السلام عليكم مستمعينا الأحبة و رحمة الله
أطيب تحية نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج و سؤالنا فيه هو : ما هي أهم مصاديق عبادة الإنسان لهواه و اتخاذها إلاها ؟ و قد علمنا في الحلقة السابقة أن أخطر العبادات الشركية هي أقربها للإنسان أي عبادة الهوى و قد حذرنا الله منها و بين لنا أنها تقصد الإنسان عن عبادة الله وعن طريق الكمال و تسقطه في مستنقعات الضلالة و الخسران المبين فما هي مصاديقها لكي نجتنبها و نكون موحدين لله عزوجل حقا ؟ نلتمس معا الإجابة من مناري الهداية الربانية كتاب الله و أحاديث أهل بيت النبوة – عليهم السلام – فتابعونا على بركة الله :
نتدبر أولا أيها الأكارم في الآية الثامنة و العشرين من سورة الكهف حيث يقول تبارك و تعالى مشيرا إلى أن من أبرز مصاديق اتباع الهوى الإنخداع بزينة الحياة الدنيا و الخضوع لأسرها. قال عزوجل "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً". و قال عز من قائل في الآيات ۱۳ – ۱٦ من سورة (طاها) : " وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى{۱۳} إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي{۱٤} إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى{۱٥} فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى{۱٦}".
و كما تلاحظون أيها الإخوة فإن هذه الآيات لكريمة تشير إلى عبادة الهوى في الجانب العقائدي أي اتباع الإنسان لما تهواه نفسه من الأفكار و العقائد و ليس لما يقره العقل السليم و المنطق الصحيح.
فالآيات الكريمة هذه تجعل الهوى مقابل الوحي الإلهي كما تنبه لذلك الآيات الأولى في سوة النجم حيث يقول عزوجل: "و النجم إذا هوى ما ضل صاحبكم و ما غوى و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى".
و نجد في الآيات الكريمة مستمعينا الأفاضل إشارات إلى مصاديق عبودية الهوى في التعامل مع الناس ، و في إحقاق الحقوق و إقامة قوانين العدل. قال عز من قائل في الآية ۲٦ من سورة (ص) : "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ"، و نقرأ في الآية ۱۳٥ من سورة النساء خطابا إلهيا عاما يدعو الناس إلى اجتناب مصاديق عبادة الهوى مثل الميل النفسي للأقرباء أو الأغنياء و غير ذلك في الحكم على الناس ، قال جل جلاله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً" و ينهينا الله عزوجل في الآية الثامنة من سورة المائدة إلى أن الأهواء الشخصية و ما تشمل عليه من بغض لبعض الأشخاص لا ينبغي أن نسمح لها بالتأثير على أحكامنا و تعاملنا مع الآخرين و إعطائهم لحقوقهم. فنكون بذلك قد عبدنا الهوى و اتخذناه عمليا إلاها من دون الله تبارك و تعالى. قال عز من قائل في الآية المذكورة : "يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنكم شنئا قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".
إذن مستمعينا الأفاضل فالايات الكريمة تبين لنا مصاديق عبادة الهوى من دون الله عزوجل في مجالات ثلاثة رئيسية : الأول هو الخضوع لأسر مظاهر الدنيا و زخارفها ، و هو ما تعبر عنه الأحاديث الشريفة بعبادة المال أو الشهوات و حب الدنيا الذي تصفه بأنه ردس كل خطيئة كما ورد في الحديث النبوي الشهير.
المجال الثاني هو الجانب العقائدي و يعني الأخذ بالآراء و الأفكار التي تنسجم مع رغبتنا و اتباعها دون مراعاة انطباقها مع موازين العقل السليم و المنطق الصحيح.
أما المجال الثالث لعبادة الهوى و اتخاذه إلاها من دون الله فهو التعامل مع الآخرين في مختلف المجالات على أساس الرغبات و الأهواء الذاتية و الحب و البغض النفسي ، لا على أساس المعايير الإلهية العادلة. و كل هذا من الشرك الجلي و الخفي تخرج الإنسان من دائرة التوحيد العملي الخالص لله عزوجل.
أجارنا الله و إياكم من ذلك ببركة اتباع صفوته المخلصين محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين. اللهم آمين.
و بهذا ننهي حلقة اليوم من برنامج (أسئلتنا و أجوبة الثقلين) استمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران تقبل الله أعمالكم و في أمان الله.