السلام عليكم أيها الأحبة ورحمة الله؛ تحية من الله مباركة طيبة نهديها لكم في مطلع لقاء آخر من هذا البرنامج نعرض فيه على مناري الهداية، كتاب الله وأهل بيت النبوة، سؤالاً يتردد في أذهان الكثيرين.
السؤال يقول: كيف نفهم أمر الله عزوجل لملائكته بالسجود لآدم، رغم أن السجود هو من أوضح مصاديق العبودية بمعنى الخضوع، في حين أن الله جل جلاله أمر أن لا نعبد إلا إياه؟
الإجابة نتلمسها معاً من النصوص الشريفة بعد قليل، فتابعونا على بركة الله.
مستمعينا الأطائب، عندما نرجع للقرآن الكريم نجد أن الله عزوجل قد أمر الملائكة بالسجود لآدم من جهة، ومن جهة ثانية حكى قيام أحد أنبيائه المكرمين، هو يعقوب – عليه السلام – ومع أولاده بالسجود لولده النبي يوسف – عليه السلام – كما نقرأ في سورة يوسف.
إذن، فالسجود لغير الله في الظاهر حصل من الملائكة لآدم - عليه السلام - وحصل من نبي ليوسف – عليه السلام – فكيف يكون ذلك ولا يعد من الشرك؟
الإجابة نجدها في القرآن الكريم نفسه وفي سورة يوسف نفسها في الحوار الذي نقله الله تبارك وتعالى والذي جرى بين نبيه يوسف وصاحبيه في السجن اللذين طلبا منه تأويل رؤيتيهما، جاء في الآيتين ۳۹ و ٤۰ من سورة يوسف: "يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ{۳۹} مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ{٤۰}".
مستمعينا الأفاضل، لنتدبر معاً في هاتين الآيتين الكريمتين، سعياً للإجابة عن سؤال هذه الحلقة، نجد أولاً أنهما يستنكران عبادة الأرباب المتفرقين لعلتين، الأولى كونها عبادة من دون الله، أي أن تعظيم الأرباب المتفرقين يقع رغم كونهم (من دون الله) أي أنداداً له جل جلاله أولاً وثانياً يكون تعظيمهم على نحو الإستقلال عن تعظيم الله عزوجل.
أما العلة الثانية لإدانة هذه العبادة واعتبارها من الشرك، فهي أن المعبودين هنا هم من الأرباب المتفرقين لم يأمر الله عزوجل بتعظيمهم فهي من مسميات البشر (ما أنزل الله بها من سلطان).
إذن، نصل – أحبتنا – إلى النتيجة التالية وهي: أن تعظيم أي مخلوق والخضوع والتذلل له لا يكون شركاً ولا عبادة لغير الله عزوجل حتى لو كان سجوداً له إذا توفر فيه شرطان: الشرط الأول أن لا يكون خضوعاً له كندٍ لله عزوجل وعلى نحو الإستقلال أي (من دون الله) حسب التعبير القرآني.
والشرط الثاني أن يكون بأمر الله عزوجل ورضاه، فيصبح بذلك عبادة لله جل جلاله.
مستمعينا الأفاضل، من هنا نلاحظ أن القرآن الكريم قد أدان تمرد إبليس اللعين على أمره بالسجود لآدم واعتبره أن منشأه العلو والإستكبار وهما اللذان يصدان عن عبادة الله عزوجل، كما صرحت الأحاديث الشريفة أن سجود الملائكة لآدم كان عبادة لله تبارك وتعالى، فقد روي في تفسير العياشي عن مولى الموحدين الإمام علي – عليه السلام – أنه قال: "أول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة، لما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم سجدوا على ظهر الكوفة".
وروي في كتاب الإحتجاج مسنداً عن الإمام الحسين – عليه السلام – أن يهودياً من أحبار الشام قال لعلي – عليه السلام -: هذا آدم قد أسجد الله له ملائكته، فهل فعل لمحمد شيئاً من هذا؟
فأجابه أميرالمؤمنين بقوله – عليه السلام - : "لقد كان كذلك، ولئن أسجد الله لآدم ملائكته فإن سجودهم لم يكن سجود طاعة وأنهم عبدوا آدم من دون الله عزوجل، ولكن اعترافاً لآدم بالفضيلة ورحمة من الله له. ثم قال – عليه السلام - : ومحمد – صلى الله عليه وآله – أعطي ما هو أفضل من هذا، إن الله عزوجل صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها وتعبد المؤمنون بالصلاة عليه، فهذه زيادة له – صلى الله عليه وآله -".
وختاماً نلخص الإجابة عن سؤال هذه الحلقة من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) بما يلي:
إن النصوص القرآنية تبين أن الخضوع والتذلل والتعظيم لغيرالله عزوجل يكون شركاً إذا كان لأنداد الله الذين لا يستحقون التعظيم.
وثانياً إن تعظيم من أمر الله بتعظيمهم يكون عبادة لله عزوجل مثلما أن طاعة من أمر بطاعتهم هي طاعة لله تبارك وتعالى.
نشكر لكم أيها الأطائب جميل الإستماع للقاء اليوم من البرنامج إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
دمتم بكل خير وفي أمان الله.