فاطر القلوب على مجبته والصلاة والسلام على صفوة احبائه المصطفى محمد وآله الأخيار. السلام عليكم احباءنا ورحمة الله وبركاته. ان تكون فقراتها نافعة لنا ولكم وعناوين فقراتها هي:
روافد دائمة للحياة البرزخية
علم الروحانيات واقسامه
الحنين الى لقاء الله
فكونوا معنا...
*******
اولى الفقرات احباءنا تعرفنا بعدة من ينابيع الحياة الطيبة في عالم البرزخ واضدادها ايضاً، عنوان الفقرة هو:
روافد دائمة في الحياة البرزخية
تهدينا الاحاديث الشريفة مستمعينا الاكارم الى عدة امور تعيننا على الفوز بالحياة الطيبة في عالم البرزخ اهمها الايمان والعمل الصالح لأن البرزخ روضة من رياض الجنة لمن تحلى بصدق الايمان وصالح العمل.
وتصرح احاديث معدن الحكمة النبوية ان الدنيا هي دار العمل فعلى الانسان ان يجتهد فيها لاعمار آخرته فينفض عن نفسه حبائل الكسل وطول الأمل ويبادر الى فعل الخيرات.
وبعض الخيرات احباءنا تبقى آثارها مستمرة تتضاعف وتزداد حتى بعد انتقال العامل بها الى عالم الآخرة والبرزخ، وهذا ما تهدينا له احاديث القادة الهداة محمد وآله الطيبين صلوات الله عليهم اجمعين، ننقل لكم بعضها بعد قليل.
روى الشيخ الصدوق اعلى الله مقامه في كتاب الخصال مسنداً عن مولانا الامام الصادق (سلام الله عليه) انه قال:
ليس يتبع الرجل بعد موته من الاجر الا ثلاث خصال: «صدقة اجراها في حياته فهي تجري بعد موته الى يوم القيامة، صدقة موقوفة لا تورث.
او سنة هدىً سنها وكان يعمل بها وعمل بها من بعده غيره.
او ولد صالح يستغفر له».
وروى الشيخ المفيد رضوان الله عليه في اماليه مسنداً عن مولانا الصادق (عليه السلام) انه قال: «خير ما يخلفه الرجل بعده ثلاثة:
الاول: ولد بار يستغفر له.
الثاني: وسنة خير يقتدى به فيها.
الثالث: وصدقة تجري من بعده».
ونرجع مرة اخرى مستمعينا الاكارم الى كتاب الشيخ الصدوق (رحمه الله) اي كتاب الخصال، فقد روى في ابوابه الستة عن امامنا الصادق (سلام الله عليه) انه قال: «ست خصال ينتفع بها المؤمن بعد موته:
الاول: ولد صالح يستغفر له.
الثاني: ومصحف يقرأ فيه.
الثالث: وقليب [اي بئر] يحضره.
الاربعاء: وغرس يغرسه.
الخميس: وصدقة ماء يجريها.
السادس: وسنة حسنة يؤخذ بها بعده».
وننتقل الآن اعزاءنا الى كتاب (المحاسن) للشيخ الثقة البرقي (رضوان الله عليه) فقد روى بسنده عن معاوية بن عمار رحمه الله انه سأل الامام الصادق (عليه السلام) فقال:
اي شيء يلحق بالرجل بعد موته؟
اجاب (عليه السلام): يلحقه الحج عنه والصدقة عنه والصوم عنه.
هذه مستمعينا الاكارم طائفة من الاحاديث الشريفة تعرفنا بغرس مبارك يكون رافداً للانسان المؤمن في حياته البرزخية يتميز بآستمرار عطائه بعد انقطاع عمله.
وما يذكره مولانا الصادق (عليه السلام) في هذه الاحاديث المباركة يرجع الى ثلاثة امور اساسية.
الامر الاول هو ان يحسن تربية اولاده ليكون ما يقدمونه له من استغفار او اعمال خير يقومون بها ويهدون ثوابها له معيناً يأتيه الخير وهو في برزخه.
وما يصدق على الاولاد - احباءنا- يصدق على علاقات الانسان مع جميع من حوله من الاهل والزوجة والارحام والاصدقاء، فينبغي ان يكون تعامله معهم طيباً يبقي له في قلوبهم المحبة وذكر الخير فيذكرونه في دعواتهم ويشركونه في ثواب صالحات اعمالهم.
اما الامر الثاني اعزاءنا فهو الاهتمام بفعل اعمال الخير التي يكون نفعها مستمراً كالموقوفات والصدقات الجارية.
والامر الثالث ولعله اهمها فهو سن سنن الخير والهدى التي يجسدها هو ويدعو لها الآخرين بعمله بها فيكون شريكاً في اجر من عمل بها والى يوم القيامة.
ولهذه الأمور الثلاثة - ايها الاخوة والاخوات مضادات نشير اليها بعد الاستماع لهذا الاتصال الهاتفي الذي اجراه زميلنا مع سماحة الشيخ محمد السند حيث اجاب فيه عن سؤال بشأن علم الروحانيات.
المحاور: سماحة الشيخ من الاسئلة التي وصلتنا سؤال من الاخ جواد الحمادة يقول في سؤاله ما هو علم الروحانيات، هل هذا العلم متداول وصحيح وكيف يكمن الحصول عليه؟ تفضلوا سماحة الشيخ:
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين هذا الاصطلاح وهو علم الروحانيات قد يطلق على علوم عديدة منها علم العرفان ومنها علم الفلسفة وعلوم المعارف وربما يطلق على بعض العلوم ما قد تسمى بالعلوم الغريبة، ربما علم التسخير وعلم الطلسمات وعلم الجفر عموماً العلوم التي تبحث حول القضايا الاثيرية منه علم محرم كالسحر وبعض اقسام التسخير فهذه كما نقول يا فطة او اسم واصطلاح لعلوم عديدة ولا يطلق على علم واحد.
المحاور: سماحة الشيخ جندا لو تبينون يعني الصحيح منها والذي لا اشكال فيه والنافع منه ولو على نحو الاجمال، تفضلوا.
الشيخ محمد السند: منها علوم محرمة وواضحة مثل علم السحر وعلم الغرائم وبعض اقسام الطلسمات وبعض اقسام علم النيرنجات والشعبذة هذه علوم يطلق عليها اسم الروحانيات ولكن قد سطرها وذكر الفقهاء قائمة بأسمائها هي محرمة ويطلق عليها في الواقع علم الروحانيات يعني ما يرتبط بعالم ماوراء المادة مما تتدخل فيه الامور الروحية سواء روحيات الجن او روحيات الملائكة او روحيات الانس هذه مصطلحات عامة ما وراء علم المادة ومنها ما هو ربما مكروه مثل علم الرمل او راجح مثل علم الجفر وماشبه ذلك ومنه ما هو راجح بالاجمال وتعلمه لاجل كسب المعارف الشرعية مثل الفلسفة الصحيحة وعلم العرفان الصحيح المطابق للمعارف الشرعية وماشبه ذلك وهذه ايضاً من علم الروحانيات بأعتبار فيها ذكر نظم وبرامج مرتبطة بعالم الروح وعالم ماوراء المادة.
المحاور: سماحة الشيخ بالنسبة للعلوم التي اشرتم الى تحريم الفقهاء لها، هل ان لهذه العلوم اثار حقيقية ام انها مجرد اوهام مثل بعض العلوم الغريبة او بعض علم السحر وغيره؟
الشيخ محمد السند: في الحقيقة هذه العلوم لا يمكن ان يقال انها اوهام مجردة بل حتى في هذه العلوم الوهم والخيال نفسة له تأثيرات حقيقية وبعبارة اخرى مثلاً وكما يشير الى ذلك القرآن الكريم ويسمعون «ما يفرقون به بين المرء وزوجه» ما مضمون الآية، ففي الحقيقة هي تسويلات الوهم وتخيلات الوهم وبدورها لها تأثيرات على المتوهم وعلى طرف المتوهم فبالتالي لها تأثيرات في النفوس ان لم تكن تأثيراتها في المادة وبالتالي في المادة عبر النفوس فأقل ما يمكن ان يقال في ذلك ولكن لها تأثيرات ربما على اعاقة الاشخاص ايضاً عبر الوهم والتخيل والارهاب والخوف والقلق والشوم واليأس وما هي من حالات السقوط وحالات الانزلاق وماشابه ذلك. هذه كلها تشاهد في تلك العلوم وآثارها ويراد منها حالات ايجابية ولكن تظل هذه العلوم محرمة حتى في سياق الغايات الايجابية لانه طريق محرم فلا تحبذ شرعاً.
