بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم أيها الأعزاء ورحمة الله وبركاته.. تحية طيبة نهديها لكم في مطلع حلقة أخرى من برنامجكم العقائدي هذا وسؤالنا فيها هو: ما معنى توحيد الله عزّ وجل الذي هو أصل أصول العقائد الإسلامية؟
نتلمس معاً الإجابة عن هذا السؤال من مناري الهداية الربانية وثقليهما القرآن الكريم وأهل بيت النبوة المحمدية –عليهم السلام– تابعونا على بركة الله.
يستفاد من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أن المعنى الجامع للتوحيد هو الإقرار لله عزّ وجل عقائدياً بوحدانيته في الألوهية والربوبية بما يتضمن تنزيهه عن جميع أشكال التشبيه بالمخلوقات والنقص والتحديد والتركيب ونظائر ذلك.
وهذا هو، عزيزي المستمع، التوحيد العقائدي ومنه ينبثق المعنى العلمي الذي يعني توحيده عزّ وجل في العبودية بمعناها الخاص وكذلك بمعناها العام كالطاعة والتسليم.
في هذا اللقاء نبدأ بتناول أركان التوحيد العقائدي، وهي في الواقع مشتركة مع أركان معرفة الله حق معرفته التي تقدم الحديث عنها في حلقات سابقة من هذا البرنامج.
قال الله عزّ وجل في الآية ۱۰۰ الى ۱۰٤ من سورة الأنعام:
"وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل* لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ * قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ".
وقال تبارك وتعالى واصفاً ذاته المقدسة في الآيتين ۱۱ و۱۲ من سورة الشورى: "فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".
هذه الآيات الكريمة تجمع، مستمعينا الأفاضل، معظم معاني التوحيد الخالص الإعتقادي والعملي، ولكننا نشير هنا إلى واحد منه وهو الذي أطلق عليه توحيد الذات الإلهية المقدسة.
والمعنى هو أنه تبارك وتعالى وحده الواحد القهار الفرد الصمد الذي لا نظير له ولا شبيه في كل صفاته العليا وأسمائه الحسنى، فهو جل جلاله الذي ليس كمثله شيء في كل شأن من شؤونه وهو تبارك وتعالى وحده الذي لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.
روى الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد بسنده عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال: سألت أبا جعفر الثاني [يعني الإمام الجواد عليه السلام] عن التوحيد.
فقلت: أتوهّم شيئاً؟ يعني هل يجوز أن يتوهّم كيفية أو صورة معينة لله جل جلاله.
فأجابه الإمام الجواد عليه السلام: "ما وقع وهمك عليه من شيء فهو [سبحانه] خلافه، لايشبهه شيء ولاتدركه الأوهام، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصور في الأوهام..".
وقال –عليه السلام– أيضاً في حديث آخر: "أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولاتدركها ببصرك، فأوهام القلوب لاتدركه جل جلاله فكيف أبصار العيون".
وفي حديث عن مولانا الرضا، عليه السلام، في صفته سبحانه قال: "هو أجل من أن يدركه بصر أو يحيط به وهم".
وفي كتاب (التوحيد) أيضاً عن إمامنا الرضا–عليه السلام– قال: "للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي وتشبيه وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لايجوز، ومذهب التشبيه لايجوز لأن الله تعالى لا يشبهه شيء، والسبيل [يعني السليم] في الطريق، الثالثة: إثبات بلا تشبيه".
والأحاديث الشريفة المروية من طريق أهل البيت –عليهم السلام– كثيرة وهي تؤكد توحيد الله عزّ وجل بالطريق الثالث، أي إثبات لكل الكمالات له عزّ وجل ولكن مع نفي جميع أشكال التشبيه بخلقه، وهو تبارك وتعالى الذي لاتدركه الأبصار والأوهام لأنه المنزه عن مشابهة خلقه، ولكن تراه القلوب بما جاءتها من بصائر معنوية من ربها، تبارك وتعالى. وبها تبصر وجوده وتوحّده بأنه ليس كمثله شيء في رأفته ورحمته ولا في قدرته وعلمه، ولا في حياته وجميع صنعه تبارك وتعالى رب العالمين.
فاصل
بهذا، أيها الأكارم، نختم لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، إلى لقائنا المقبل دمتم بكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.