البث المباشر

احلى الكلام -۲۲

السبت 19 يناير 2019 - 11:54 بتوقيت طهران

الحلقة 22

سألني الأخ عمر السّالم من لندن أن ما هو الغريب في الشّعر.
قلت للأخ الكريم عمر: المعنى الغريب في الشّعر هو الذي يبتدعه الشّاعر ابتداعاً غير مسبوق إليه، ولا خاطراً في الأذهان مثله:
ومن ذلك قول أبي بكر أحمد بن محمّد بن الحسين الأرّجانيّ قاضي تستر الفقيه الشاعر البالغ النهاية في رقّة الشّعر وحسنه، المتوفّى سنة أربع وأربعين وخمس مئة:

رثى لي وقد ساويته في نحوله

خيالي لمّا لم يكن لي راحم

فدلّس بي حتّى طرقت مكانه

وأوهمت إلفي أنّه بي حالم

وبتنا ولم يشعر بنا الناس ليلة

أنا ساهر في جفنه وهو نائم

وأنت ترى هذه الصّورة في غاية اللطافة والجمال.
ومثلها هذه الصورة البديعة أيضاً للشاعر الشهير الإحسان، المخلّى بينه وبين روائع اللسان أبي الحسن عليّ بن محمّد التّهاميّ الشّهيد اعتيالاً سنة ستّ عشر وأربع مئة في خزانة البنود، وهو سجن بالقاهره صانها الله تعالى عن كلّ سوء قال:

إنّي لأرحم حاسديّ لحرّما

ضمّت صدورهم من الأوغار

نظروا صنيع الله بي فعيونهم

في جنّة وقلوبهم في نار

والأوغار: الأحقاد، جمع وغر.
وللتهامّي أيضاً هذا البيت البديع من قصيدة رائعة:

وإذا جفاك الدّهر وهو أبو الورى

طرّاً فلا تغيب على أولاده

وكتب إليّ الّسيّد نورالدّين الحسنّي من سوريا أن لمن هذان العقدان النّفسيان:

خليليّ إنّي للثريّا لحاسد

وإنّي على ريب الزمان لواجد

أيبقى جميعاً شملها وهي ستّة

وأفقد من أحببته وهو واحد

قلت: هذان العقدان للسّيّد النّبيل أبي القاسم أحمد بن اسماعيل بن إبراهيم طباطبا الشريف الحسنّي نقيب الطالبيّين في مصر، وله شعر مليح في الزّهد والغزل وغيرهما.
ومن شعره البديع في طول الليل، وهو معنىً غريب.

كأنّ نجوم الليل سارت نهارها

فوانت عشاءً وهي أنضاء أسفار

وقد خيّمت كي يستريح ركابها

فلا فلك جار ولا كوكب سار


وأنضاء جمع نضو، وهو المهزول.
وهتف إليّ رضا مستنير من صور في جنوب لبنان أن لمن هذا البيت:

تجارى بنا خيل الحمام كأنّما

يسابقني نحو الرّدى وأسابقه

قلت: هذا البيت بين بيتين آخرين أوردهما العماد الإصفهاني في خريدة القصر للفقيه الشافعيّ شرف الدين ابن أبي عصرون المتوفّى سنة خمس وثمانين وخمس مئة، ومرقده في دمشق، وأبياته هي:

