البث المباشر

احلى الكلام -۱٤

السبت 19 يناير 2019 - 10:58 بتوقيت طهران

الحلقة 14

كتب إليّ الأخ إبراهيم الحلّي من مدريد يقول: لقد مرّ بي دعاء لأحد أئمّتنا المعصومين (عليهم السّلام) في فضل أبينا آدم (عليه السّلام) وشذّ عن بالي ذاك الدّعاء ويسعدني أن أسمعه ثانية، وأعرف لمن من الهداه إلى الله هو.
قلت للأخ الحبيب إبراهيم الحلّي ولكلّ من يعنيه أن يكون برّاً بأبينا الأوّل كلّنا آدم (عليه السّلام): ما سأل عنه الأخ الحلّيّ هو دعاء سيّدنا زين العابدين (عليه السّلام) في الصلاة على أبينا آدم صفوة الله (عليه السّلام) ونصّه: اللهمّ وآدم بديع فطرتك، وأوّل معترف من الّطين بربوبيّتك، وبدو حجّتك على عبادك وبريّتك، والدّليل على الاستجاره بعفوك من عقابك، والنّاهج سبل توبتك، والموسّل بين الخلق وبين معرفتك، والذي لقّنته ما رضيت به عنه بمنّك عليه ورحمتك، والمنيب الذي لم يصرّ على معصيتك، وسابق المتذلّلين بحلق رأسه في حرمك، والمتوسّل بعد المعصية بالّطاعة إلى عفوك، وأبو الأنبياء الذين أوذوا في جنبك، وأكثر سكّان الأرض سعياً في طاعتك.
فصلّ عليه أنت يا رحمن وملائكتك وسكّان سمواتك وأرضك، كما عظّم حرماتك ودلّنا على سبيل مرضاتك يا أرحم الرّاحمين.
وهتف إليّ الأخ عبد السّميع الحمويّ من الإسكندريّة بمصر أن لمن هذا القول:

ما لي سوى روحي وباذل نفسه

في حبّ من يهواه ليس بمسرف

فلئن رضيت بها فقد أسعفتني

يا خيبة المسعى إذا لم تسعف

قلت للأخ الكريم الحمويّ: هذان البيتان البديعان من اللواعج الصّوفيّة الرائعة للإمام العارف بالله الشيخ أبي حفصٍ عمر بن أبي الحسن عليّ بن المرشد بن عليّ الحمويّ الأصل مثلك المصريّ المولد مثلك والوفاة وعمرك سعيد ومديد وهو المعروف بابن الفارض. له ديوان شعر لطيف جدّا.
ولد أخريات سنة ستّ وسبعين وستّ مئة، وتوفّي أواسط سنة أثنتين وثلاثين وستّ مئة وكان صالحاً محمود السّيرة جاور بمكّة - زادها الله تعالى - وقيل: إنّه ترنّم يوماً وهو في خلوة ببيت الحريريّ صاحب المقامات، وهو:

من ذا الذي ما ساء قط

ومن له الحسنى فقط

فسمع قائلاً يقول وهو لا يراه:

محمّد الهادي الذي عليه جبريل هبط

وها نحن الآن نعود للبيتين الذين سأل عنهما الأخ عبد السميع الحمويّ، فهما من قصيدة تتألّف من واحد وخمسين بيتاً، وها هما ذان مع ما قبلهما وشيء ممّا بعدهما:

قلبي يحدّثني بأنّك متلفي

روحي فداك عرفت أم لم تعرف

لم أقض حقّ هواك إن كنت الذي

لم أقض فيه أسىً ومثلي من يفي

مالي سوى روحي وباذل نفسه

في حبّ من يهواه ليس بمسرف

فلئن رضيت بها فقد أسعفتني

يا خيبة المسعى إذا لم تسعف

يا مانعي طيب المنام ومانحي

ثوب الّسقام به ووجدي المتلف

عطفاً على رمقي وما أبقيت لي

من جسمي المضنى وقلبي المدنف

وسألني الأخ عبد الرّحيم الأهدل من اليمن السّعيد أن لمن هذا المعنى؟

سعى إليك بي الوارثي فلم ترني

أهلاً لتكذيب ما ألقى ما الخبر

ولو سعى بك عندي في ألذّكرىً

طيف الخيال لبعث النّوم بالسّهر

قلت: هذان البيتان لوليّ الدولة أبي محمدّ أحمد بن عليّ المعروف بابن خيران الكاتب الشاعر.
وابن خيران هذا كان متولّي كتب السّجلّات عن الظاهر بن الحاكم صاحب مصر، وكان شاباً حسن الوجه، توفيّ سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة.
وله ديوان شعر صغير الحجم، ومنه هذان البيتان، وهما مشهوران.
وقال ابن خلّكان: ويقرب من هذا المعنى قول أبي عبدالله الحسين بن القمّ اليمنيّ الشاعر المشهور من جملة أبيات، وهو قوله:

أنبئت أنّك قد أتتك قوارض

عنّي ثنتك على الضّمير الواجد

عملت رقى الواشين فيك وإنّها

عندي لتضرب في حديد بارد

والأصل في هذا كلّه - والقول لابن خلّكان- قول عبد الله بن الدّمينة الخثتميّ الشاعر المشهور المعروف بنائحة العرب من قصيدة بائّية مشهورة له، وقوله المقصود

وكوني على الواشين لدّاء شغبة

كما أنا للواشي ألدّ شغوب

واللدّاء في بيت ابن الدّمينة الأخير هي مؤنّث الألدّ، وهو الخصم الجدل الشحيح الذي لا يزيغ إلى الحقّ.
وشغبة وشغوب لم يردا في معجمات اللغة، وهما المخاصمان المعاندان المتحدّيان.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة