البث المباشر

ذكرى انتصار الثورة الاسلامية.. قيادة أبية وشعب مناضل

الخميس 3 فبراير 2022 - 12:06 بتوقيت طهران
ذكرى انتصار الثورة الاسلامية.. قيادة أبية وشعب مناضل

انتصار الثورة الاسلامية في ايران في عام 1979 لم يكن وليد الساعة بل جاء تتويجاً لسنين عديدة من النضال والتضحيات والعمل الدؤوب للإطاحة بعرش الشاه البهلوي الذي حكم البلاد هو ووالده الدكتاتور قرابة خمسة عقود بدعم بريطاني أميركي وصهيوني.

الثورة الإسلامية التي نشهد في هذه الأيام الذكرى الـ 43 لانتصارها هي حركة جماهيرية قادها أحد رجال الدين العظماء وبتسديد إلهي على قاعدة (( وما النصر الا من عند الله)) لقلب المعادلات السائدة في العالم آنذاك والتي كانت تحكمها الحسابات المادية ومنطق القوة والمال وما كان أحد يعير أهمية لقوة الجماهير التي أصبحت لا حول ولا قوة لها بين قطبين عالميين هما الشيوعية المادية البحتة والرأسمالية المتوحشة التي لا تؤمن حتى بشعاراتها الطنانة نفسها.

تحت وطأة حكم رضا شاه (والد الشاه المخلوع) كانت ايران تعاني من بلاء عظيم تمثل برغبة حاكم البلاد بمحو أي صلة تربط الشعب الإيراني بماضيه الاسلامي العريق وصبغ البلاد بلون غربي مع كل ما يرافق ذلك من فساد وفسق مثل قانون نزع حجاب النساء بالقوة وسفك دماء النساء المحجبات في الشوارع والترويج للثقافة الغربية ومحاربة القيم والأفكار الاسلامية والتراثية الأصيلة، وانتقلت ايران من الحضن البريطاني الى الحضن الاميركي بعد الحرب العالمية الثانية عندما تم الاطاحة بـ رضا شاه والاتيان بابنه محمد رضا شاه المغرم بكل ما هو غربي والحاقد على كل ما هو شرقي واسلامي وأصيل، فمحاباة أميركا واسرائيل ومعاداة العرب والمسلمين لم تعرف حدودا في ايران ابان حكم الشاه المخلوع ويمكن الاشارة الى تقديم العون لاميركا واسرائيل أثناء الحروب العربية الاسرائيلية مثل عام 67 وعام 73 والترويج للاباحية في الاذاعة والتلفزيون وترويج الدعاية بأن أعداء الايرانيين الفرس هم العرب المسلمون وليس اسرائيل الصهيونية.

وعندما قررت الدول العربية قطع امدادات النفط احتجاجا على الدعم الاميركي الغربي لاسرائيل في الحروب العربية الاسرائيلية رفع شاه ايران المخلوع سقف انتاج النفط باضعاف للتعويض عن النفط العربي. هذا الارتماء في الحضن الصهيوني الاميركي لم يسكت عليه علماء الدين في ايران ومنهم سماحة آية الله العظمى الامام الخميني الراحل الذي وقف بوجه النظام الدكتاتوري وقال في احدى خطبه بأن النظام الحاكم طلب منه عدم التعرض في خطاباته لشاه ايران وعدم التعرض لاسرائيل وعدم القول بأن الاسلام في خطر، وتساءل "هل ان والدي الشاه هما اسرائيليان ليطلب مني عدم التعرض لاسرائيل؟" وحينما أراد شاه ايران تمرير قانون حصانة الجنود الاميركيين المتواجدين على الاراضي الايرانية في عام 1963خطب الامام الخميني خطبته الشهيرة الرافضة لتمرير هذا القانون وبعدها تم اعتقاله وعلى الأثر انتفضت بعض المدن والمناطق الايرانية التي هبت احتجاجا على اعتقال الامام الخميني وكان رد النظام الرصاص الحي حيث قتل وجرح الآلاف واعتبر الآلاف في عداد المفقودين، وارتكب نظام الشاه مجزرعة مروعة في الحوزة العلمية في مدينة قم بحق الطلاب الدينيين المنتفضين وتم نفي الامام الخميني الراحل الى تركيا لمدة 6 أشهر ومن ثم الى العراق.

وخلال 15 عاماً من وجود الإمام الخميني في العراق ظن الشاه المخلوع بأن جميع العوائق قد أزيلت وهو طليق اليد لسوق البلاد نحو ما يحلو له، فكانت سياسة الحكومة الايرانية الاعتماد على الخارج في كل شيء مثل استيراد المحاصيل الزراعية بدلا عن تشجيع الزراعة في الداخل واستيراد المنتجات الصناعية بدلا عن تشجيع الصناعة الداخلية ما ادى الى تدمير الحياة الريفية واشتداد الهجرة من الارياف نحو المدن بحثا عن فرص العمل مع ما يجلب ذلك من بؤس ومشاكل اجتماعية جمة بينما كانت الطبقة الحاكمة تعيش حياة برجوازية تفوق مثيلاتها الأميركية والاوروبية.

أما القوات المسلحة الايرانية فتم دعمها أميركيا لتكون خصما للاتحاد السوفيتي وسندا لاسرائيل وعصا يلوح به فوق رؤوس الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي وسمي الشاه بـ "شرطي الخليج" . والثقافة فتم السعي لمحو كل ما هو اسلامي فيه وتم تغيير مبدأ التاريخ الايراني من الهجري الى الملكي وكانت المناهج الدراسية أيضا يتم افراغها من كل ما هو اسلامي وأصيل وملئها بالمفاهيم الغربية الغريبة عن أصالة وعراقة الشعب الايراني المسلم لبناء أجيال تعاني من الضياع الثقافي، وكانت الاذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات تتبع السياسة ذاتها.

لكن الامام الخميني الراحل واصل النضال من منفاه في النجف الاشرف، وكان له انصار يعملون في السر لارسال خطبه وكلماته ونداءاته وأشرطة الكاسيت الى الشعب الايراني وكان معظم هؤلاء هم من رجال الدين المناضلين الذين اعتقل العديد منهم واستشهدوا تحت تعذيب أجهزة الامن الايرانية التي تم تدريبها أميركيا وعلى يد الموساد الاسرائيلي لقمع أي تحرك احتجاجي بالقبضة الحديدة حيث كانت الأجواء البوليسية هي السائدة في البلاد لأعوام مديدة.

وفي عام 1977 اغتال جهاز الأمن الايراني "السافاك" نجل الامام الخميني السيد مصطفى الخميني في النجف الأشرف، وكان السيد الشهيد يعد اليد اليمنى لوالده الراحل وعمت أجواء الحزن أوساط الشعب الإيراني في الداخل وأقيمت مراسم الفاتحة والعزاء بهذه المناسبة في المدن الايرانية وخاصة في مدينة قم المقدسة لكن جلاوزة نظام الشاه هاجموا هذه المجالس واستشهد عدد من المشاركين فيها، ولم تنجح آلة القمع في اخماد نار الثورة حيث انتفض أهالي قم مجددا بعد انتشار مقال بذيء في احدى الصحف يهاجم الإمام الخميني الراحل وهاجمهم جلاوزة النظام وتم سفك دمائهم وبعد مرور أربعين يوماً على استشهاد أهالي قم انتفضت مدينة تبريز ومرة اخرى اريق دم الثوار في شوارع تبريز وبعد اربعين يوما انتفضت مدينة يزد وقدمت الشهداء ومن ثم المدن الاخرى وبعد ذلك تسارعت الاحداث واشتد القمع والقتل والتعذيب والاعتقال لكن مساجد البلاد تحولت الى قواعد جماهيرية للإنطلاق وباتت جدران المدن مليئة بالشعارات المكتوبة ضد الشاه ونظامه وواصل رجال الدين المناضلون قيادة حركة الجماهير وحينما شعر الشاه بالخطر طلب من النظام العراقي السابق أبعاد الإمام الراحل من العراق وتم ترحيله الى الكويت التي امتنعت عن السماح له بدخول أراضيها فرحل الامام الى باريس قبل 6 أشهر من انتصار الثورة الإسلامية وكانت الاجواء في فرنسا مؤاتية أكثر لايصال الصوت الى الجماهير عبر وسائل الاعلام العالمية فلم يبق بيت في ايران الا ويسمع بخطابات وتوجيهات الامام الخميني الراحل واشتدت المظاهرات في شتى المدن والمناطق وفشلت قوات الامن في السيطرة على الامور حيث عمت الاضرابات الاحتجاجية مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد ولم تعد ايران جزيرة الاستقرار والهدوء كما سماها الرئيس الاميركي الزائر جيمي كارتر قبل عام من انتصار الثورة.

