وعلى الأستاذ الكريم أبي حيدر السلام ورحمة الله وبركاته وقولي له: صاحب هاذه الفريدة الرائعة - كما سّميتها- هو السيّد أبوالفضل العبّاس بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس بن الإمام عليّ ابن أبي طالب (عليهم السلام) كان شاعراً بارعاً، وكاتباً بليغاً، انتقل من المدينة المنوّرة إلى بغداد أيّام هارون الرّشيد، وصحبه هو والمأمون وتوفي في خلافة الابن سنة عشر ومئتين.
وحفظ الناس جمله البليغة، ومنها قوله المختوم بالبيت الذي سألت عنه، ونصّه: ما رأيت أصفى من وصل بعد هجران، ولا أخلص من مقة بعد شنان، ولقد جرّبت ذالك وقلت:
ولم أر أبقى من وصال مراجع
إلى الودّ من بعد القلى والتقاطع
فإنّ إخاء البدء تعفو رسومه
ولا تخلق الأيّام ودّ المراجع
وحسب هاذا السيّد البليغ قول أبي نواس فيه إذ سئل عنه: هو أرقّ من الوهم، واحسن من الفهم، وأمضى من السّهم.
وإذ سئل هو عن أبي نواس (رحمهما الله) قال فيه: إنّه أحسن من وفاء بعد غدر، ومن وصل بعد هجر. وممّا استحسنه أبو نواس للعبّاس بن الحسن قوله:
لا جزى الله دفع عيني خيراً
وجزى الله كلّ خير لساني
نمّ دمعي فليس يكتم شيئاً
ووجدت اللسان ذا كتمان
كنت مثل الكتاب اخفي طيّ
فاستدلّوا عليه بالعنوان
سألني الأخ مظفر السلاميّ من الديوانيّة بالعراق أن من قال هاذا البيت؟
هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة
وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر
وما مناسبة قوله؟
قلت للأخ السلاميّ الكريم: قائل هاذا البيت هو الشاعر البارع غاية البراعة في المدح علي بن جبلة المعروف بالعكوّك ولبيته الذي سألت عنه خبر، فقد قال هو نفسه: زرت أبا دلف العجلي، فكنت لا أدخل إليه، إلاّ تلقاني ببشره، ولا أخرج عنه إلاّ تلافاني ببرّه.
فلمّا اكثر ذالك هجرته أيّاماً حياءً منه، فبعث إليّ أخاه معقلاً، فقال: يقول لك الأمير: هجرتنا وقعدت عنّا، فإن كنت رأيت تقصيراً فيما مضى، فاعذر، فإننّا نتلافاه في المستقبل، ونزيد فيما يجب من برّك. فكتبت إليه بهاذه الأبيات:
هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة
وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر
ولكنّني لمّا أتيتك زائراً
فأفرطت في برّي عجزت عن الشكر
فم الآن لا اتيك إلاّ مسلّماً
أزورك في الشهرين يوماً أو الشهر
فإن زدتني برّاً زدتك جفوة
فلا نلتقي طول الحياة الى الحشر
فاستحسنها وكتب إليّ بهاذه الأبيات:
ألا ربّ ضيف طارق قد بسطته
وانسته قبل الضيافة بالبشر
رأيت له فضلاً عليّ بقصده
إليّ وبرّاً لا يعادل شكري
أتاني يرجيني فما حال دونه
ودون القرى من نائلي ستري
فلم أعد أن أدنيته وابتدأته
ببشر وإكرام وبرّ على برّ
وزوّدته مالاً سريعاً نفاده
وذوّدني ذكراً يدوم على الّدهر
ووجّه إليّ هذه الأبيات مع وصيف، فقلت فيه قصيدتي الغرّاء التي سارت واشتهرت في العجم والعرب:
إنّما الدنيا أبودلف هو
بين بادية ومحتضره
فإذا ولّى أبو دلف
ولّت الدّنيا على أثره
وأبو دلف هو القاسم بن عيسى العجلى أحد قادة المأمون، ثمّ المعتصم، وكان سريّاً جواداً ممدّحا شجاعاً مقدّما، ذا وقائع مشهورة، وصنائع مأثورة، أخذ عنه الأدباء والفضلاء. وعاش موالياً مخلصا لأهل البيت (عليهم السلام).
*******