بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة مباركة نهديها لكم في مطلع لقاء آخر من هذا البرنامج
وسؤالنا فيه أيها الاعزاء هو: ( ما هو العلم الالهامي أو اللدني وكيف نحصل عليه) نعرض السؤال على مناري الهداية الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة فنتدبر فيها لنعرف اجابتها.
مستمعينا الأكارم تابعونا علي بركة الله.
أيها الأخوة والأخوات ورد ذكر العلم الالهامي أو اللدني صراحة أو اشارة في كثيرٍ من الآيات الكريمة نظير قوله عزّ وجل في الاية ٦٥ من سورة الكهف ضمن نقله لقصة كليمه موسى –عليه السلام- مع العبد الصالح الخضر –عليه السلام- الذي أمر موسى بالتعلم منه، قال تبارك وتعالى:
«فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا».
وواضح مستمعينا الأكارم أن كل علمٍ هو بالنهاية من الله عزّ وجل ونسبة التعليم والعلم هنا اليه عزّ وجل مباشرة يشير الى أن المراد نوع خاص من العلم يأتي مباشرة من الله تبارك وتعالى ويمتاز بكونه ذا آثار أعظم بركة على الانسان ولذلك تصف النصوص الشريفة هذا النمط من العلم بالنور أو العلم الحقيقي. قال عزّ وجل في الآية ۱۲۲ من سورة الأنعام «أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ».
وقد فسر الامام الباقر –عليه السلام- النور في الآية بالولاية والامام الحق في اشارة الى أن العلم الالهامي الذي يحصل للمؤمن انما يكون ببركة التمسك بالولاية الحقة وبها ينعم الله عزّ وجل بهذا النمط من الاحياء الحقيقي.
وعن هذا العلم الالهامي النوراني يقول أمير المؤمنين –عليه السلام- في نهج البلاغة وهو يصف سالك طريق الحق جل جلاله:
(قد أحيا عقله وأمات نفسه.. وبرق له لامع كثير البرق فأبان له الطريق وسلك به السبيل وتدافعته الأبواب الى باب السلامة ودار الاقامة)ولذلك فهذا النمط من العلم الحقيقي، كما يشير لذلك امامنا الصادق –عليه السلام- حيث يقول: (ليس العلم بالتعلم، انما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالي أن يهديه).
ويستفاد من النصوص الشريفة أن هذا العلم النوراني الالهامي هو نوع من التأييد الالهي لمن أخلص في طلب مرضاة الله عزّ وجل، وقد أشارت لذلك كثير من أحاديث أهل البيت –عليهم السلام- ففي تفسير العياشي روي عن امامنا الصادق –عليه السلام- قال: (لما أمر الملك بحبس يوسف في السجن ألهمه الله علم تأويل الرؤيا).
وفي الكافي وعيون أخبار الرضا وغيرهما عن امامنا ابي الحسن الرضا –عليه السلام- قال ضمن حديث طويل عن صفات الامام الحق: (ان العبد اذا اختاره الله لأمور عباده شرح الله صدره، أودع قلبه ينابيع الحكمة وأطلق على لسانه وألهمه العلم الهاماً فلم يعي بعده بجواب ولم تجد فيه غير صواب ولايحير فيه عن الصواب فهو معصوم موفق مسدد مؤيد..). وهذا العلم الالهامي الذي يتفضل به علي أنبيائه وأوليائه –عليهم السلام- يتفضل بمراتب منه على سائر المؤمنين كل بحسب درجة ايمانه واخلاصه.
وروي عن رسول الله – صلى الله عليه وآله أنه قال: (المؤمن ينظر بنور الله) وفي كتاب عيون الحكم والمواعظ عن أمير المؤمنين –عليه السلام- قال: (اذا أحب الله عبداً ألهمه العلم) وفيه أيضاً قال-عليه السلام- : (اذا استخلص الله عبداً ألهمه الديانة) وقال عليه السلام- أيضاً: (اذا احب الله عبداً ألهمه رشده ووفّقه لطاعته).
وفي حديث أخر قال –سلام الله عليه-: (اذا أحب الله عبداً ألهمه حسن العبادة).
وفي كتاب (غرر الحكم) لعبد الواحدي الآمدي عن الوصي المرتضى -عليه السلام- قال: (اذا أراد الله سبحانه صلاح عبده ألهمه قلة الكلام وقلة الطعام وقلة المنام).
وفي كتاب (معدن الجواهر) لأبي الفتح الكراجكي عن امامنا الصادق –عليه السلام- قال: (اذا أحب الله تعالى عبداً ألهمه العمل بثمان خصال: غض البصر عن المحارم والخوف من الله جل ذكره والحياء والحلم والصبر والأمانة والصدق والسخاء). وفي مستدرك الوسائل عنه –عليه السلام- قال: (اذا أحب الله عبداً ألهمه الطاعة وألزمه القناعة وفقّهه في الدين وقواه باليقين). وفي كتاب (الغرر) عن الامام علي عليه السلام قال: (اذا أراد الله بعبدٍ خيراً ألهمه الاقتصاد وحسن التدبير وجنّبه سوء التدبير والاسراف).
مستمعينا الأفاضل وثمة أحاديث كثيرة تحمل مضامين الهام الله عزّ وجل لعباده المؤمنين للعلوم الخاصة التي تعينهم علي صلاحهم وسبل حسن الطاعة والتحلي بالأخلاق النبيلة وما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة والأخوات، اذن نخلص مما تقدم أن العلم الالهامي أو العلم اللدني هو علم الهي نوراني خاص يقذفه الله عزّ وجل في قلوب الأنبياء والائمة والاولياء والمؤمنين كل حسب درجته الايمانية.
وأن هذا العمل يمثل نوعاً من التأييد الالهي لعباد الله الصالحين وهو يوصلهم الي مراتب أسمي من الحياة الحقيقية.
وهنا يثار سؤال آخر هو: (كيف نحصل على هذا العلم المبارك)؟
سؤال مهم نوكل الاجابة عنه الى حلقات مقبلة بإذن الله من برنامجكم (اسئلتنا واجوبة الثقلين)، وقد استمعتم له مشكورين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. الى لقائنا المقبل نستودعكم بكل خير ودمتم في أمان الله، الى اللقاء.