وشعر الشاه المخلوع بانه فقد زمام السيطرة فظهر على شاشة التلفزيون وقدم اعتذاره للشعب قائلا انه قد سمع صوت ثورة الشعب واعترف بما أسماه الاخطاء ظناً منه بأن هذا ينطلي على الشعب وانه سيهدأ لكن النضال اشتد وأخذ سيرا متسارعا وأقدم الشاه على تغيير رئيس الوزراء وحمله مسؤولية ما أسماه الاخطاء لكن السيطرة على الجماهير لم تعد ممكنة رغم استشهاد الآلاف منهم بسبب استخدام الرصاص الحي ضد المظاهرات الشعبية، وحينئذ قرر الشاه ترك البلاد متذرعا بوضعه الصحي المتردي في يوم 16 يناير 1979 وكان شاهبور بختيار رئيساً للوزراء حينئذ وقد أعلن الإمام الخميني الراحل عزمه على العودة الى ايران لكن بختيار اعلن معارضته لذلك وامر باغلاق المطارات فيما الشوارع في حالة غليان جماهيري لكن الامام الراحل اعلن عزمه على العودة رغم تهديد بختيار باسقاط أية طائرة تدخل أجواء البلاد.

وعلى اثر ذلك تراجع بختيار عن قراره مرغما وسمح بفتح المطارات وحطت طائرة الامام الخميني الراحل في مطار مهرآباد في طهران في الأول من فبراير عام 1979 وتوجه مباشرة الى مقبرة شهداء الثورة ليعلن من هناك عدم شرعية الحكومة التي عينها الشاه قائلا انه سيعين حكومة جديدة بدعم من الشعب. وشهدت الأيام العشرة التي تلت هذا التاريخ أحداثا متسارعة حيث تحولت المدن والمناطق الى ساحة حرب بين الشعب وبقايا أجهزة الأمن وقيادات في الجيش موالية للشاه بعد ان اعلنت القوات الجوية موالاتها للامام الخميني والثورة الشعبية.

وهاجمت قوات النخبة في الجيش ثكنات للقوات الجوية في طهران واحتدمت الاشتباكات وسارع المواطنون الى مساعدة ضباط القوات الجوية وتحولت شوارع طهران الى ساحة حرب حقيقية وبعدما أدركت القيادات الموالية للشاه في الجيش عجزها عن السيطرة على الأمور أعلنت فرض نظام حظر التجوال في طهران لكن الامام الراحل طلب من الشعب عدم الالتزام بحظر التجوال والبقاء في الشوارع لكي لايستفيد الموالون للشاه تدبير انقلاب عسكري على الثورة وحينما أدركت القيادات الموالية للشاه في الجيش انها عاجزة عن تنفيذ خطتها اعلنت قيادة الجيش حيادية الجيش والقوات المسلحة ازاء الاحداث الجارية في البلاد.

وحينئذ زحفت الجماهير المتواجدة في الشوارع نحو المقرات الحكومية ومبنى الاذاعة والتلفزيون فسقطت واحدة تلو الأخرى بيد الجماهير الثائرة وانتصرت الثورة في يوم الحادي عشر من فبراير عام 1979 واعلن الامام الخميني الراحل قيام نظام اسلامي في البلاد.

وقد بزغ في هذا التاريخ فجر ثورة عظيمة أصبحت محل آمال الشعوب المستضعفة رغم كل عداء ومؤامرات متغطرسي العالم وسارقي احلام وتطلعات الشعوب نحو الحرية وممارسة السيادة الوطنية.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة