البث المباشر

"الخوارزمي".. العقل المدبر للتفكير الرياضي وعلوم الحاسوب

الإثنين 14 يوليو 2025 - 15:44 بتوقيت طهران
"الخوارزمي".. العقل المدبر للتفكير الرياضي وعلوم الحاسوب

إن "الخوارزمية"، التي تُعتبر اليوم العمود الفقري لتكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسوب، إرثًا لعالم إيراني عاش قبل أكثر من ألف عام.

هل فكرت يومًا أنه وراء كل بحث على غوغل، وتصفح للإنترنت، وآلاف البرامج والأنشطة المرتبطة بحياتك الرقمية، يكمن اسم عالم إيراني مسلم عاش قبل 1250 عامًا؟.

نعم، لقد قرأت ذلك بشكل صحيح. كلمة "الخوارزمية"، التي تُعتبر اليوم أساس علوم الحاسوب، مُشتقة في اللغة الإنجليزية والعديد من اللغات الأخرى من اسم أبي جعفر محمد بن موسى الخوارزمي، عالم الرياضيات، الفلك والجغرافيا الإيراني البارز.

"الخوارزمية" هي مجموعة تعليمات دقيقة ومتسلسلة مصممة لحل مشكلة أو أداء مهمة. على عكس البشر، لا تستطيع أجهزة الكمبيوتر سوى تنفيذ تعليمات واضحة، وليس الحدس أو فهم المفاهيم المجردة. ويُكتب كل برنامج حاسوبي في البداية كخوارزمية، وهي مجموعة من التعليمات المنهجية المتسلسلة، ثم تُترجم إلى شيفرة برمجية مفهومة للآلة. وتُشكل الخوارزميات أساس عمل الحواسيب والبرمجيات، وتلعب دورًا محوريًا في مجالات مثل معالجة البيانات، التشفير، التحسين، وتحليل البيانات الضخمة.

الخوارزمي، رائد التفكير الخوارزمي

كان هذا العالم الإيراني العظيم أول من صاغ بشكل منهجي أساليب لحل المسائل الرياضية بطريقة منهجية وخوارزمية، وأكد على انتظام حل المسائل؛ وهو موضوع بالغ الأهمية في مجال الخوارزميات.

لعب الخوارزمي دورًا محوريًا في نقل المعرفة التكنولوجية والرياضية من العالم الإسلامي إلى أوروبا من خلال تأليف كتب تُرجمت لاحقًا إلى اللاتينية. ومن أهم أعماله أطروحة في الأرقام الهندية، ترجمها مترجمون أوروبيون إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر. وكان عنوان هذه الترجمة "الخوارزمي في الأرقام الهندية". وفي هذا العنوان، كُتب اسم الخوارزمي باللاتينية "Algoritmi".

مع مرور الوقت، تحوّلت كلمة "Algoritmi" في اللغات الأوروبية إلى شكلها الحديث "algorithm". استُخدمت الكلمة في البداية للإشارة إلى طرق الحساب بالأرقام الهندية، ثم إلى أي عملية دقيقة ومتسلسلة لحل مسألة ما. وهكذا، استعارت الخوارزمية، التي تُعدّ اليوم حجر الأساس في علوم الحاسوب وهندسة البرمجيات، اسمها من "الخوارزمي".

ولكن هذا ليس مجرد تشابه لغوي. ففي أعماله الأخرى، وخاصةً كتابه الشهير "الجبر والمقابلة"، أسس الخوارزمي نهجًا يُمكن اعتباره شكلًا مبكرًا من التفكير الخوارزمي: الحل المنهجي للمسائل الرياضية بتعليمات خطوة بخطوة. وما يُعرف اليوم بالخوارزمية في علوم الحاسوب هو مجموعة من الخطوات المحددة لحل مسألة ما، وهو ما يتضح جليًا في أعمال الخوارزمي.

نصب تذكاري لإرث فريد
يؤكد العديد من مؤرخي العلوم، مثل "جورج جوزيف" في كتابه "تاج الطاووس" و"راشد راشد" في بحثه عن الرياضيات الإسلامية، أن الخوارزمي لم يُطلق على الخوارزمية اسمًا عالميًا فحسب، بل أسس أيضًا النهج الخوارزمي في التفكير الرياضي وعلوم الحاسوب.

مع أن الخوارزمي لم يُنتج أي أجهزة أو أدوات تكنولوجية، إلا أن ما كوّنه في ذهنه، أي المنهجية، التوجه نحو البيانات، وحل المسائل بشكل منظم، مهد الطريق للعديد من الأدوات والتقنيات التي ظهرت لاحقًا.

واليوم، في عالمٍ قائم على الخوارزميات، لا يُعد اسم "الخوارزمي" مجرد تذكير بعالمٍ عريق فحسب، بل هو أيضًا رمزٌ لدخول المنطق العلمي في قلب التكنولوجيا.

وفي اليوم الوطني لتكنولوجيا المعلومات، لا يُحافظ إحياء هذه الحقيقة التاريخية على مكانته العلمية فحسب، بل يُشير أيضًا إلى الارتباط العميق بين التفكير التكنولوجي والجذور الحضارية لنا نحن الإيرانيين.

إن العالم الذي تحكمه الخوارزميات اليوم يعود وجوده إلى عالم قام، بتطوير حلول دقيقة، ومنهجية وقابلة للتعميم لمشاكل معقدة منذ قرون في منطقة الخوارزم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة