البث المباشر

معرفة الله بمعرفة النفس

الأربعاء 6 مارس 2019 - 09:23 بتوقيت طهران

الحلقة 33

السلام عليكم أيها الأطائب ورحمة الله. طابت أوقاتكم بكل خير وبركة وأهلا بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج سؤالنا فيه – أيها الأعزاء – هو: ما هي أهم مميزات معرفة الله تبارك وتعالي التي يصل إليها الإنسان من معرفة نفسه. وقد علمنا في الحلقة السابقة أن معرفة النفس هي إحدي أهم الطرق لمعرفة الله عزوجل خالقا ومدبرا ورازقا وقادرا وحيا وغير ذلك من صفاته الحسني فما الذي يميز معرفته عزوجل عن هذا الطريق عن معرفته عن طائر سائر مخلوقاته ؟ نلتمس الإجابة عن هذا السؤال من نصوص مناري الهداية الإلهية، فكونوا معنا .
أعزائنا المستمعين، عندما نرجع إلي آيات القرآن الكريم نجدها تصرح بأنه الله عزوجل قد كرم بني آدم إذ خلق الإنسان في أحسن تقويم وجعله خليفته في الأرض وسيد مخلوقاته. 
قال تبارك وتعالي في الآية السبعين من سورة الإسراء "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" . وقال جل جلاله في الآيتين ٦۱ و٦۲ من السورة نفسها " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا [١٧:٦١] قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا [١٧:٦٢]" وقال جل وعلا عن كليمه موسي علي نبينا وآله وعليه السلام في الآية ٤۱ من سورة طه "وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [٢٠:٤١]" وقال تبارك وتعالي في سورة التين "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [٩٥:٤]" . وقال عن نبيه داوود عليه السلام في الآية ۲٦ من سورة ص: " يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ" 
والذي نستفيده من هذه الآيات الكريمة ونظائرها أن الله عزوجل قد خلق الإنسان بأكمل صور الخلق وأعلي مراتبه بما أهله لأن تسجد له الملائكة ويكون خليفة لله عزوجل قادرا علي أن يحكم بين الناس بالحق. وهذا يعني أن ما أودعه الله جل جلاله في الإنسان من قوي وطاقات هي أعلي وأكمل مما لدي سائر المخلوقات، ولذلك فإن معرفتها تقرب الإنسان لإدراك عظمة الله وصفاته العليا، أقوي مما يحصل عليه من معرفة ما لدي سائر المخلوقات. نقل العلامة الفيض الكاشاني في تفسير أوائل سورة البقرة (من تفسير الصافي) الأبيات المشهورة لأمير المؤمنين – عليه السلام – التي تشير إلي هذا المعني حيث يقول مخاطبا جنس الإنسان: 

دواؤك فيك و ما تشعر

وداؤك منك وما تبصر

وأنت الكتاب المبين الذي

بأحرفه يظهر المضمر

وتزعم أنك جرم صغير

وفيك انطوي العالم الأكبر


وفي تفسير الصافي أيضا نقل الفيض الكاشاني عن مولانا الإمام الصادق – عليه السلام – أنه قال: "الصورة الإنسانية هي أكبر حجة الله علي خلقه وهي الكتاب الذي كتبه الله بيده" 
وهذا الحديث نقله الحكيم السبزواري في الجزء الأول من شرحه لدعاء الجوشن الكبير المعروف بشرح الأسماء الحسني ولكن بصورة أكثر تفصيلا طبق ما نقله المحدث ابن أبي جمهور الإحسائي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: الصورة الإنسانية هي أكبر حجج الله علي خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي البناء بحكمته وهي مجموع صور العالمين، وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي المشاهدة علي كل غائب وهي الحجة علي كل جاحد وهي الطريق المستقيم إلي كل خير)
أيها الإخوة والأخوات، ويفهم من الحديث العلوي الأخير أن الله عزوجل قد أودع في فطرة الإنسان خلاصة ما نثره في سائر المخلوقات من قوي وطاقات. ولذلك فإن معرفة الإنسان لهذه القوي الكامنة فيه تفتح له آفاق المعرفة الوجدانية بخالقها ومودعها فيه وهو تبارك وتعالي الذي نفخ في الإنسان من روحه القدسية كما صرح بذلك القرآن الكريم؛ فصار إنسانا.
من هنا فإن الميزة الأهم لمعرفة الله عن طريق معرفة النفس، هي أنها معرفة وجدانية لله عزوجل بأسمي وأعلي درجات تجليه في مخلوقاته ولذلك كانت معرفة الله عزوجل عن طريق معرفة أوليائه وصفوته المقربين محمد وآله الطاهرين – عليهم السلام – أسمي وأكمل صور المعرفة بالله جل جلاله. 
إذ أنهم – عليهم السلام – المصداق الأكمل للإنسان بما هو خليفة لله وقد ظهرت فيهم تلك القوي التي أودعها الله في النفس الإنسانية بأكمل صورها وهذا ما سنتطرق إليه في حلقات مقبلة بإذن الله من برنامج (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) 
نشكر لكم أعزائنا طيب الإستماع لهذه الحلقة التي قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران.
تقبل الله أعمالكم ودمتم بألف خير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة