول الشريف؟
الشيخ محمد السند: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، الحقيقة ان المحسنين وشيعة اهل البيت بحاجة الى ثقافة عالم الاخرة، ومعرفة عوالم ومنازل عالم الاخرة، وآثار ومعطيات هذا العالم الذي يبدأ وتبدأ اول مراحله بالموت وسلب الروح عن البدن، للاسف الشديد توجد عند بعض الناس او عند الكثير حتى من بعض المؤمنين صورة غير صحيحة عن مسألة الموت، لهذا احد اسباب كراهية الموت والخوف من الموت والجزع من الموت هو ان المؤمنين لا يعوون ولا يعرفون حقيقة الموت، ولهذا الامام سلام الله عليه يسأل من بعض اصحابه يقول له لماذا يكره الصبي والمجنون الدواء؟ قال لانهم يجهلون فائدته، يعني يرى ان هذا فقط مر وطعمه غير سائغ ويجهلون عن فائدته وآثاره التي يتركها على البدن، قال كذلك الناس انما يكرهون الموت لانهم يجهلون الموت، ولو عرفوه لاحبوه فأنه كالدواء المنقي لابدانهم من الداء ومن الامراض، بالنسبة الى الانسان المؤمن يمثل الموت بداية كل خير ونهاية كل شر، لاننا نعلم ان الحياة الدنيا هي سجن المؤمن كما قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وجنة الكافر، وكثرة الابتلاءات بالنسبة الى المؤمنين واضحة معروفة في التاريخ، المؤمنون هم اكثر الناس ابتلاءاً، بل البلاء يزداد كلما ازدادت درجة الايمان، ولهذا اشد الناس بلاءاً الانبياء والاوصياء ثم الامثل فالامثل، اذن الحياة الدنيا طبيعي هذا الابتلاء بالنسبة الى المؤمنين ليس كراهية من الله للمؤمنين بل حباً من الله للمؤمنين لانه يريد ان يجعل المؤمنين يتكاملون وترتفع وتتصاعد درجاتهم الكمالية والايمانية وهذا لا يتم الا من خلال اجتياز البلاء، فالدنيا سجن المؤمن بالنسبة الى المؤمن تمثل الابتلاءات المتعددة والمصاعب المتنوعة البلايا المحن المتاعب في المال في الوطن في الامن في الجسم الى سائر هذه الامور، الموت يمثل بالنسبة للانسان المؤمن نهاية كل بلاء ونهاية كل تعب ونهاية كل صعب وبداية كل خير وكل سعادة وكل راحة، ينقل الانسان من سجن الدنيا المقيت الى رحابة عالم الاخرة والى جنة البرزخ، يعني الانسان المؤمن في عبارة اخرى بمجرد ان تغمض عيناه ينتقل الى الجنة مباشرة، غايته ان هذه الجنة هي جنة برزخية لكن تبقى جنة، صحيح ليست بكمال جنة الاخرة ولكنها تبقى جنة لا تعب فيها جنة برزخية، فاذن بمجرد ان تغمض عين الانسان المؤمن ينتقل الى السعادة ينتقل الى الراحة ينتقل الى الهناء، وينقطع عنه كل الشقاء وكل اسباب الشقاء والتعب، بخلاف الانسان الكافر، الانسان الكافر يمثل الموت بالنسبة اليه نهاية كل خير وبداية كل شر، بعد كل راحة كل لذة يشعر بها الكافر حده الى الموت في الحياة الدنيا، ما بعد الموت لن يرى سعادة ولن يرى هناءاً، فبالنسبة الى الانسان الكافر الموت نهاية كل خير وبداية كل شر، لكن بالنسبة الى الانسان المؤمن الموت نهاية كل شر يعني كل متابع كل مصاعب كل آلام وبداية كل خير وكل هناء. الامام سلام الله عليه يدعو من الله عز وجل ان يجعل الموت بالنسبة اليه راحة من كل شر، يريد ان يعلمنا ان ندعو الله هكذا كيف؟ حقيقة هذا دعاء بالمسبب وليس بسبب يعني الهي اجعلنا مؤمنين كاملين حتى يكون الموت بالنسبة الينا راحة من كل شر، فالموت بالنسبة الى المؤمن راحة من كل شر، نحن ندعو الله عز وجل ان يجعل الموت لنا راحة من كل شر بان ماذا؟ بان يجعلنا مؤمنين كاملين، اذا وفقنا لان نكون مؤمنين كاملين تلقائياً الموت يكون بالنسبة الينا زيادة في كل خير ونهاية لكل شر ولكل ألم ولكل تعب ولكل نصب مررنا به في حياتنا، فالحقيقة كما ورد في الرواية ان الانسان الميت على صنفين مستريح ومستراح منه، بعض الناس عندما يموت يستريح من هم الدنيا وغمها، كما قال الامام الحسين لولده الاكبر بني لقد ارتحت من هم الدنيا وغمها، فقسم يستريح من هم الدنيا وقسم يستراح منه، يعني عندما يموت يستريح الناس منه لانه كان يمثل شراً بالنسبة اليهم، نسأله تعالى ان يجعلنا من الصنف الذي يستريح بالموت وان يجعل الموت بالنسبة الينا زيادة في كل خير ونهاية لكل شر، والحمد لله رب العالمين.
