المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليكم واهلاً بكم في رحاب الطارف والتليد لنقف اليوم على حقيقة الشعر اتفقتم انتم وزميلي السابق مع الاستاذ بشير الجزائري في ذلك الاسبوع وطبعاً بداية انا اعتذر لغيابي لمدة اسبوعين ففي الاسبوع الاول كان سقم وفي الثاني مصيبة حلت بنا.
الجزائري: معافي ومازلت معافي وعافاني الله جميعاً.
المحاور: ان شاء الله ومصيبة حلت بنا حيث فقدنا اخاً عزيزاً علينا.
الجزائري: رحمه الله.
المحاور: من المخرجين الاخ علاء وكان وقعه ثقيلاً على الجميع ولذلك انا اعتذر مرة اخرى ايها الاخوة والاخوات وعظم الله اجوركم واجورنا بمصابنا بأخ عزيز كان بيننا وقد غاب اليوم تحت الثرى اذن لا اعكر عليكم صفو هذه الجلسة وانا في خدمة استاذي العزيز واخي الكبير الاستاذ ابو محمد.
الجزائري: اكبر شأنك واعزك.
المحاور: اما الان اجدد تحياتي وتحيات الطارف والتليد وتمنيات حقيقة الشعر هدية شذية لحضراتكم واشرع الحديث بهذه الحقيقة الزاهية التي جلت عن رؤية الكثير برغم سطوعها الباهض وبهاءها الآسر واعتز ان نبدأ المسيرة في ركاب اخي العزيز واستاذي بشير الجزائري الذي احييه واتمنى له كمال البيان عما يرغب فيه من تجلية هذه الحقيقة، اهلاً وسهلاً بك استاذ بشير.
الجزائري: حياك الله وشكرنا الجزيل لحضرتك، لكلماتك الطيبة التي نحن دونها ولا نردها.
المحاور: شكراً جزيلاً سيدي الكريم انا في خدمتك فخذ بزمام الامور وناصيتها، ان شاء الله لنذهب الى حقيقة الشعر وتمتطي كما تريد.
كما وعدناكم الاسبوع الماضي لنقف على حقيقة الشعر وابدأ بالسؤال، اخي العزيز استاذ بشير كيف يمكن الاعتقاد بأن للشعر حقيقة وقد انتخب زميلي هذا العنوان حقيقة الشعر، يعني كيف يمكن ان نعتقد ان للشعر حقيقة وهو كما تعلم ويعلم الجميع هو خيال في خيال؟
الجزائري: رحم الله والديك وجعل خيالك ممتداً اكتداد هذه الافاق الواسعة، آفاق الرحمة الالهية الكريمة وانت ايضاً مستنير بنور رب العالمين سبحانه وتعالى.
المحاور: آمين يا رب العالمين.
الجزائري: الذي اراد لنا ان نكون اولي شعور ثاقب، اولي شعور ممتد في هذا الوجود يتلمس كل شيء ثم نطبع ذلك الذي قد ارتسم في جوانحنا، في اعماق قلوبنا، في تلك القلوب التي تستمع الينا او تلك القلوب التي تقرأ ما نكتب لحضراتها فسلام عليها، على قول القائلين معك في السياسة اقول دعني أليس الشعر حفظه الله بموجود كسائر الموجودات؟
المحاور: طبعاً.
الجزائري: أما لهذه الموجودات من حقائق؟
المحاور: نعم.
الجزائري: على هذا يمكن ان نعتقد ان للشعر حقيقة، مادام موجوداً فهو ذو حقيقة.
المحاور: اذن ذهبنا الى الفلسفة سيدي الكريم.
الجزائري: انا مازلت اتصور انني في ركاب الشعر وربما ظهر الكلام بمظهر فلسفي، اتمنى ان يكون المصدوح او الظاهر لأولئك الطيبين الذين يستمعون الينا شعرياً، ادبياً طيباً بعيداً عن الفلسفة التي اكرمها واحترمها ولااريد المرور بساحتها.
المحاور: طيب يعني استاذ بشير الجزائري اذن انت تقول مادامت هي مكتوبة ومادامت هي موجودة اذن فهي لها وجود حقيقي، طبعاً نحن نقرأ والكلمات هي ايضاً تترجم في خيال الشاعر اذن دعني ابدأ من الشاعر اولاً.
الجزائري: (سلام الله عليه).
المحاور: (سلام الله عليه)، سلام على جزء منهم طبعاً والباقون قال عنهم القرآن ما قال.
الجزائري: احسنت.
المحاور: ما تفضلت به استاذ بشير هو ينقلنا الى القول سيدي الكريم بداية كيف ترى الشاعر او من الشاعر او لنقل من الشاعر الحقيقي؟
الجزائري: ما الطف قولك تنزلاً درجة بعد درجة الى ان اوصلتنا الى ساحة ذلك الذي نحبه ونتمنى ان يكون هو صاحب الكلمة العليا بين الادباء، اعتقد ان الشاعر الحقيقي من يشعر بجوهر الاشياء، يامن يرسم اشكالها، يامن يذكر الوانها، ذاك الذي اذا سمعته انت بلغت كلمته شغاف قلبك واستقرت فيه ولم تغادره وكانت تزداد ضياءاً في ذلك القلب.
المحاور: يذكرني طلوع الفجر صخر.
الجزائري: الله اكبر.
عيون في الحياة وفي الممات
لحق انت احدى المعجزات
هذه الصورة من صور اولئك الطيبين، اولئك الحقيقيين، هي التي تبقى على البال، تبقى فوق هذا اللسان، يزداد بها سمواً ساعة نحفظ مثل هذا ونتحدث به نكون قد قدمنا للقلوب التي تستمع الينا والتي تقرأ ما نسطره لها اياً كانوا، تقدم لهم نوراً ولا تقدم لهم كلمات باردة كذلك القول:
لماذا تحركت الانجم كأنك مثلي لا تعلم!
وما هو كنه الاثير الذي فسيح الفضاء به مفعم
ويقال لحضرتك ان هذا شعر فلسفي وصاحبه لم يكن من الفلسفة بشيء، لا اقل في هذين البيتين، لماذا تحركت الانجم؟
سؤال استثاري، هو يستثير فكر المخاطب، احساسه ربما في نظره، كأنك مثلي لا تعلم! انا استهجن هذا العدوان على القارئ او على السامع ساعة يقول له كأنك مثلي لا تعلم فهو لا يكتفي بأنه لا يعلم انما يرى من يخاطبه مثله غير عالم ولا عليم.
المحاور: طيب استاذ بشير دعني اسألك سؤال ربما يتبادر الى ذهن الكثيرين، طبعاً المخرج عادة يومأ بأصبعيه ان اذهب الى فاصل، على كل حال انا اعتذر من لأنه من المعمول هو ان نذهب الى فاصل لكي لانثقل عليكم ولكن اسمعوني رجاءاً، سيدي الكريم انت تحدثت عن جوهر الاشياء لا اتطرق الى جوهر الاشياء، قبل ان اتطرق الى هذا الموضوع الذي ذكرته، اذا ما اثقل النوم جفن حمال واخذه السهاد يفكر في غد هل سيرتزق لأطفاله ام لا؟ هل تضعه في خانة الشعراء؟
الجزائري: والله ذلك ساعة يبسط هذا القول الذي بسطته انت الان فهو شاعر فأنا اشهد لك.
المحاور: نعم زميلتي يحفظها الله شيماء وهي ليست بيننا ايضاً لأنها تدرس من جانب وايضاً تعاني من وعكة في صوتها لمدة ونحن قلقون عليها الحقيقة، انا شخصياً قلق عليها هذه الاخت العزيزة الصغيرة بيننا والتي لم نحتفي بها لمدة اسابيع.
الجزائري: ما اكرمك اليوم.
المحاور: اعتقد اذا فقدت عزيزاً عليك وانا فقدت عزيزاً علي وانت تعلم.
الجزائري: رحمه الله ورحمنا جميعاً.
المحاور: على كل حال استاذي الكريم لنعود مرة اخرى اذن هو شاعر، انت اشرت في كلامك القيم سيدي الكريم الى جوهر الاشياء، ماذا تقصد بقولك يعني يشعر الشاعر الحقيقي بجوهر الاشياء؟
الجزائري: انت عشت تجربة من التجارب ولنقل هي هذه التجربة او انا عشتها، هذه التجربة اليسيرة جداً التي ذكرتها آنفاً يعني قبيل قليل قلت لو ان حمالاً قد كسر النعاس جفنيه وكان بين هذا النعاس، بين انياب هذا النعاس وبين انياب ذلك التعب الذي استبد به وبين بين وهو يفكر في رغيف الغد لأطفاله قد يبلغه وقد يبعد عنه، أتعد هذا شاعراً او لا؟ هذه التجربة ساعة ينقلها اي انسان كان وامثالها هي جوهر الاشياء، جوهر هذه المعاناة التي عاشها الانسان، الانسان الفقير او الانسان الغني ساعة يشعر ان الغنى يحاصره حصاراً شديداً لا يجعله يصل اخاه، لا يجعله يتفقد احبته الذين هم قريبون منه وبعيدون عنه لأنه مشغول بعد ما آتاه الله سبحانه وتعالى دون ان يخرج حقهم منه.
المحاور: طيب دعني انا اتعصب اكثر الى ذلك الحمال، ذلك الذي انا اعتبره هو سيداً من اسياد البشر لأنه يرتزق بحلال سيدي الكريم، انا اعتقد انه ليس هذا فقط.
الجزائري: اذا سمحت لي هو ذاك السيد فعلاً، الحقيقي الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قبل يده، اشرف الانبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وآله)، وجد يده، صافح الرسول فوجد يده شثناء او شثنة، شثنة يعني اخشوشنت فنزل عليها وقد فجأه وقبلها وقال له: لم فعلت ذلك يا رسول الله.
فقال: ان هذه ليد يحبها الله ورسوله فهي اكرم الايدي.
المحاور: الحمد لله، يعني لم تخطأني بالي يعني استاذي الكريم انا بودي ان اقول ان هذا الرجل الذي انت وصفته بهذا الوصف الجميل حقاً هو جوهر الاشياء لأنه هو اللبنة الاولى لفكر الشاعر وموضوع قصيدته، اذا كان شاعراً حقاً وليس شاعر ملوك، شاعر بلاط.
الجزائري: احسنت احسنت انا استعير منك لحظة واحدة واقول هذا الرجل الذي ذكرته انت الان وامثاله نظموا هذا الشعر او نظموا هذه المعاناة التي مررنا بتمثيلها، ضربنا لها مثالاً هذه المعاناة هي نفسها شعر نظمت او لم تنظم.
المحاور: ما اعظم شاعر العراق عندما يقول:
لقيتها ياليتني ما كنت القاها
الجزائري: كثير من هذا الجميل.
المحاور: طيب اذن دعنا لا نؤخر اخ عزيز علينا، الاخ حسين علي من السعودية، اخ علي نعتذر لأنك تأخرت فأهلاً وسهلاً بك وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حسين: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: وعليكم السلام اهلاً وسهلاً.
حسين: سؤالي هو لماذا عجز كثير من معلمي العروض ان يكونوا شعراء وكان كثير من الشعراء لاصلة لهم بالعلم والفلسفة؟
المحاور: شكراً جزيلاً اخ حسين، استاذ بشير دعني اوخرك، يجوز الاخ العزيز يعلم بالعروض وقد يجوز انت تعلم بالعروض اما جاهل مثلي وقد مثلت ما بين يديك.