أؤقّل وصلاً من حبيب وإنّني

على ثقة عمّا قليل أفارقه

تجارى بنا خيل الحمام كأنّما

يسابقني نحو الرّدى وأسابقه

فيا ليتنا متنا معاً ثمّ لم يذق

مرارة فقدي لا ولا أنا ذائقه

والبيت الأخير كالأوّل من الأبيات السّارية في الناس.
قال يحيى بن أكثم قاضي قضاة المأمون: قال لي المأمون: من تركت بالبصرة؟
فوصفت له مشايخ منهم سليمان بن حرب، وقلت له: هو ثقة حافظ للحديث، عاقل في نهاية السّتر والّصيانة.
فأمرني بحمله إليه، فكتبت إليه في ذلك، فقدم.
فاتّفق أن أدخلته إليه وفي المجلس أبن أبي دواد وثمامة وأمثالهما، فكرهت أن يدخل مثله بحضرتهم.
فلمّا دخل سلّم، فأجابه المأمون، ودعا له سليمان بالعزّ والتوفيق.
فقال ابن أبي داوود: يا أمير المؤمنين نسأل الشّيخ عن مسألة؟
فنظر إليه المأمون نظرة تخيير له.
فقال سليمان: يا أمير المؤمنين، حدّثنا حمّاد بن زيد قال: قال رجل لابن شبرمة: أسألك؟
قال ابن شبرمة: إن كانت مسألتك لا تضحك الجلوس، ولا تزري بالمسئول، فسل.
وحدّثنا وهيب بن خالد قال: قال إياس بن معاوية: من المسائل ما لا ينبغي للسائل أن يسأل عنها، ولا للمجيب أن يجيب فيها.
فإن كانت مسألته من غير هذا، فليسأل.
وإن كانت من هذا، فليمسك.
قال يحيى بن أكثم: فهابوه، فما نظر أحد منهم إليه حتّى قام.
وولاّه قضاء مكّة، فخرج إليها.
وسألني الأخ الكريم أحمد حمزة الخزاعي من مكّة المكرّمة - صانها الله عن كلّ سوء - أن من قال هذا المعنى الجميل:

حاسب زمانك في حال تصرّفه

تجده أعطاك أضعاف الذي سلبا

قلت للأخ أحمد الخزاعي: هذا المعنى الجميل الذي ذكرته هو لأبي الفضل البهاء زهير ابن محمّد بن عليّ بن يحيى العتكيّ الملقّب بهاء الدّين الكاتب.
وهو من فضلاء عصره، وأحسنهم نظماً ونثراً وخطّاً، ومن أكبرهم مروءة.
وكانت ولادته بمكّة المكرّمة سنة إحدى وثمانين وخمس مئة، ووفاته بالقاهرة سنة ستّ وخمسين وستّ مئة بمرض عظيم لم يكد أحد يسلم منه.
وبيته المسئول عنه ضمن أبيات هذا ترتيبها:

اتعتب الدّهر في خطب رماك به

إن استردّ فقدماً طالما وهبا

حاسب زمانك في حال تصرّفه

تجده أعطاك أضعاف الذي سلبا

والله قد جعل الأيّام دائرة

فلا ترى راحة تبقى ولا تعبا

ورأس مالك وهي الروح قد سلمت

لا تأسفنّ لشيء بعدها ذهبا

ما كنت أوّل مفدوح بحادثة

كذا مضى الدّهر لا بدعا ولا عجبا

وربّ مال نما من مرزئة

أما ترى الشّمع بعد القّط ملتهبا

وسألني الأخ العزيز نجيب الموسويّ من لبنان –صرفه الله عن كلّ سوء - ان أعرّفه قائل هذا البيت البديع:

تجهّم العيد وانهلّت بوادره

وكنت أعهد منه البشر والّضحكا

قلت: هذا البيت أحد بيتين قالهما أبو علي الحسن بن رشيق القيروانيّ أحد البلغاء الكبار وهو صاحب التصانيف المليحة الفائقة، كالعمدة في معرفة صناعة الشّعر ونقده وعيوبه.
وقد ولد بالمسيلة بالجزائر لمملوك روميّ من موالي الأزد سنة تسعين وثلاث مئة، وتوفّي سنة ثلاث وستين وأربع مئة.
وبيتاه المعينيان قالهما عندما غاب المعزّ بن باديس عن حضرته في عيد ماطر:

تجهّم العيد وانهلّت بوادره

وكنت أعهد منه البشر والضّحكا

كأنّه جاء يطوي الأرض من بعد

شوقاً إليكم فلمّا لم يجدك بكى

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة