البث المباشر

لماذا حصر النبي (ص) النجاة بالتمسك بالقرآن والعترة (القرآن والبيان المعصوم) - ٤

الإثنين 11 مارس 2019 - 09:34 بتوقيت طهران

الحلقة 136

سلام من الله عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته..
أزكى تحية نحييكم بها في مستهل لقاء اليوم من برنامجكم العقائدي هذا نتابع فيه الإستنارة بالآية السابعة من سورة آل عمران وهي تجيبنا على سؤال سابق يقول:
لماذا حصر حديث الثقلين سبيل النجاة من الضلالة بالتمسك بالقرآن الكريم والعترة المحمدية الطاهرة معاً، فقد اتضح في الحلقة السابقة ومن خلال التدبر في هذه الآية الكريمة، أن حديث الثقلين هو في الواقع ترجمان نبوي لها لأنها تصرح بأن في القرآن آيات محكمات وأخر متشابهات تحتمل وجوهاً تفسيرية عدة ولكن لله منها وجه يعرف بالرجوع إلى المحكمات لأنهن أم الكتاب.
ولكن المنحرفين الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما لا يرضاه الله من وجوه المتشابه ابتغاء فتنة الناس وإضلالهم وابتغاء معرفة تأويله واتخاذه وسيلة لتسخير الناس لمآربهم.
فتأويل القرآن هو روحه وأسراره المكنونة التي بها تسير الجبال وتقطع الأرض ويكلم الموتى كما تنبه إلى ذلك الآية ۳۱ من سورة الرعد، في إشارة إلى القدرات التي يحصل عليها الإنسان من الفوز بمعرفة تأويل القرآن.
ولذلك فقد حجب الله معرفة تأويل كتابه العزيز عن الأئمة المضلين الذين في قلوبهم زيغ واختص به الراسخين في العلم المعصومين الذين يستثمرون تأويل القرآن لهداية العباد إلى معبودهم الحق تبارك وتعالى.
من هنا فإن من رحمة الله بعباده أن جعل الراسخين في العلم وسيلة الإنتفاع من بركات القرآن وتعليم الخلق سبل رد المتشابه من الآيات الكريمة إلى المحكمات وتحصينهم من فتن الأئمة المضلين وإيصال ما هم مستعدون له من تأويل القرآن إلى قلوبهم ليكون زادهم في السير على الصراط المستقيم.
وهذه الحقيقة القرآنية أشارت إليها عدة من الأحاديث الشريفة ننقل بعضها بعد قليل فابقوا معنا مشكورين.
قال مولانا باب مدينة العلم المحمدي الوصي الإمام علي المرتضى – عليه السلام – ضمن حديث طويل مروي عنه في كتاب الإحتجاج:
"ثم إن الله جل ذكره لسبقه رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كلامه [يعني تحريف مضامين الآيات ومعانيها] قسم كلامه ثلاثة أقسام: فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل".
وهذا القسم هو الآيات المحكمات، فهي بينة للجميع لا تحتمل أكثر من وجه واحد فيسهل فهمها للجميع، ثم قال – عليه السلام – مشيراً إلى الآيات المتشابهة والآيات الدقيقة بقوله: "وقسماً لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام".
ثم أشار إلى القسم الثالث وهو تأويل القرآن بقوله: "وقسماً لا يعرفه إلا الله وأمناؤه الراسخون في العلم".
ونلاحظ هنا استخدامه – عليه السلام – وصف (الأمناء) للإشارة إلى أن الراسخين في العلم منزهون عن فعل مبتغي الفتنة في استخدام تأويل القرآن لإستبعاد الناس؛ وهذا ما يشير إليه الإمام علي – عليه السلام – وهو يبين علة هذا التقسيم الإلهي لما في القرآن الكريم بقوله:
"وإنما فعل – جل ذكره – ذلك، لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله – صلى الله عليه وآله – من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم، وليقودهم الإضطرار إلى الإئتمار لمن ولاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعززاً وافتراءً على الله واغتراراً بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله – جل اسمه – ورسوله صلى الله عليه وآله".
وروي في كتاب بصائر الدرجات مسنداً عن أنس بن مالك أن رسول الله – صلى الله عليه وآله – قال لعلي – عليه السلام -: يا علي أنت تعلم الناس تأويل القرآن بما لا يعلمون. فقال علي – عليه السلام -: ما أبلغ رسالتك بعدك يا رسول الله؟ فقال – صلى الله عليه وآله - : تخبر الناس بما أشكل عليهم من تأويل القرآن.
وروي في الكافي وبصائر الدرجات بأسانيد عدة عن الإمام الباقر – عليه السلام – في قول الله عزوجل "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم".
قال: "فرسول الله – صلى الله عليه وآله – أفضل الراسخين في العلم، قد علمه الله جميع ما أنزله عليه من التنزيل والتأويل، وما كان لينزل عليه شيئاً لم يعلمه تأويله وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله... والقرآن له خاص وعام ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ والراسخون في العلم يعلمونه".
وقال الإمام جعفر الصادق – عليه السلام – في فقرات من رسالة طويلة لأصحابه رواها ثقة الإسلام الكليني في روضة الكافي:
"واعلموا أنه ليس من علم الله وأمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوىً ولا رأي ولا مقائيس، فقد أنزل القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء وجعل للقرآن وتعلم القرآن أهلاً، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوىً ولا رأي ولا مقائيس، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم كرامة من الله أكرمهم بها وهم أهل الذكر الذي أمر الله هذه الأمة بسؤالهم وهم الذين من سألهم، وقد سبق في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإذنه إلى جميع سبل الحق... فاولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر.. يأخذون بأهوائهم ومقاييسهم حتى دخلهم الشيطان".
نشكر لكم أيها الأطائب طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) في الحلقة المقبلة نستنطق آيات سورة الواقعة وعلاقتها بحديث الثقلين فكونوا معنا بإذن الله ودمتم في رعاية سالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة