السلام عليكم مستمعينا الأحبة ورحمة الله وبركاته..
أطيب وأزكى تحية نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج وفيه نتابع البحث في النصوص الشريفة عن سؤال عرضناه قبل حلقتين عن واجبات الأمة تجاه أئمة أهل البيت النبوي – صلوات الله عليهم – وقد هدتنا النصوص الشريفة إلى معرفة إثنتين منها هما واجب الطاعة المطلقة التي فيها طاعة الله ورسوله – صلى الله عليه وآله – وهي طاعة تشتمل على إقتفاء آثارهم – عليهم السلام – والإقتداء بسيرتهم في كل شؤون الحياة.
والواجب الثاني هو التحاكم إليهم – عليهم السلام – في الإختلافات والحوادث الواقعة لمعرفة حكم الله عزوجل وما تضمنه كتابه الكريم الذي فيه تبيان كل شيء تجاه كل واقعة دفعاً للإختلاف وإتباع الشيطان.
فما هو الواجب الثالث من هذه الواجبات؟
أيها الأطائب، الواجب الثالث الذي تهدينا إليه النصوص الشريفة وتبين لنا معالمه هو واجب المودة تجاه أئمة أهل البيت – عليهم السلام – وقد صرحت به الآية الكريمة الثالثة والعشرون من سورة الشورى حيث يقول الله تبارك وتعالى:
"ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ".
فأداء هذا الواجب كما يصرح ذيل هذه الآية هو الحسنة التي يزيد الله حسنها ويضاعف بركاتها لمن يلتزم بأداء هذا الواجب، وهو السبيل إلى القرب من الله عزوجل كما تصرح بذلك الآية ٥۷ من سورة الفرقان:
"قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً".
وهذا يعني أن ثمار القيام بهذا الواجب والسعي لترسيخ مودة أهل البيت النبوي في القلب تعود ثماره إلى المحب نفسه كسائر الواجبات الإلهية.
وهذا ما تصرح به في خصوص هذه المودة الواجبة الآية ٤۷ من سورة سبأ حيث يقول الله عزوجل:
"قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ".
أما بالنسبة لمصداق أولي القربى الذين أمر الله بمودتهم على نحو الوجوب فقد ثبت أنهم أهل آية التطهير الذين باهل بهم رسول الله – صلى الله عليه وآله – والذين ثبتت عصمتهم وطهارتهم الكاملة فاستحقوا أن تكون مودتهم أجر الرسالة المحمدية.
أيها الإخوة والأخوات، وقد أثبت العلماء في دراسات كثيرة بطلان الأقوال الأخرى في تفسير آية المودة غير التفسير الظاهر المتقدم وأنها من نتاج الذين يبتغون تأويل القرآن إبتغاء فتنة الناس وصرفهم عن مودة وإتباع أئمة العترة المحمدية.
ونحن هنا نكتفي بحديث جامع رواه أحد كبار مفسري الجمهور هو جارالله الزمخشري في الجزء الثاني من تفسير الكاشف، ففيه نص صريح على ما تقدم وبيان نبوي جليل لآثار وبركات القيام بهذا الواجب، قال الزمخشري في سبب نزول آية المودة: "إجتمع المشركون في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض: أترون محمداً يسأل على ما يتعاطاه – يعني تحمل إعباء تبليغ الرسالة الإلهية – أجراً؟ فنزلت الآية.. وأضاف فقيل: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجب علينا مودتهم؟
قال – صلى الله عليه وآله -: علي وفاطمة وإبناهما، حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي.. ثم قال – صلى الله عليه وآله – في نص جامع عن آثار القيام بواجب المودة: ألا ومن مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكملاً للإيمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير.. وتابع – صلى الله عليه وآله – قائلاً: ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له بابان في قبره إلى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار الملائكة..."
وجاء في الشطر الثاني من هذا الحديث النبوي الجامع إشارات إلى سوء عاقبة عدم القيام بهذا الواجب، حيث قال – صلى الله عليه وآله - : "ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن على بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة".
تبقى هنا – أيها الأفاضل – نقطتان ينبغي الإشارة إليهما، الأولى هي أن المودة حالة قلبية تنتج من المعرفة والمظهر العملي للقيام بواجب المودة هو نصرة أئمة أهل البيت – عليهم السلام-.
والثانية أن المستفاد من الآيات الكريمة أن مصداق آية المودة هم أهل آيتي التطهير والمباهلة، وجريانها على باقي أئمة العترة المحمدية الإثني عشر يثبت بالأدلة الكثيرة المصرح بأنهم جميعاً عترة المصطفى وأهل بيته – صلى الله عليه وآله – وقرباه كما في أحاديث الأئمة الإثني عشر المستفيضة من طرق الفريقين.
يضاف إلى ذلك ما روي عن أئمة العترة أنفسهم وقد أجمع المسلمون على صدقهم وعلمهم بالكتاب، فقد صرحوا بأنهم جميعاً مصداق هذه الآية، فمثلاً روي في كتاب المحاسن عن الإمام الصادق – عليه السلام – قال: "أبى الله عزوجل إلا أن يجعل حبنا مفترضاً أخذه من أخذه وتركه من تركه واجباً"، فقال "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى".
وفي الكافي عن الباقر – عليه السلام – قال في آية المودة "هم الأئمة عليهم السلام".
وروي نظائر هذا التصريح عن الإمام زين العابدين والرضا والإمام المهدي عليهم السلام جميعاً في أحاديث كثيرة متواترة المضمون تكفي من ألقى السمع وهو شهيد.
والنتيجة المستفادة مما تقدم هي مستمعينا الأفاضل، أن الواجب الثالث تجاه أئمة العترة المحمدية – عليهم السلام – هو مودتهم جميعاً قلبياً وظهور ذلك عملياً في نصرتهم.
وبهذا ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) شاكرين لكم أطيب المتابعة ولكم دوماً من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران خالص الدعوات وفي أمان الله.