السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته..
طابت أوقاتكم بكل خير وأهلاً بكم في حلقة اليوم من برنامجكم العقائدي هذا نتابع فيها البحث عن الإجابات القرآنية عن سؤال عرضناه منذ حلقات عدة عن سر تأكيد النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – على حصر سبيل النجاة من الضلالة بالتمسك بالقرآن وأهل بيت النبوة معاً كما ورد في حديث الثقلين المتواتر وقد وجدنا في الحلقات السابقة أن هذا الحديث إنما هو ترجمان نبوي لكثير من الآيات الكريمة التي تصرح بأن التمسك الحقيقي بالقرآن الكريم لا يتحقق إلا بالتمسك بالعترة المحمدية الطاهرة.
وفي هذا اللقاء نتناول آيات أخرى تدل على هذا المعنى منها الآية الكريمة التاسعة والثمانين من سورة النحل التي تصف القرآن الكريم بأن فيه تبياناً لكل شيء؛ قال عز من قائل:
وَي "َوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ".
فكيف تهدينا هذه الآية للإجابة عن سر حصر النجاة من الضلالة بالتمسك بالثقلين معاً؟
هذا ما نتدبر فيه معاً فابقوا معنا مشكورين.
أيها الأفاضل، نلاحظ في الآية الكريمة أنها تتحدث من جهة عن شهادة النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – على أمته أو على شهداء الأمم، ومن جهة ثانية تتحدث عن إنزال الكتاب الإلهي عليه وفيه تبيان لكل شيء؛ فما الذي نستفيده من ذلك؟
للإجابة عن هذا السؤال نرجع إلى القرآن الكريم نفسه فنجده يصرح بأن الذي عنده علم الكتاب هو المؤهل للشهادة على الناس، قال عزوجل في آخر سورة الرعد:
"وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ".
إن الشهادة على الناس التي جعلها الله تبارك وتعالى لنبيه الأكرم – صلى الله عليه وآله – ومن عنده علم الكتاب هي شهادة واقعية لا ترتبط بظواهر الناس وظواهر أعمالهم، وهي من سنخ المعجزة الإلهية التي يثبت الله بها للناس كون النبي مرسلاً منه تبارك وتعالى.
إذن فهذه الشهادة تستلزم إطلاع الشاهد على بواطن الناس ونواياهم من أعمالهم لأن الأعمال بالنيات، فمن أين يحصل الشاهد على هذه القدرة؟
تصرح آية سورة الرعد بأنه يحصل على ذلك من الكتاب الإلهي نفسه لأن فيه تبيان كل شيء كما صرحت بذلك آية سورة النحل المتقدمة وهذا يعني أن ما في الكتاب الإلهي العزيز لا يقتصر على الحقائق الظاهرية التي تبينها ألفاظه الظاهرية بل إن فيه ما جعل وصي سليمان النبي يأتي بعرش بلقيس من اليمن إلى الشام قبل أن يرتد طرف سليمان – عليه السلام – لأن هذا الوصي كان عنده (علم من الكتاب) كما تصرح الآية الأربعون من سورة النمل.
فكيف بمن عنده (علم الكتاب) كله وليس بعض منه كما هو حال وصي سليمان عليهما السلام؟
أيها الأكارم، والحقيقة المتقدمة تشير إليها عدة من الآيات الكريمة الأخرى وأصرحها في بيان ما يشتمل عليه باطن القرآن من قدرة تؤهل من آتاه الله علمه لمقام الشهادة على بواطن الناس هي الآية الحادية والثلاثون من سورة الرعد حيث يقول عزوجل:
"وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً..."
وقد استدل مولانا الإمام أبوالحسن موسى الكاظم – عليه السلام – بهذه الآية الكريمة على المعنى المتقدم ضمن حديث مروي في الكافي وبصائر الدرجات وغيرهما، تحدث فيه عن إجتماع علوم الأنبياء جميعاً وأكثر مناه عند رسول الله – صلى الله عليه وآله – وإجتماع معجزاتهم أيضاً عنده، ثم قرأ هذه الآية الكريمة وقال بعدها:
(وقد ورثنا نحن هذا القرآن، ففيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان وتحيى به الموتى ونحن نعرف الماء تحت الهواء وإن في كتاب الله لآيات ما يراد به أمر إلا أن يأذن الله به مع ما قد يأذن الله به مما كتبه الماضون جعله الله لنا في أم الكتاب، إن الله يقول: (وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) ثم قال: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) فنحن الذين اصطفانا الله عزوجل وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء).
وفي حديث روته هذه المصادر عن الإمام الصادق – عليه السلام – ذكر فيه علومهم الغيبية فاستغرب الراوي وهو حماد اللحام من سعتها فقال – عليه السلام – مبيناً مصدرها: (يا حماد، إن ذلك من كتاب الله، إن ذلك من كتاب الله، إن ذلك من كتاب الله، [قالها ثلاثاً] ثم تلا هذه الآية: "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ. [ثم قال] إنه من كتاب الله فيه تبيان كل شيء، فيه تبيان كل شيء".
أيها الإخوة والأخوات، وقد تقدم في الحلقات السابقة أن صحاح الأحاديث الشريفة تصرح بأن الذين عندهم (علم الكتاب) كله هم أهل بيت النبوة – عليهم السلام – الذين قرنهم رسول الله – صلى الله عليه وآله – بالقرآن الكريم وصرح بأنهم لا يفارقونه ولا يفارقهم.
وعليه تكون النتيجة هي أن الفوز بالبركات الشاملة للقرآن الكريم الذي فيه تبيان كل شيء ينحصر بالتمسك بالعالمين بكل ما في كتاب الله العزيز، ومن مصاديق هذه البركات ما يرتبط ببيان سبيل النجاة من الضلالة بجميع مراتبها ولذلك حصر النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – طريق النجاة من الضلالة بالثقلين معاً، جعلنا الله وإياكم من المتمسكين بها.
اللهم آمين..
وبهذا ننهي لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقيلن) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تقبل الله أعمالكم ودمتم بكل خير.. في أمان الله.