ولد ميرزا محمد تقي خان فراهاني المعروف بـ" أميركبير" في قرية هزاوة قرب مدينة أراك عام 1807م، لأسرة صغيرة تنتمي إلى الطبقة الدنيا من المجتمع، كان أبوه محمد قربان فراهاني يعمل في مهنة الطهي لدى أحد وزراء حكومة الشاه فتح علي القاجاري، وكان ذلك سبباً في اقتراب الابن منذ الصغر من الأسرة الحاكمة في البلاد.
اتسم أميركبير منذ صغره بالذكاء والفطنة، وهو ما لفت انتباه رجالات الدولة المقربين من ولي العهد عباس ميرزا ابن فتح علي شاه، وارتبط أميركبير بأسرة القاجار وولي عهده عباس ميرزا وبات محل ثقة العائلة المالكة من خلال الوزير عيسى فراهاني.
مثل مقتل السفير والوزير الروسي المفوض في إيران ألكسندر غريبايدوف عام 1829 أول تجربة سياسية لأميركبير، حيث رافق ابن ولي العهد إلى روسيا لتقديم التعازي وطلب الاعتذار، والتأكيد على متانة العلاقات وأهميتها، وكان عمر أميركبير آنذاك لا يتجاوز 22 عاما.
بعد هذه الحادثة استمر في إثبات جدارته، وعين في نهاية عهد فتح علي شاه مساعدا لحاكم ولاية أذربيجان محمد خان زنكنه، ولم يمض وقت طويل حتى تقلد أمير منصب “وزير النظام" في أذربيجان عام 1832م، ونال لقب أمير نظام، أي الحاكم، وأصبح أمير أكبير إثر ذلك مقرباً أكثر فأكثر من العائلة المالكة، وبات من رجالات ولي العهد الجديد ناصر الدين شاه القاجاري الذي لعب دوراً هاما في الحياة السياسية لإيران.
مثلت معاهدة ارضروم أول إنجاز لأميركبير، حيث كلف بالتوجه إلى الأراضي العثمانية وتحديدا إلى مدينة أرضروم لحل النزاعات الحدودية، وخلال زيارات متتالية لمناقشة قضايا الحدود استطاع أميركبير أن يتوصل مع ممثلين عن الدولة العثمانية والدولتين الروسية والبريطانية إلى معاهدة أرضروم الأولى في يوليو 1823، والتي تلت انتصار القاجاريين على العثمانيين في معركة أرضروم من ذات العام، ونصت المعاهدة على أن تكون مدينة خرمشهر وميناءها وجزيرة خضر والمرسى والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية من شط العرب تابعة للحكومة القاجارية بعد أن كانت تتنازعها مع الدولة العثمانية، وأصبحت المعاهدة بمثابة إنجاز عزز مكانته السياسية.
دوره في تنصيب الملك القاجاري
كان محمد شاه القاجاري قد عين ابنه الأصغر ناصر الدين ولياً للعهد وهو ما يزال في سن الخامسة، وأثار هذا القرار حنق عدد من الأمراء وأفراد الأسرة المالكة، لذا كان كثيرون يخططون لعدم السماح له بتولي أمور العرش بعد وفاة والده محمد شاه.
حين توفي محمد شاه القاجاري، كان ولي عهده ناصر الدين شاه في تبريز برفقة مساعده ووزيره المقرب أميركبير، وبادر هذا الأخير بصفته المدبر لشؤون ولي العهد بترتيب طريقة الانتقال إلى طهران لأداء مراسم التنصيب، ونسق مع الملكة “مهد عليا" زوجة محمد شاه و أم ناصر الدين التي كانت في طهران، واقترض مبلغا من المال من أحد تجار تبريز للقيام بهذه المهمة، وسعى جاهداً لنقل ولي العهد إلى طهران بما يتناسب والحفاظ على هيبة الملك.
تعيينه رئيسا للوزراء
ما إن وصل الشاه الجديد البالغ من العمر16 عاما إلى العرش، وثبت نفسه في منصبه، حتى عين مستشاره المخلص أميركبير رئيساً للوزراء، وأصدر منشورا جاء فيه " لقد سلمناكم أمور إيران كافة، وسنعتبركم مسؤولين عن كل شيء، عيناكم اليوم الشخص الأول في إيران وكلنا ثقة في عدلكم وحسن سلوككم مع الشعب، لا نثق بأحد كما نثق بكم ولهذا قمنا بتعينكم في هذا المنصب".
وأصبح أميركبير الرجل الثاني في البلاد بعد الشاه، ونال صلاحيات واسعة كان يحلم بها لتحقيق أهدافه وأفكاره، وبعد عام من وصوله إلى رئاسة الوزراء تزوج بأخت الشاه الجديد “عزت الدولة"، وبات أكثر نفوذا في الدولة.
ظل في منصبه لثلاث سنوات وثلاثة أشهر، قاد خلالها حملة من الإصلاحات في كافة القطاعات الحيوية في البلاد كالجيش والتعليم والحكم والدين، بالإضافة إلى الاقتصاد والسياسة وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي.
الإصلاحات الكبرى وبداية الصدام
قام أميركبير في أولى خطواته الإصلاحية بعزل عدد كبير من حكام الولايات، وعمل على تقليص نفوذ الأجانب في الشؤون الداخلية الإيرانية، ولكي يحد من نفوذ البريطانيين والروس توجه نحو أطراف دولية أخرى كالنمسا والولايات المتحدة.
يقول السفير البريطاني لدى طهران في رسالة وجهها إلى وزير خارجية بلاده آنذاك “توجهات أميركبير ضد الروس، لكن ذلك لا يعني أنه من المؤيدين لنا، هدفه الرئيسي تقليص نفوذ الروس والبريطانيين في إيران والعمل على تنفير الناس منا ومن الروس معا".
قام كذلك بإجراء إصلاحات واسعة في الشؤون الدينية من خلال اتخاذه عدداً من القرارات أبرزها إلغاء التطبير المنتشر في مراسم العزاء، وحل وزارة “دار الشرع" التي كانت تمارس نوعاً من الاضطهاد على غير المسلمين، وأعطى الأقليات الدينية مزيدا من الحقوق والامتيازات.
عسكريا، أنشأ أميركبير صندوقاً لتأمين رواتب العسكريين لكي يصبح العمل العسكري مهنة مستقلة، ثم سن قانونا للتجنيد وحدد الرتب والدرجات العسكرية وأصدر هذه القوانين كتبياً تحت عنوان " النظام الناصري" نسبة إلى ناصر الدين شاه، كما عمل على إنشاء مؤسسات ومراكز لصناعة الأسلحة ووحد ملابس العسكريين.
أما في الجانب الاقتصادي، فكان أميركبير يؤمن بفكرة الانفتاح على العالم الخارجي بالتزامن مع تنمية القطاعات الداخلية للاقتصاد، فعمل على بناء وتوسيع أسواق طهران وتبريز، واهتم بتحديث شبكة الطرق، وفرض ضرائب على الواردات، ما جعل تجار الداخل يصدرون البضائع أكثر من استيرادها، الأمر الذي ساهم في زيادة نسبة الصادرات على الواردات في عهده.
في المجال الثقافي، أسس عام 1851 “دار الفنون" وهي مؤسسة تعليمية تعد بمثابة أول جامعة إيرانية بالمفهوم الحديث، وكانت تدرس العلوم الجديدة وتستقطب عددا كبيرا من العلماء الغربيين، لاسيما من النمسا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، وأدت هذه المؤسسة دورا فاعلا في تثقيف شرائح من المجتمع الإيراني وعلى رأسهم عدد من الأمراء وأفراد الأسرة القاجارية، كما قام أميركبير بإطلاق ثاني صحيفة باللغة الفارسية في العصر الحديث بعد صحيفة " كاغذ أخبار"، فصدر العدد الأول من “وقائع اتفاقية" عام 1951 وكانت تغطي الأخبار الداخلية المتعلقة بالبلاط وقرارات العزل والتعيين، واهتمت بالأحداث المحلية في مدن ومحافظات إيران، وتطرقت في بعض صفحاتها إلى القضايا الخارجية.
اتساع دائرة الخصوم ينتهي بمقتله
أثارت التغييرات التي أحدثها أميركبير في إيران حسد الأمراء ورجالات الدولة ممن كانوا يرون في تزايد نفوذه خطرا يهدد مصالحهم، وقد شرع هؤلاء منذ بداية تعيينه بالعمل على إفشال مشاريعه وكل ما يقوم به واجتهدوا في الإيقاع به عند الشاه وتلفيق التهم.
في نهاية المطاف حققت المكائد غايتها ونشب خلاف بينه وبين أم الشاه “مهد عليا" ذات النفوذ السياسي الواسع، وسرعان ما تحول هذا النزاع إلى نوع من التربص والحذر في التعامل الذي انتقل بدوره إلى الشاه نفسه فأمر بعزله من منصبه 1852م.
بعد ذلك، استمر خصومه بالترويج المضاد له ولفقوا تهمة التواطؤ مع البريطانيين والروس مدعين إنه كان ينوي اللجوء إلى إحدى هاتين الدولتين، فأوغروا صدر الشاه عليه.
ويذكر المؤرخون أن البريطانيين أنفسهم كانوا يسعون للترويج لهذه الفكرة كذلك، للتخلص من الوزير القوي الذي كانوا يرون فيه خطرا يهدد نفوذهم في إيران، وبالفعل انتهت كل هذه المؤامرات بإصدار الشاه قرارا بقتله، ونفذ بعد بضعة أيام من قرار عزله.
وعندما سئل عن كيفية تطهير البلاد من السرقة خلال فترة حكومته القصيرة نسبيا أجاب بها الوزير “أميركبير"،: “لم أسرقْ ولم أسمح لوزرائي بالسرقة، وبعد أن أدرك هؤلاء أنني لن أتهاون في معاقبتهم إذا ما سرقوا، امتنعوا عن السرقة ومنعوا من هم دونهم من ارتكابها، و هكذا عمت تلك الحالة في عموم البلاد، لو سرقت أنا لوجدتَ الجميع يسرقون، ولأصبح البلد ساحةً للسرقة والاحتيال، وعندئذ لن تجد من يدين عمل السارقين وسترى الناس حائرين لا يدرون ما يفعلون".
دفن أميركبير في مقبرة “بشت مشهد" في كاشان، وبعد فترة وجيزة تم نقل جثمانه إلى كربلاء برغبة من زوجته عزت الدولة، شقيقة ناصر الدين شاه القاجاري.