إن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية العديدة والمتكررة هو السمة الأساسية لهذا النظام الصهيوني، والذي حتى إقرار الوثائق والقوانين الدولية لم يكن له أثر في وقف هذا النهج الإجرامي للسلطات الصهيونية، ولم تتمكن المواثيق الدولية التقليدية من وقف هذا النهج ووضع حد لهذه الجرائم التي لا تعد ولا تحصى.
ويبدو أن النظام الدولي، بقبوله والاعتراف بهذا النظام الغاصب وصمته أمام جرائمه التي لا تعد ولا تحصى، قد رافق نفسه في اختيار ركن السلام بالصمت أو أحيانا بأقل قدر من التحذير، وبدلا من محاولة تأكيد حقوق المضطهدين، اختارت أن تتماشى مع الصمت، اليوم لا يوجد خبر عن قواعد إلزامية أو عرف، ولا يوجد ما يشير إلى تحريم اللجوء إلى القوة، فكل شيء متروك في قبو النسيان! والآن، هل يعقل الحديث عن "المثل الأعلى المشترك لجميع شعوب الأمم"؟ وهل يمكن أن نتحدث عن "حقوق متساوية وغير قابلة للتجزئة لجميع سكان الأرض والبشرية جميعا"؟
عندما يتحدث المطالبون العالميون بحقوق الإنسان وعن العدالة والسلام، فهل لنا أن نتساءل كيف توصف العدالة عند اغتصاب أرض وقتل أهلها الأصليين؟ كيف يمكن لجرائم النظام الصهيوني العديدة ضد شعب غزة وفلسطين أن تتناسب مع إطار السلام؟ أليس شعب غزة المظلوم جزء من الأسرة الإنسانية العالمية الكبيرة التي تمطر عليه القنابل والصواريخ كل يوم؟ لأي ذنب؟ بذنب المقاومة ضد الاحتلال!
واليوم، يجب على القانون الدولي أن يجيب أمام التاريخ، كيف تتناسب مجاعة الماء والغذاء وغيرها من مرافق الحياة في غزة المضطهدة مع إطار المثل الإنسانية المشتركة؟
ما معنى الهجرة القسرية لسكان غزة عندما لا يكون من الممكن طرد شخص من منزله بالقوة؟ إن التهجير القسري هو مثال على جريمة ضد الإنسانية، وكذلك تهجير ملايين الفلسطينيين.
عندما يُعرف النظام الصهيوني بأنه النظام السياسي الأكثر إجراماً في العالم، ألم يحن الوقت لوضع خطة جديدة والرد بقوة على هذه الجرائم؟ وبغض النظر عما يفعله العالم اليوم، فمن الضروري للمجتمع الدولي، بعيدًا عن أن يكون سلبيًا، أن يلاحق جرائم النظام الصهيوني هذه، وإضافة إلى النظام الغاصب والاحتلال في فلسطين، يجب على الحكومات الأخرى التي تدعمه أن يُعاقب.
لقد وضعت حرب غزة المجتمع الدولي هذه المرة أمام مفترق طرق رئيسي للحفاظ على الموثوقية والمصداقية المطلوبة ولا سيما في وقت النزاعات والانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان الأساسية، ويقف المجتمع الدولي أمام مسؤولية إنسانية كبيرة في وقت لا يزال فيه عاجزاً عن إعطاء توصيف موحد للانتهاكات اليومية التي يتعرض لها أهل غزة من قتل للمدنيين وقصف المرافق المدنية من مستشفيات ومدارس وعمليات تهجير قسرية دون توفير أبسط شروط الحماية اللازمة للمدنيين وحرمانهم من المساعدات والإغاثة، ولم يسلم الإعلام من مطبات الانحياز والدعاية السياسية حتى إن الوسائل الإعلامية الكبرى التي تُعد قدوة في تطبيق الأخلاقيات الإعلامية نشرت العديد من الأخبار الكاذبة أو المضللة التي اضطرت إلى تكذيبها لاحقاً.
وأدى انتشار خطابات الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي إلى جر البعض لارتكاب جرائم منها القتل كما حدث في مدينة شيكاغو الأمريكية، وفي هذه الآونة تزداد المطالب برفع ازدواجية المعايير في تصنيف الأحداث.
أدلة دامغة على ارتكاب جرائم حرب في هجمات إسرائيلية
مع استمرار القوات الإسرائيلية في تكثيف هجومها الكارثي على قطاع غزة المحتل، وثقت منظمة العفو الدولية ارتكاب القوات الإسرائيلية هجمات غير قانونية، من بينها غارات عشوائية، تسببت في سقوط أعداد كبيرة في صفوف المدنيين، ويجب التحقيق فيها على أنها جرائم حرب.
وتحدثت المنظمة إلى ناجين وشهود عيان، وحللت صور الأقمار الاصطناعية وتحققت من الصور ومقاطع الفيديو للتحقيق في عمليات القصف الجوي التي نفذتها القوات الإسرائيلية في الفترة من 7 إلى 12 أكتوبر/تشرين الأول، والتي أدّت إلى دمار مروّع، وفي بعض الحالات، قضت على عائلات بأكملها.
وتقدم المنظمة هنا تحليلًا مستفيضًا للنتائج التي توصلت إليها في خمس من هذه الهجمات غير القانونية، وفي كل من هذه الحالات، انتهكت الهجمات الإسرائيلية القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك عن طريق عدم توخي الاحتياطات الممكنة لدرء الخطر عن المدنيين أو من خلال شن هجمات عشوائية أخفقت في التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية، أو من خلال تنفيذ هجمات ربما كانت موجهة مباشرة ضد الأعيان المدنية.
وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “لقد أظهرت القوات الإسرائيلية، في نيتها المعلنة استخدام كل الوسائل لتدمير حماس، ازدراءً صادماً لأرواح المدنيين.
لقد دمرت شارعاً تلو الآخر من المباني السكنية، ما أسفر عن مقتل المدنيين على نطاق واسع وتدمير البنية التحتية الأساسية، بينما تؤدي القيود الجديدة التي فرضتها إلى النفاد السريع للمياه والأدوية والوقود والكهرباء في غزة.
وأكدت شهادات شهود العيان والناجين، مرارًا وتكرارًا، أن الهجمات الإسرائيلية قد دمرت العائلات الفلسطينية وتسببت في دمار كبير لم يترك لأقارب الناجين سوى الركام ليذكّرهم بأحبائهم.
لا تمثل الحالات الخمس الواردة إلا غيضًا من فيض الرعب الذي وثقته منظمة العفو الدولية، وتوضح الأثر المدمر الذي يحدثه القصف الجوي الإسرائيلي على الناس في غزة، فطوال 16 عامًا، أدى الحصار الإسرائيلي غير القانوني إلى تحويل غزة إلى أكبر سجن مفتوح في العالم ـ ويتعين على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن للحؤول دون تحويل غزة إلى مقبرة جماعية هائلة.
إننا نطالب القوات الإسرائيلية بالوقف الفوري للهجمات غير القانونية في غزة، وضمان توخي جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر على المدنيين والأعيان المدنية، ويجب على حلفاء "إسرائيل" أن يفرضوا على الفور حظرًا شاملًا على الأسلحة نظرًا لارتكاب انتهاكات جسيمة بموجب القانون الدولي.
وتواصل منظمة العفو الدولية التحقيق في عشرات الهجمات التي وقعت في غزة، ويركز هذا البيان على خمس هجمات غير قانونية ضربت مبانيَ سكنية ومخيمًا للاجئين ومنزلًا عامرًا بالسكان وسوقاً عامة ويزعم الجيش الإسرائيلي أنه يهاجم أهدافًا عسكرية فقط، ولكن في عدد من الحالات، لم تجد منظمة العفو الدولية أي دليل على وجود مقاتلين أو أهداف عسكرية أخرى في المنطقة المجاورة، وقت وقوع الهجمات.
كما وجدت منظمة العفو الدولية أن الجيش الإسرائيلي تقاعس عن اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة قبل الهجمات، بما في ذلك عدم إعطاء المدنيين الفلسطينيين تحذيرات مسبقة فعالة – ففي بعض الحالات لم يحذروا المدنيين على الإطلاق، وفي حالات أخرى أصدروا تحذيرات غير كافية.
وتطالب منظمة العفو الدولية المجتمع الدولي بِحثّ "إسرائيل" على إنهاء حصارها الشامل، الذي قطع الغذاء والماء والكهرباء والوقود عن سكان غزة؛ والسماح، على وجه السرعة، بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، كما على المجتمع الدولي أن يضغط على "إسرائيل" لرفع حصارها الطويل على غزة، الذي يصل إلى حد العقاب الجماعي للسكان المدنيين، فهو جريمة حرب وركيزة أساسية لنظام الأبارتهايد الإسرائيلي.
وأخيراً، يجب على السلطات الإسرائيلية إلغاء “أمر الإخلاء” الذي قد يشكل تهجيراً قسرياً للسكان.