الجزائري: واويلاه واويلاه.
المحاور: لربما لا اعلم ما هو العروض، نعم لقد علمونا في الابتدائية ان السؤال هو نصف الجواب وهنا نقطة يجب توضيح هذه النقطة لي ولبعض المستمعين الافاضل، بداية يقول لماذا عجز كثير من معلمي العروض هذا نصف السؤال اذن فما هو العروض اولاً؟
الجزائري: اكرمك الله يا سيدي انت دائماً تحب مستمعيك الكرام وتؤثرهم على نفسك وانا سعيد جداً ان اكون ملبياً لطلباتك الكريمة، اولاً: يا سيدي العروض هو مكان قريب من كة المكرمة كان الخليل بن احمد الفراهيدي رحمه الله قد نزل فيه وكان فيه بئر وكان الخليل يتردد على تلك البئر ولم اقل على ذلك البئر كما يقول اهل زماننا خطأً.
المحاور: هذه البئر وهذا البئر.
الجزائري: احسنت فالبئر مؤنثة، مؤنثة سماعية يقول العرب يعني ماهو ليس بمؤنث حقيقي ولكنه ورد في كلامهم مؤنثاً لفظياً سماعياً مثل الشمس، الشمس ايضاً ما احلى اسمها، ما احلى اسمها مؤنث سماعي، مؤنث لفظي على كل حال الخليل بن احمد الفراهيدي كان يأتي الى تلك البئر ويضع رأسه فيها، في حاشيتها، في حافتها فيهتف هو ويقول ابياتاً من الشعر ويستمع لنفسه.
المحاور: الى النغم.
الجزائري: احسنت الى الاصداء التي تتردد، افرض كان يقول قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل، افرض كان يقول نفس الكلام الذي مر بنا على لسانك، لقيتها وما كنت القاها وهكذا فيسمع صوته ماذا ينتج على اساس ذلك كان قد قطع ووصل الى خمسة عشر بحراً سمى كل واحد منها بحراً اي يزن عليه الشعر مثل البحر الطويل الذي هو فعول مفاعيل فعول مفاعيل ويتكرر في الشطر الثاني او مثلاً البسيط الذي هو قريب منه الذي هو مستفعل فاعل مستفعل فاعل وهكذا في الشطر الثاني او الذي يسميه العجز والاول يسميه الصدر وهكذا اذن هذه الكلمة كلمة المكان الذي كانت فيه البئر والذي كان الخليل رحمه الله العبد الصالح العظيم جداً الذي كان في زمن الامام الكاظم (عليه السلام)، في زمن الامام الصادق (عليه السلام) وكان عزيزاً عليهما مكرماً لديهما وكان قد اكتشف علوماً كثيرة منها هذا العلم الذي هو اوزان الشعر او بحوره فأتمنى ان اكون قد اجبت.
المحاور: وافيت والحمد لله.
الجزائري: ولكن بقي جواب السيد.
المحاور: طيب الان لنذهب اذن فهمنا ما هي العروض، لماذا عجز كثير من معلمي العروض ان يكونوا شعراء وكان كثير من الشعراء ايضاً لاصلة لهم بالعلم والفلسفة؟
الجزائري: رحم الله والديك، هذا لأن الامرين كل منهما مختلف عن الاخر فالعروض علم، معرفة اوزان الشعر علم والشعر ذاته شيء آخر هذا شيء وذاك شيء ولذلك كان الخليل رحمه الله الذي هو بنفسه اكتشف هذه الاوزان الشعرية وعلم الدنيا بأجمعها وانتقل هذا العلم من العرب الى غيرهم من الامم الاخرى، انتقل الى الفرس الذين لم يكن لهم هذا العروض او هذا الوزن او هذا البحر ومن الفرس انتقل الى الترك ومنهم الى امم اخرى، هو نفسه رحمه الله لم يكن يحسن نظم الشعر، لماذا؟ لأن طبائع الناس متفاوتة انساناً خلقه الله مطبوعاً على قول الشعر وانساناً خلقه الله سبحانه وتعالى مفحماً في قول الشعر، لا يستطيع ان يقول بيتاً من الشعر.