المحاور: الحمد لله رب العالمين، اللهم آمين، سماحة السيد محمد الشوكي شكراً جزيلاً، وشكراً لاحبائنا وهم يتابعون ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل.
*******
كما نشكر طيب استماعكم للفقرات اللاحقة ومنها حكاية ذات دلالات وضعنا لها العنوان التالي:
لا نزداد لله الا حبّا
ننقل لكم في هذه الفقرة حكاية من سيرة أئمة العترة المحمدية (عليهم السلام) تبين عمق إرتباطهم وجميل عبوديتهم لله عزوجل في كل الأحوال.
الحكاية رواها السيد الجليل هبة الله بن سعيد الملقب بالقطب، في كتاب الدعوات وجاء فيها أن إبناً للإمام الصادق (عليه السلام) كان يمشي أمامه فأصابته غصة وشرقة مات بسببها.
فبكي الإمام (عليه السلام) لكنه ناجي ربه جل جلاله بكلمات مفعمة بالتسليم والرضا بقضائه حيث يقول: اللهم لئن أخذت لقد أبقيت ولئن إبتليت لقد عافيت.
ثم حمل الصبي الي العيال فلما رأينه صرخن فأقسم (عليه السلام) عليهن أن لا يصرخن فلما أخرجه للدفن قال: سبحان من يقتل أولادنا ولا نزداد له إلا حباً، فلما دفنه قال: يا بني وسع الله في ضريحك وجمع بينك وبين نبيك.
ثم قال (عليه السلام) لمن كان معه: إنا قوم نسأل الله ما نحب فيما نحب فيعطينا، فاذا أحب ما نكره فيمن نحب رضينا .
*******
كونوا معنا أعزاءنا والفقرة العقائدية التالية وعنوانها هو:
الخلود بالنيات
من الأسئلة التي تثار في الإذهان قضية أن أعمال الناس في الدار الدنيا من الحسنات والسيئات ذات مدة محددة فكيف يكون جزاؤها في الآخرة الخلود في الجنة أو الخلود في النار والعياذ بالله؟ وكيف ينسجم هذا مع العدل الإلهي؟
وقد سئل عن مثل ذلك الإمام الصادق (عليه السلام) في الحديث المروي في عدة من المصادر المعتبرة مثل علل الشرائع للشيخ الصدوق والمحاسن للشيخ البرقي وقد أجاب سلام الله عليه عن هذا السؤال قائلاً: إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبداً.
وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا لو بقوا أن يطيعوا الله ما بقوا فبالنيات خلدّ هؤلاء وهؤلاء.
ثم تلا (عليه السلام) قوله تعالي: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ» وقال [يعني] علي نيته.
*******
وننقلكم الآن الي أجواء شعر الحكمة وفقرة أدبية عنوانها هو:
إكرام الوديعة
نختار لكم في هذه الفقرة أبياتاَ من شعر أبي العتاهية في ذم عبودية الدنيا والحث علي إعمار الدار الآخرة وهي الخلود. فمنها قوله:
خير الرجال رفيقها
ونصيحها وشفيقها
والخير موعده الجنان
وظلها ورحيقها
والشر موعده لضيً
وزفيرها وشهيقها
وما حب دار ليس يؤمن
سيلها وحريقها؟
إني أعيذك أن يغررك
زهرها وبريقها
وهي المنغصة السرور
وإن زهاك أنيقها
إرغب فأنت أسيرها
وإزهد فأنت طليقها
وفي قصيدة أخري يحذر أبو العتاهية من الركون للدنيا قائلاً:
ومالت بك الدنيا الي اللهو والصبا
ومن مالت به الدنيا كان عبدها
بنفسك قبل الناس فَأَعنَ فانها
تموت إذا ماتت وتبعث وحدها
وما كل ما خولت الا وديعة
ولن تذهب الأيام حتي تردها
ويتابع الشاعر قصيدته محذراً من مكائد النفس داعياً الي مجاهدتها ورفض الركون الي الدنيا قائلاً:
إذا أذكرتك النفس دنياً دنيةً
فلا تنس روضات الجنان وخلدها
الست تري الدنيا وتنغيص عيشها
وإتعابها للمكثرين وكدّها؟
وأدني بني الدنيا الي الغي والعمي
لمن يبتغي منها سناها ومجدها
ولو لم تصب منها فضولاً أصبتها
إذاً لم تجد - والحمد لله - فقدها
*******