البث المباشر

لماذا حصر النبي (ص) النجاة بالتمسك بالقرآن والعترة (القرآن والبيان المعصوم) - ٥

الإثنين 11 مارس 2019 - 09:34 بتوقيت طهران

الحلقة 137

السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته...
أطيب تحية نحييكم بها في مطلع حلقة اليوم من برنامجكم العقائدي هذا نتابع فيها تناول الآيات التي تجيبنا عن السؤال الذي عرضناه قبل عدة حلقات ضمن الأسئلة المتعلقة بأصل الإمامة والذي يقول:
لماذا أكد النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – في حديث الثقلين المتواتر أن النجاة من الضلالة لا تتحقق إلا بالتمسك بالقرآن الكريم والعترة المحمدية الطاهرة معاً وقد عرفنا في الحلقات السابقة أن هذا الحديث النبوي إنما هو ترجمان وبيان لعدة من الآيات الآيات الكريمة منها الآيتان الثالثة والرابعة بعد الأربعين من سورة النحل والآية السابعة من سورة آل عمران.
فهي تؤكد أن من عظمة حكمة الله ورحمته ورأفته بعباده أن عهد الى أنبيائه وأوصيائهم مهمة تبيين مقاصد وحقائق وحيه المقدس وهذه سنة إلهية جرت مع القرآن الكريم.
إذ خص نبيه الأكرم – صلى الله عليه وآله – بعلوم القرآن كاملة لكي يكون بيانهم حجة معصومة تعلم الناس سبل الوصول الى معارفه وتثبتهم على صراطه المستقيم وتحصنهم من فتن أئمة الضلال الذين يتبعون المتشابهات من آي الذكر الحكيم ويفسرونها بأهوائهم ابتغاء استعباد الناس.
وقد ورث النبي الأكرم أوصياءه المعصومين علم القرآن لكي يخلفوه في أداء هذه المهمة الإلهية، وفي ذلك تجسيد لسنة الله في هداية خلقه إذ جعل لهم حجتين باطنة ذاتية هي العقل وقوانين الفطرة السليمة وظاهرة هم الأنبياء والأوصياء الذين يثيرون لهم مكامن العقول والفطرة السليمة.
ونتأمل في هذا اللقاء معاً في الآيات الخامسة والسبعين الى الثمانين من سورة الواقعة حيث يقول الله أصدق القائلين:
"فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ{۷٥} وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ{۷٦} إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ{۷۷} فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ{۷۸} لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ{۷۹} تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ{۸۰}"
أيها الإخوة والأخوات، لقد استدل الأئمة – عليهم السلام – والعلماء بظاهر قوله عزوجل (لا يمسه الا المطهرون) على النهي الإلهي عن مس كتابة القرآن الكريم في المصحف لغير المطهرين من الأحداث تقديساً وتكريماً لكتاب الله وفي مرتبة أعلى يستنبط من وصف الله لقرآنه الكريم أنه في كتاب مكنون بأن للقرآن الكريم حقائق مكنونة مستورة عن العموم لا يسمها ولا يصل إليها إلا طائفة خاصة منهم هم (المطهرون).
وبملاحظة الإطلاق في مس هذا القسم المكنون من كتاب الله العزيز، وكذلك الإطلاق في وصف (المطهرين)، تتضح لنا الحقيقة التالية:
إن في القرآن الكريم حقائق مكنونة لا يعرفها جميعها إلا المطهرون على نحو الإطلاق أي بصورة كاملة وهؤلاء هم الذين طهرهم الله عزوجل لأن الطهارة الكاملة لا تتحقق إلا بالتطهير الإلهي.
وقد عرفتنا آية التطهير بهوية هؤلاء المطهرين من الله عزوجل حيث ثبت من طرق الفريقين بأحاديث متواترة المضمون نزولها في النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين بحصرهم بعلي وفاطمة وولديهما.
قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان في تفسير هذه الآيات: (والمعنى لا يمس الكتاب المكنون الذي فيه القرآن إلا المطهرون... والكلام مسوق لتعظيم أمر القرآن وتجليله فمسه هو العلم به وهو في الكتاب المكنون – يعني في مرتبته العالية – كما يشير إليه قوله تعالى "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ - وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ" الزخرف ۳و٤
ثم ثال رحمه الله: (والمطهرون – إسم مفعول من التطهير – وهم الذين طهر الله تعالى نفوسهم من أرجاس المعاني وقذارات الذنوب أو مما هو أعظم من ذلك وأدق وهو تطهير قلوبهم من التعلق بغيره تعالى... فالمطهرون هم الذين أكرمهم الله تعالى بتطهير نفوسهم كالملائكة الكرام والذين طهرهم من البشر، قال تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" ولا وجه لتخصيص المطهرين بالملائكة كما عن جل المفسرين لكونه تقييداً بلا مقيد.
أيها الأكارم، وما ذكره المفسرون من جعل الملائكة مصداق (المطهرين) في الآية الكريمة المتقدمة، لا تدل عليه الآية نفسها ولم يأت في البيان النبوي المعصوم وقد روج له البعض تعتيماً على المصداق الذي صرح به القرآن للمطهرين في آية التطهير وهم محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.
وقد شهدت سيرتهم العملية بذلك تصديقاً لما شهد الله عزوجل لهم به، فمثلاً قال العلامة الطباطبائي في الجزء الحادي عشر الصفحة ۱٦۰ من تفسير الميزان وهو يبين مراتب الإخلاص في عبادة الله عزوجل، قال:
(لا يلبث الناظر الى الكون بهذه النظرة أن تنجذب نفسه الى ساحة العزة والعظمة ويغشى قلبه من المحبة الإلهية ما ينسيه نفسه ويمحو رسم الأهواء النفسانية عن باطنه... ولذلك يرى أهل هذا الطريق أن الطريقين الآخرين أعني العبادة خوفاً والعبادة طمعاً لا يخلوان من شرك، فإن الذي يعبده تعالى خوفاً من عذابه يتوسل به تعالى لدفع العذاب عن نفسه، كما أن من يعبده طعماً في ثوابه يتوسل به تعالى إلى الفوز بالنعمة والكرامة ولو أمكنه الوصول إلى ما يبتغيه من غير أن يعبده لم يعبده ولا حام حول معرفته، وقد تقدمت الرواية عن الإمام الصادق – عليه السلام – أنه قال: (وهل الدين إلا الحب) وقوله – عليه السلام – في حديث (وإني أعبده حباً له) وهذا مقام مكنون لا يمسه إلا المطهرون.
أيها الإخوة والأخوات، وقد روى الفريقان كثيراً من الروايات والأحاديث الشريفة الدالة على تحلي أهل بيت النبوة – عليهم السلام – بهذه المراتب العالية من الإخلاص لله عزوجل وبالتالي كونهم المطهرين الذين خصهم الله عزوجل بمعرفة الحقائق المكنونة في كتابه العزيز وهي أعز ما فيه.
من هنا يتضح أن الوصول الى هذه الحقائق العزيزة والفوز ببركاتها محال بدون التمسك بولايتهم ولذلك أكد النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – في حديث الثقلين على التمسك بالقرآ، والعترة معاً كطريق وحيد للنجاة من الضلالة بجميع مراتبها.
والمزيد من التوضيح لهذه الحقيقة القرآنية يأتيكم، مستمعينا الأكارم، بإذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين).
ولكم دوماً من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران جزيل الشكر على طيب المتابعة ودمتم في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة