السلام عليكم أيها الأكارم ورحمة الله وبركاته.. أزكى وأطيب تحية نحييكم بها ونحن نلتقيكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج والسؤال فيه هو:
لماذا أمر الله عزوجل الملائكة بالسجود لآدم، وما معنى السجود له؟
للحصول على جواب هذا السؤال الذي يتردد في أذهان الكثير نرجع إلى مناري الهداية الإلهية فتابعونا على بركة الله.
مستمعينا الأفاضل، ينبغي أولاً أن نشير إلى أن الله جلت حكمته، قد كرر أمره للملائكة بالسجود لآدم في مواطن عدة في قرآنه المجيد في سور البقرة والأعراف والإسراء والحجر والكهف وطه.
والله تبارك وتعالى حكيم، فتكرار هذه الواقعة يشير إلى أهميتها وأهمية العبرة والدروس التي تشتمل عليها في هداية الخلق وسعادتهم ونجاتهم بجميع أجيالهم إلى يوم القيامة.
كما أن من الملاحظ أن الله عزوجل قد ذكر في جميع الموارد التي نقل فيها أمره للملائكة بالسجود لآدم، موقف إبليس اللعين وتمرده على أمر الله جل جلاله واستكباره بذلك على إرادة الخالق الحكيم سبحانه وتعالى.
وفي ذلك تحذير من عمل الشيطان الذي يصد الإنسان عن عبادة الله عزوجل وتنبيه للمؤمنين إلى يوم القيامة إلى الإبتعاد عن العلة الأساس التي جعلت إبليس يتمرد على عبادة الله عزوجل بالخضوع لمن فضل الله عزوجل من خلقه وجعلهم أسماءه الحسنى التي يدعى بها.
وهذه العلة هي الإستكبار، حسب التعبير القرآني بما تعبر عنه من السقوط في شباك عبادة النفس والنظر إليها.
قال عزوجل في الآية ۳٤ من سورة البقرة "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ".
وقال عز اسمه في الآيتين ۱۲و۱۳ من سورة الأعراف "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ{۱۲} قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ{۱۳}".
مستمعينا الأكارم، وعلى ضوء ما تقدم نصل إلى أن الآيات الكريمة تبين حقيقة أن في الأمر الإلهي بالسجود لآدم كشف لحقيقة الشيطان من جهة وتحذير من العلة الأساسية التي تصد الخلق عن عبادته عزوجل وهي عبودية النفس والإستكبار.
وعند نلاحظ أن آيات الأمر بالسجود لآدم في سورة البقرة جاءت بعد آيات تعليم آدم الأسماء الإلهية الحسنى، يتضح أن علة السجود لآدم بيان حقيقة أن عبادة الله عزوجل لا تتحقق إلا بتعظيم أسمائه، وهذا ما صرحت به الكثير من الأحاديث الشريفة المتواترة في مضامينها وحددت هوية أسماء الله الحسنى التي يكون تعظيمها تعظيماً وعبادة لله جل جلاله.
فمثلاً روى الشيخ الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا مسنداً عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – قال ضمن حديث طويل: "إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله تعالى عبودية، ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه".
وروي في كتاب (شرح الآيات) مسنداً عن سيد الشهداء الإمام الحسين – عليه السلام – أنه قال لأصحابه بالطف قبل ملحمة عاشوراء: أولاً أحدثهم بأول أمرنا وأمركم معاشر أوليائنا ومحبينا والمبغضين لعدونا، ليسهل عليكم إحتمال ما أنتم معرضون [يعني الشهادة في سبيل الله].
قالوا: بلى، يا ابن رسول الله، فقال – عليه السلام - : "إن الله لما خلق آدم وسواه وعلمه أسماء كل شيء وعرضهم على الملائكة، جعل محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين أشباحاً خمسة في ظهر آدم كانت أنوارهم تضيء في الآفاق من السموات والحجب والجنان والكرسي والعرش، ثم قال – عليه السلام -: ثم أمر الله الملائكة بالسجود لآدم تعظيماً له ولأنه قد فضله بأن جعله وعاءً لتلك الأشباح التي قد عم أنوارها الآفاق فسجدوا، إلا إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت وقد تواضعت الملائكة كلها، فاستكبر وترفع وكان بأبائه ذلك وتكبره من الكافرين.
وروى الشيخ الصدوق في كتاب علل الشرائع بسنده عن الإمام الصادق – عليه السلام – قال: لما أسري برسول الله – صلى الله عليه وآله – وحضرت الصلاة أذّن جبرئيل وأقام للصلاة فقال: يا محمد تقدم.. إننا لا نتقدم على الآدميين منذ أمرنا بالسجود لآدم.
وختاماً مستمعينا الأفاضل، نصل إلى النتيجة المحورية التالية:
إن الأمر الإلهي بالسجود لآدم يشتمل على تنبيه بأن عبادة الله تتحقق بتعظيم مظاهر جلاله وجماله عزوجل، محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وبهذا نختم لقاء اليوم من برنامج (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.