السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته.
أطيب تحية نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من برنامجكم العقائدي هذا وفيه نتابع البحث في النصوص الشريفة عن أجوبة الأسئلة المرتبطة بأصل النبوة من أصولنا العقائدية.
والسؤال الذي نتناوله في هذه الحلقة هو: هل أن لجميع الأنبياء مرتبة الإمامة التي جعلها الله لإبراهيم الخليل عليه السلام؟
الإجابة عن السؤال ننطلق فيها من الآية الكريمة التي أشارت إلى جعل إبراهيم الخليل إماماً.. فتابعونا على بركة الله.
الآية الكريمة المشار إليها هي الآية رقم ۱۲٤ من سورة البقرة، وفيها إشارة مهمة إلى أن جعل خليل الرحمان للناس إماماً كان في أواخر عمره الشريف، لأنه – عليه السلام – طلب من الله أن تكون الإمامة في ذريته أيضاً، ومن المعلوم أنه – عليه السلام – لم يرزق الذرية إلا هو شيخ كبير كما نص على ذلك القرآن ضمن حكايته لمجيء الملائكة لإنزال العذاب على قوم لوط – عليه السلام - .
لنتدبر معاً في هذه الآية الكريمة، قال عزوجل:
"وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ"
وعندما نرجع إلى الثقل الثاني نجد الأحاديث الشريفة تبين أن تأهل إبراهيم الخليل – عليه السلام – لمنصب الإمامة جاء بعد نجاحه في اختبارات عدة تأهل فيها لمراتب النبوة والرسالة والخلة والعبودية.
روي في الكافي عن إمامنا الباقر – عليه السلام – قال: "إن الله اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً واتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً، واتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، واتخذه خليلاً قبل أن يتخذه إماماً، فلما جمع له هذه الأشياء قال له: يا إبراهيم إني جاعلك للناس إماماً، فمن عظمها – يعني مرتبة الإمامة – في عين إبراهيم – عليه السلام – قال: يا رب ومن ذريتي، قال: لا ينال عهدي الظالمين".
وروي في كتاب بصائر الدرجات عن مولانا الإمام الصادق – عليه السلام – تصريحاً بأن منزلة الإمامة أسمى مراتب الولاية لأولياء الله عزوجل حيث قال صلوات الله عليه: "ينكرون الإمام المفترض الطاعة ويجحدون به، والله ما في الأرض منزلة أعظم عند الله من مفترض الطاعة وقد كان إبراهيم دهراً ينزل ويعظمه فقال: "إني جاعلك للناس إماماً" فعرف إبراهيم ما فيها من الفضل قال "ومن ذريتي"".
وفي حديث آخر مروي في بصائر الدرجات أيضاً يتحدث مولانا الإمام الصادق – عليه السلام – عن طبقات الأنبياء، فيذكر حال أعلاهم مرتبة ثم يقول: "وهو إمام مثل أولي العزم، وقد كان إبراهيم نبياً وليس بإمام حتى قال الله "إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" أي من عبد صنماً أو وثناً".
ويستفاد من هذا الحديث أن الرسل أولي العزم كان لهم مقام الإمامة الإلهية، وليس كل النبيين، فهم – عليهم السلام – سادة النبيين.
روي في الكافي عن إمامنا الصادق – عليه السلام – أنه قال:
"سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أولو العزم من الرسل وعليهم دارت الرحى؛ نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء".
أيها الإخوة والأخوات، ونلاحظ في الآية الرابعة والعشرين بعد المئة من سورة البقرة والتي إنطلقنا منها للإجابة عن سؤال هذه الحلقة، أن الله تبارك وتعالى جلت حكمته قد جعل خليله إبراهيم – عليه السلام – للناس إماماً بعد أن إبتلاه بكلمات وأوامر كان ذروتها أمره بذبح إبنه إسماعيل – عليه السلام – وهذا هو البلاء المبين كما وصفه القرآن الكريم في الآية ۱۰٦ من سورة الصافات، أي أن الله عزوجل قد كافأه على عظيم تسليمه للأوامر الإلهية بأن جعله للناس إماماً، والتسليم في هذه المرتبة هو من أعلى صور العبودية الخالصة لله عزوجل.
من هنا يتضح سمو مرتبة الإمامة الإلهية التي خص الله بها بعض أنبيائه وجعلها باقية في المعصومين من الذرية الإبراهيمية إلى يوم القيامة جارية في سيد الأنبياء والخلائق أجمعين والأئمة الإثني عشر من ذريته – صلى الله عليه وآله – يقول مولانا الإمام الرضا "عليه السلام) في بعض فقرات حديث طويل مروي في الكافي: (إن الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلا مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم؛ إن الإمامة خص الله عزوجل بها إبراهيم الخليل – عليه السلام – بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال: "إني جاعلك للناس إماماً " ... فلم تزل في ذريته حتى ورثّها الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله.. فكانت له خالصة فقلدها – صلى الله عليه وآله – علياً (عليه السلام) بأمر الله على رسم ما فرض الله فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم العلم والإيمان..".
وخلاصة الجواب على سؤال هذه الحلقة هو أن الإمامة الإلهية هي منصب جعله الله لسادة الأنبياء من الرسل أولي العزم وجعلها بعد إبراهيم الخليل في المعصومين من ذريته ثم في العترة المحمدية إلى يوم القيامة.
وبهذه الخلاصة ننهي، أيها الأكارم، لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم وفي أمان الله.