السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته..
لكم منا أطيب تحية ندعوكم بها لمرافقتنا في حلقة من هذا البرنامج العقائدي نستكمل فيها الإجابة عن سؤال نتناول إجاباته القرآنية منذ عدة حلقات.
هذا السؤال يقول: لماذا حصر النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – في حديث الثقلين المتواتر النجاة من الضلالة بالتمسك ليس بالقرآن وحده بل بمعية العترة المحمدية الطاهرة؟
وقد حصلنا إجابات قرآنية عدة تبين أن سنة الله عزوجل جرت على إتمام الحجة على عباده بقرن كلامه المنزل بحجج معصومين يبينون للناس الفهم الصحيح والمعصوم لكلامه المقدس وينفون بالتالي تحريفات الذين في قلوبهم زيغ والذين يسعون لإضلال الناس بتفسيرات لكلام الله ما أنزل بها من سلطان.
من هنا صرح القرآن الكريم نفسه بأن الله جلت قدرته جعل القرآن آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم لكي يكونوا مرجعاً لفهمه الصحيح البعيد عن تأثيرات الأهواء لأن هؤلاء هم المطهرون من إتباع الهوى والشك وكل ما يصد عن الفهم السليم للكلام الإلهي.
وقد عرفنا في الحلقة السابقة من النصوص الشريفة أن هؤلاء هم أهل بيت النبوة الذين شهد الله لهم بالطهارة من كل رجس، وهذا ما تصرح به أيضاً أحاديث كثيرة ننقل بعضها في هذا اللقاء تبركاً.
روي في كتاب البصائر عن مولانا الإمام الباقر – عليه السلام – أنه قال:
"الرجس هو الشك، ولا نشك في ديننا، ثم قال: .. بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم..".
فقال الراوي وهو أبو بصير: قلت أنتم هم؟
فقال عليه السلام: "من عسى أن يكون؟".
وقد روي مضمون الحديث بأسانيد عدة وفيه إشاراة لطيفة إلى آية التطهير وأن تطهير الله لأهل البيت – عليهم السلام – من الرجس أهلهم لأن يؤتيهم عزوجل العلم الذي جعل قلوبهم أوعية لحفظ القرآن فيها كآيات بينات لا شك ولا شبهة فيها.
وفي حديث في البصائر والكافي وغيرها جاء أن أبا بصير سأل الإمام الصادق – عليه السلام – عن قوله عزوجل: "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم".
فأجاب – عليه السلام - : "والله ما قال: في المصحف".
أي أن القرآن يكون آيات بينات على نحو الإطلاق وبصورة كاملة خالية من الشك وسوء الفهم عند الذين آتاهم الله علم القرآن كاملاً.
ولذلك قال الباقر – عليه السلام – في حديث ثالث: "إن هذا العلم إنتهى إلى آي في القرآن، ثم جمع أصابعه وقال: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم".
وروي عن الصادق – عليه السلام – أنه قال: "إن من علم ما أوتينا تفسير القرآن".
وروي في تفسير العياشي عن مولانا الباقر – عليه السلام – في قول الله عزوجل في آخر سورة الرعد: "قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" قال:
"إيانا عنى، وعلي – عليه السلام – أفضلنا وخيرنا بعد النبي صلى الله عليه وآله".
وفي تفسير العياشي أيضاً عن مولانا الصادق – عليه السلام – قال: "إنا أهل بيت لم يزل الله يبعث فينا من يعلم كتابه من أوله إلى آخره".
وقال – عليه السلام – أيضاً: "إن الله علم نبيه – صلى الله عليه وآله – التنزيل والتأويل، فعلمه رسول الله علياً".
وروي في عدة من المصادر الروائية كما في كتاب اليقين في إمرة أميرالمؤمنين – عليه السلام – عن أنس بن مالك بأسانيد عدة أن رسول الله – صلى الله عليه وآله – قال لعلي عليه السلام:
"أنت مني تؤدي عني وتبرئ ذمتي وتبلغ عني رسالتي ، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله أولم تبلغ الرسالة؟ قال – صلى الله عليه وآله – بلى ولكن تعلم الناس من بعدي من تأويل القرآن ما لم يعلموا".
وروي في كتاب تأويل الآيات لشرف الدين الحسيني مسنداً عن عبد العزيز العبدي أنه سأل الإمام الصادق – عليه السلام – عن من يعنيهم قوله عزوجل: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم".
فقال – عليه السلام - : "هم الأئمة من آل محمد – صلوات الله عليهم أجمعين – باقية دائمة في كل حين".
وروي في الإحتجاج وأمالي الطوسي عن علي – عليه السلام – قال: (سلوني عن كتاب الله، فوالله ما نزلت آية من كتاب الله في ليل ولا نهار ولا مسير ولا مقام إلا وقد أقرأنيها رسول الله – صلى الله عليه وآله – وعلمني تأويلها.
فقام أبو الكوا [وكان من الخوارج من مبغضي أمير المؤمنين – عليه السلام –] فقال له: يا أميرالمؤمنين، فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟ يعني كيف علمك به، فأجابه – عليه السلام – قائلاً: "كان رسول الله – صلى الله عليه وآله – يحفظ علي ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب عنه حتى أقدم عليه فيقرئنيه ويقول: يا علي نزل بعدك كذا وكذا وتأويله كذا وكذا، فعلمني تأويله وتنزيله".
أيها الإخوة والأخوات، يتضح من الأحاديث المتقدمة ونظائرها كثيرة مروية من كتب الفريقين أن علم القرآن الكامل والمعصوم والموروث عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – عن الله تبارك وتعالى محفوظ عند أئمة العترة المحمدية – عليهم السلام – وهم مصداق الذين عندهم (علم الكتاب).
ولذلك كان التمسك بهم – عليهم السلام – يعني التمسك الحقيقي بالقرآن الكريم بحقائقه الكاملة والنقية المنزلة من الله عزوجل، ولذلك حصر الرسول الأعظم – صلى الله عليه وآله – النجاة من الضلالة بالمتسك بالقرآن والعترة لأن التمسك بالقرآن لا يتحقق عملياً إلا بالتمسك بهم لأنهم – عليهم السلام – الذين آتاهم الله علم كتابه الكامل.