سلام من الله عليكم أيها الأطائب ورحمة الله وبركاته.. أهلاً بكم ومرحباً في حلقة اليوم من هذا البرنامج..
ما معنى توحيد الله في ربوبيته عقائدياً وسلوكياً؟ هذا هو مستمعينا الأكارم هو سؤال لقاء اليوم والإجابة من مناري الهداية الإلهية.
عندما نتدبر في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة نجدها تبين بوضوح أن توحيد الله في ربوبيته عقائدياً يكون بالإيمان بأنه عزوجل هو رب كل شيء والمدبر لشؤون جميع الخلائق، فيداه مبسوطتان في ذلك وليس كما زعم محرفوا اليهودية أنه عزوجل خلق الخلق وتركهم وشأنهم.
أما التوحيد العملي في الربوبية فيكون برجوع المؤمن إليه جل جلاله في جميع شؤونه فيدبرها على وفق ما أمره الله عزوجل عن طريق الأخذ من مبلغي رسالاته وخلفائه والهادين لخلقه بأمر تبارك وتعالى.
والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة جداً لعظيم أهميته في وصول الإنسان وبلوغه الكمالات المقدرة له نختار بعض نماذجها كقوله عزوجل في الآية (۱۰٦) من سورة الأنعام؛
"اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ{۱۰٦}"
وقوله عزوجل في الآية ۷۱ من السورة نفسها؛
"قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ{۷۱}"
وكذلك نتدبر في الآيات ۱٦۱ إلى ۱٦٤ من السورة نفسها، حيث يبين جل جلاله كلا قسمي التوحيد في الربوبية الإعتقادي بالإيمان بأن الله هو مدير شؤون الخلق جميعاً وأن تدبيره لها هو الأكمل والتوحيدي العملي بالإلتزام العملي بالهداية الإلهية؛
قال جل جلاله: "قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{۱٦۱} قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{۱٦۲} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{۱٦۳} قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ{۱٦٤}"
كما تصرح الآيات الكريمة بأن الله عزوجل هو وحده الذي بيده النفع والضرر هو خالق الخلق والعارف بما يصلحهم ولذلك فإن توحيده في الربوبية يعني السير على الصراط المستقيم المنجي من الضرر بمختلف أشكاله والموصل للنفع بشتى أنواعه.
قال تبارك وتعالى في الآية ٥٤ من سورة الأعراف؛
"إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{٥٤}"
ونقرأ في الآية ۱٦ من سورة الرعد؛
"قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ{۱٦}"
أيها الأطائب، إن توحيد الله عزوجل عقائدياً وعملياً في الربوبية هو الذي يهب قلب الإنسان السكينة والطمأنينة بالرجوع إلى رب واحد في جميع الشؤون، فلا تفترسهم أهواء الأرباب المتفرقين وكل منهم من شياطين الإنس والجن يدعونه لإتباع أهوائهم المتضادة.
كما أنه هذا التوحيد الخالص هو الذي يجعل طاقات الإنسان تستثمر في الطريق السليم الذي يعود عليه بكل خير وبركة وصلاح وفلاح في الدنيا والآخرة؛ فالتوحيد في الربوبية يعني الإستناد إلى الركن الإلهي الوثيق والإرتباط بالقوة الربانية المطلقة.
وهذا ما ينبهنا إليه قوله عزوجل في الآيتين ۳۰-۳۱ من سورة الحج، حيث يقول؛
"ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ{۳۰} حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ{۳۱}"
مستمعينا الأفاضل، ويبقى هنا أن نتساءل عن سبل النجاة من الشرك في الربوبية، وهذا هو السؤال الذي نتلمس إجابته بإذن الله والأحاديث الشريفة في الحلقة المقبلة من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، لكم خالص الدعوات وفي أمان الله.