سلام عليكم أيّها الكرام وأهلاً بكم متفضلين في أحلى الكلام من رائق البديع، وفائق العذب الرّفيع، وهما في أبهى الحلل، وأشهى الجمل وذي واحدة منها مسئولة في البيان عنها:
أشكر لأختنا الكريمة بتول من سلطنة عمان- دامت آمنة ناعمة البال هي ومن جاورها من بلاد المسلمين وأقول:
هاذا البيت للأفوه الأودي، وهو أبو ربيعة صلاءة بن عمرو بن مالك بن عوف ابن حارث بن عوف الأوديّ المذحجيّ المتوفّى قبل الهجرة بنحو نصف قرن كان سيّد قومه وقائدهم في الحروب، وهم لا يصدرون من رأيه، فهو من حكماء العرب.
وبيته المسئول عنه مشفوع بمثله كلّما ذكر:
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت
فإن تولّت فبالأشرار تنقاد
لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذ اجهّالهم سادوا
والسّراة اسم جمع للسريّ، وهو الشريف.
وجمع السّريّ أسرياء وسرواء وسرىً.
أظهر والفروق بين الجمع واسم الجمع أنّ الجمع له أوزان معلومة، واسم الجمع ليس كذالك.
والصلاءة والصّلاية إناء يوضع عليه الّطيب، أو حجر يدقّ عليه الحنظل.
وأرسل إليّ الأخ منقذ الأيّوبي من سورية سائلاً عن قائل هاذا البيت:
أترجع أيّام تقضّت وعيشة
تولّت وهل يثنى عن الّدهر أوّل
فقلت للأخ الأيّوبّي- دام منقذاً مشعداً وسعيداً-: هاذا البيت ثان لبيت سابق له قال فيهما الشاعر البارز في العصر الأمويّ جرير بن الخطفى:
وددت أنّي قلت بيتي مزاحم العقيليّ، ولم أقل شيئاً من الشّعر:
وددت على ما كان من سرف الهوى
وغرّ الأماني أنّ ماشئت أفعل
فترجع أيّام تقضّت وعيشة
تولّت وهل يثنى من الّدهر أوّل
فالصّحيح في الرّواية البيت المسئول عنه، وهو الأخير فترجع لا أترجع على ما ورد في السؤال الكريم.
ومزاحم العقيليّ قائل هاذين البيتين هو ابن الحارث، أو ابن عمرو ابن مرّة بن الحارث، وهو شاعر بدويّ غزل من الشّجعان المعروفين.
عاش في زمن جرير والفرزدق، وسئلا كلّ على حدة: أتعرف أحداً أشعر منك؟
فقال الفررزدق: لا، إلا أنّ غلاماً من بني عقيل يركب أعجاز الإبل، وينعت الفلوات، فيجيد.
وقال جرير ما تقدّم من تعليقه على البيتين المذكورين آنفا.
وقيل لذي الّرمّة: أنت أشعر الناس؟
فقال: لا، ولكن غلام من بني عقيل يقال له: مزاحم يسكن الّروضات، يقول وحشيّاً من الشعر، لا يقدر أحد أن يقول مثله.
وطلب إليّ معتزّ الأمين من الشام أن أعرّفه قائل هاذا الرّثاء:
ألم ترني أبني على الليث بيته
وأحثو عليه التّرب لا أتخشّع
قلت للسيّد الكريم معتز الأمين وأنا معتزّ بإحسانه إليّ: هاذا الرّثاء أوّل أربعة أبيات فيه قالها أبو يعقوب إسحاق بن حسّان الخزيمّي، وقد قال فيها رأس الأدب واللغة أبو العبّاس محمّد بن يزيد المبّرد المتوفّى سنة خمس وثمانين ومئتين: لو سئلت عن أحسن أبيات تصرّفت من المراثي لم أختر على أبيات الخزيميّ:
ألم تر في أبني على الليث بيته
وأحشو عليه التّرب لا أتخشّع
وأعددته ذخراً لكلّ ملمّة
وسهم المنايا بالذخائر مولع
وإنّي وإن أظهرت منّي جلادة
وصانعت أعدائي عليه لموجع
وإن شئت أن أبكي دماً لبكيته
عليه ولا كن ساحة الصّبر أوسع
والخزيميّ قائل هاذا الّرثاء شاعر معروف حسن الشّعر، خراسانيّ الأصل من أبناء السّفد وهم أهل بخارى وسمرقند اللتين هما اليوم في بلاد الأزبك.
وقد نزل بغداد، واتّصل بخريم بن عامر المرّيّ وآله، ونسب إليه.
وقيل: كان اتصاله بعثمان بن خريم، وكان قائداً جليلاً، وسيّداً شريفا، وله مراث رقيقة له.
وكان أبو يعقوب إسحاق بن حسّان الخريميّ يتألّه ويتديّن.
وقال فيه أبو حاتم السجستانّي: الخريميّ أشعر المولّدين.
والمولّدون هم المحدثون، أي: من لم يكونوا في صدر الإسلام والملوك الأمويّين.
*******