بسم الله الرحمن الرحيم
سلامٌ من الله عليكم مستمعينا الكرام ورحمته وبركاته.
تحية طيبة مباركة نستهل بها لقاء اليوم من هذا البرنامج، وسؤالنا فيه هو (ما هي فروع المعرفة الدينية التي يحتاجها كل إنسان)؟
واضحٌ أيها الأخوة والأخوات أن السؤال يرتبط بعموم الناس وليس أهل التخصص بالعلوم الدينية.
بعبارة أخرى ما هو العلم الديني الذي ينبغي لعموم المسلمين أن يتعلمونه؟
إذن فالسؤال مهم والإجابة عنه مهمة للجميع، فلنبحث عنها معاً في نصوص مناري الهداية الإلهية كتاب الله وأحاديث أهل بيت النبوة- عليهم السلام-.
نبدأ أعزاءنا بالقرآن الكريم فنجده يدعو الناس جميعاً الى تعلم ما فيه تحقق الحياة الطيبة الحقيقية التي تضمن لهم السعادة والكرامة في الدنيا والآخرة، أي تعلم المعارف الإلهية التي يكون بها إحياء عناصر الخير في وجودهم الإنساني.
قال عزّ من قائل في الآية ۲٤ من سورة الأنفال «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ».
وتفصل الآيات الكريمة هذا الجواب العام بذكرفروع العلم النافع التي فيها إحياء الإنسان، قال الله جل جلاله في الآية الثانية من سورة الجمعة:
«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ».
إذن فما ينبغي لكل مسلم تعلّمه هو الآيات القرآنية على وفق تبيين رسول الله- صلى الله عليه وآله- وأهل بيته- عليهم السلام- لها، وكذلك علوم تزكية النفوس وتهذيبها أي علوم الأخلاق والفقه وعلوم الحكمة التي من يؤتاها فقد أوتي خيراً كثيراً وهي التي تشمل العقائد الحقة بمختلف تفصيلاتها.
مستمعينا الأفاضل، وعندما نرجع الى أحاديث أهل بيت النبوة- عليهم السلام- نجدها تفصّل إجابة الآيات الكريمة فتهدينا الى النافع من العلوم وتحذرنا من غيرها.
روي في كتاب الكافي مسنداً عن الإمام الكاظم- عليه السلام- قال: (دخل رسول الله- صلى الله عليه وآله- المسجد فاذا جماعةٌ قد أطافوا برجلٍ فقال: ما هذا؟
أجابوه: علامة، فقال: وما العلّامة؟ فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية والأشعار العربية.
فقال- صلى الله عليه وآله-: ( ذاك علمٌ لايضرّ من جهله ولاينفع من علمه، إنما العلم ثلاثةٌ: آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة، وما خلاهنّ فهو فضل).
وفي نهج البلاغة عن أميرالمؤمنين- عليه السلام- أنه كتب الى رفاعه عندما جعله قاضياً على الأهواز فقال: ( ذر المطامع وخالف الهوى….الى أن قال: العلم ثلاثة آية محكمة وسنةٌ متبعة وفريضة عادلة وملاكهن أمرنا).
وقد فسر العلماء الآية المحكمة بعلم العقائد والسنة المتّبعة بعلم الأخلاق والفريضة العادلة بعلم الفقه. أي ينبغي للمسلم أن يتعلم ما يحتاجه من كل من هذه المعارف العقائدية والفقهية والأخلاقية.
أما قول الوصي المرتضى- عليه السلام-: (وملاكهن أمرنا) فهو يشير الى أن يكون أخذ هذه العلوم من ينابيع أهل بيت النبوة- عليهم السلام-.
ونلمح في الأحاديث الشريفة عظيم التأكيد على تعلّم ما فيه معرفة الله عزّ وجل وصفاته تبارك وتعالى وأوامره ونواهيه وكذلك معرفة ما يبعد الإنسان عن الصراط المستقيم لكي يحذر المؤمن منه.
جاء في كتاب شرح أصول الكافي عن الإمام الصادق- عليه السلام- قال:
(وجدت علم الناس كله في أربعٍ: أولها أن تعرف ربك، والثاني أن تعرف ما صنع بك، والثالث أن تعرف ما أراد منك، والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك).
كما تؤكد النصوص الشريفة على أهمية تعلم المسلم لما يصلح قلبه من الخصال الطيبة وما يفسده ويعكر عليه صفو الحياة الطيبة من أمراض القلوب أجارنا الله وإياكم منها.
ورد في موسوعة بحار الانوار الجزء ۷۸ عن إمامنا الكاظم- عليه السلام- قال: (أولى العلم بك ما يصلح لك العمل إلا به، وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤولٌ عن العمل به).
وفي هذه الفقرة إشارة الى أهمية تعلم الأحكام الفقهية، خاصة أحكام الواجبات والمحرمات.
ثم قال- عليه السلام-: (وألزم العلم لك ما دلّك على صلاح قلبك وأظهر لك فساده، وأحمد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل فلاتشتغلن بعلم ما لايضرك جهله ولاتغفلنّ عن علم ما يزيد في جهلك تركه).
ويبدو أن المراد بالعلم الذي يزيد تركه في جهل الإنسان، هو العلم بالأمور التي تؤدي بالإنسان الى الوقوع في عمى البصيرة مثل حب الدنيا وإتباع الأهواء ومجالسة البطالين، أجارنا الله وإياكم منها.
أيها الأحبة أما الآن فنلخّص الإجابة التي حصلنا عليها من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة عن سؤال هذا اللقاء وهو «ما ينبغي لكل مسلمٍ تعلّمه من فروع المعرفة الدينية».
فقد إتضح لزوم تعلّم علوم العقائد الإلهية ومعرفة الله عزّ وجل، وكذلك ما يحتاجه الإنسان من احكام الفقه والواجبات والمحرمات، كما ينبغي تعلم علوم الأخلاق الفاضلة للتحلي بها ومعرفة ما يصد عن سبيل الله لإجتنابه.
وبهذا نختم ايها الاعزاء من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران لقاء اليوم من برنامجكم(أسئلتنا وأجوبة الثقلين)، نشكر لكم طيب الإصغاء وفي أمان الله. الى اللقاء.