المحاور: الاقسام التي ذكر تموها من علوم الروحانيات التي يكون نفعها مضمون وضررها مأمون، ما هي هذه العلوم؟
الشيخ محمد السند: طبعاً عموم علوم المعارف والعقائد من معارف القرآن ومعارف الحديث الشريف سواء بلغة عرفانية او بلغة فلسفية اولغة كلامية او بلغة ادبية هذه كلها تصب في صقل افاق الروح سواء من الجانب العملي او من جانب بعد الادراك للعوالم والمعارف ولا ريب ان هذه تستوسع الروح افقاً وسعة وتصعد بها درجة مضافاً الى برنامج السلوكيات وماشابه ذلك من البرنامج العملي، هذا ايضاً يصقل الروح ايضاً الاخلاق كلها ترتبط بالروح، فبالحقيقة التعرف على قضايا الروح امر بالغ الثمرة وبالغ النتيجة وحتى ان العلوم الغريبة ما يصطلح عليه بالعلوم الغريبة اي غير المتداولة وغير المأنوسة مقصود المحلل منها مثل علم الجفر بأقسامه وعلم الرمل وعلوم اخرى وعلم الحروف، علم المعاني، علم الحساب والاشتقاقات المختلفة هذه على اية حال تفيد الانسان، افرض التنويم المغناطيسي، علم الاثير هذه لا ريب الاطلاع عنها والوقوف عليها هذه لا ريب توجب اطلاع السعة للانسان واقل ما فيها ان توقي الانسان من الانغرار والانزلاق امام اهل الحيل والنصب والدجل في القضايا الروحية وهو يكون لدى الانسان بصيرة مميزة فاصلة بينما هو كرامة حق وبينما هو دجل وحيل ونصب وماشبه ذلك، نحن نشاهد القرآن الكريم يسطر لنا بعض الامثلة ان عفريتاً من الشيطان يستطيع ان يأتي بعرش بلقيس من اليمن الى فلسطين ملك النبي سليمان على نبينا وعليه السلام في ظرف فرضاً ساعة حسب ما هو مضمون الآية «قبل ان تقوم من مجلسك هذا» فمثل هذه الامور مثلاً يمكن ان يأتي بها قوى غير خيرة فأطلاع الانسان عموماً على مثل هذه الامور يزيده بصيرة ويزيده تمييزاً بين ماهو صحيح وما هو خطأ وما هو الخير وما هو الشر.
المحاور: سماحة السيد محمد السند شكراً جزيلاً.
*******
نشكر لكم احباءنا طيب متابعتكم لهذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل وقد خصصنا شطرها الاول للحديث عن الروافد التي يهيأها الانسان في حياته الدنيا لكي تكون معيناً لسعادته في حياته البرزخية والى قيام الساعة.
هذه الامور هي - كما عرفتنا بها احاديث القادة الهداة: الولد الصالح، والصدقة الجارية والسنة الحسنة.
ولهذه الأمور اضداد تسبب الشقاء للانسان في حياته البرزخية وتزيد من عذابه فيها، اعاذنا الله واياكم منها.
اجل اعزاءنا فالذرية السيئة تستجلب لآبائها اللعنات المضاعفة لعذابهم في البرزخ، وهذا يصدق على كل من آذاهم في حياته الدنيا، فإن عفوا عنه فهو لطف منهم والا كانت دعواتهم عليه سبباً لمزيد من عذابه البرزخي الى ان تقوم القيامة.
ومقابل الصدقات الجارية، هناك الاعمال التي يكون اثرها السيء مستمراً بعد موت فاعلها، فاستمرار ايذائها للأخرين سبب لوصول نفحاتها الحارقة له وهو في برزخه.
اما السنة السيئة التي عمل بها فأمرها واضح فالحديث النبوي المشهور صريح في ان من سن سنة حسنة فله اجره واجر من عمل بها الى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة.
واوضح مصاديق ذلك اعزاءنا اصحاب البدع والمتكلمون في دين الله بغير علم فالاحتياط في ذلك خاصة من مهمات اهل المراقبات جعلنا الله واياكم منهم.
*******
اما الفقرة الختامية لهذا اللقاء فقد اخترنا لها عنوان:
الحنين الى لقاء الله
من جميل الاشعار في وصف لقاء الله عزوجل والرجوع اليه ما قاله ابن سينا في قصيدته العينية المشهورة في الفلسفة.
فهو يبدأها ببيان نزول الروح من عالم التجرد الى عالم الدنيا فيقول:
هبطت اليك من المحل الارفع
ورقاء ذات تعزز وتمنع
وصلت على كره اليك وربما
كرهت فراقك وهي ذات تفجع
انفت وما انست فلما واصلت
الفت مجاورة الحزاب البلقع
ففي هذه الابيات يشير ابن سينا الى ان الروح من العالم العلوي فهي تحن اليه بأستمرار.
ولكن الانشغال بالزخارف الدنيوية يضعف هذا الحنين فيها فاذا تجاوزته تاجج فيها ذلك الحنين الفطري ودعاها الى التأهل بما يجعلها تلقى الله بوجه كريم.
قال في بيان خصائص عودة الروح الى بارئها:
حتى اذا قرب المسير الى الحمى
ودنا الرحيل الى الفضاء الاوسع
سجعت وقد كشف الغطاء فابصرت
ما ليس يدرك بالعيون الهجع
وبدت تغرد فوق ذروة شاهق
والعلم يرفع كل من لم يرفع
جعلنا الله واياكم مستمعينا الاكارم ممن تكون فرحته بلقاء الله بوجه كريم يسعى نوره بين يديه. اللهم آمين، والى موعد لقاءنا المقبل نستودعكم الله بكل خير احباءنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******