المحاور: يعني ليس كل من يعرف اصول الطب سيصبح طبيباً.
الجزائري: ابداً ابداً، ليس فقط الخليل بن احمد انما كان واحد الذي عند كثير من الناس ربما قيل انه اعظم حتى من الخليل بن احمد وهو ابو الفتح عثمان ابن جني وهو رجل رومي كان محباً لأهل البيت وهو استاذ السيدين الشريفين الرضيين على التغليب، الشريف الرضي والشريف المرتضى والمرتضى هو الاكبر والرضي هو الاصغر ولكن للخفة غلبوا الرضي على المرتضى بدلاً من ان يقولوا المرتضيين، قالوا الرضيين (سلام الله عليهما)، هذا ايضاً كان قد بلغ في معرفة الشعر واوزانه مبلغاً عظيماً قال فيه ابو الطيب المتنبي: ابن جني خير او اعلم بشعري مني، ابن جني اعلم بشعري مني، هو نفسه لم يكن قد نظم من الشعر الا ابياتاً قليلة لا تكاد تذكر لأنها كما يسمونها ابيات العلماء او اشعار العلماء يعني انها تأتي باردة لا تأتي ذات حرارة متوهجة جميلة اخاذة بمشاعر الناس واسماعهم.
المحاور: نعم سيدي الكريم طبعاً انت ذكرتني بشيء لا ادري اقول ام لا اقول ولكن دعني اقول.
الجزائري: انت السيد وانا بين يديك.
المحاور: دعني اقول ونذهب الى فاصل، يعني انت ذكرت المتنبي سيدي الكريم وللاسف الشديد انا سمعت ان المتنبي كان بأمكانه ان يكون شاعراً ولكنه وصف بالبخل وقالوا انه كان بخيلاً وهذا اضرني كثيراً عندما علمت بهذا الامر.
الجزائري: يعني لا اجيب.
المحاور: نحن بأنتظار ان نسمع الاستاذ بشير الجزائري يدافع مستميتاً عن المتنبي لأنني انتقدته.
نعود الى حقيقة الشعر ونجول في وادي الشعراء وعسى الله ان يكون لله وليس للشعراء وخيالهم ودعوني بداية ان افتح المجال لأستاذي العزيز والكريم الاستاذ بشير الجزائري، انت لربما تصدعت من قولي بأن المتنبي قرأت بأنه كان بخيلاً.
الجزائري: اسمعني جيداً ارجوك.
المحاور: لا تتعصب.
الجزائري: لا والله ليس من تعصب وانما من رغبة في قول حقيقة اتصورها قد يكون ايضاً تصوري لها في غير موضعه، انا لا اقطع لنفسي بالصواب انما اقول ما اعتقد.
المحاور: انا ذكرت لك المصدر خلال الفاصل.
الجزائري: انا لست معنياً بالمصدر، لست معنياً بالمصدر لماذا؟ لأن عندي دليلاً عظيماً يخالف هذا المذهب او هذا الرأي، كانوا يقولون عن رجل كريم جداً ألف كتاباً عظيماً جداً جداً وانا كررت التوكيد اللفظي هاهنا لأثبت ذلك، ألف كتاباً اسمه الجمهرة وهو محمد بن الحسن بن دريد الازدي وهو بصري عماني، جاء من عمان فسكن البصرة فكان عمانياً بصرياً وكان عالماً عظيماً جداً وكان شاعراً بليغاً جداً جداً لا يكاد يبلغه احد في زمانه وله مقصورة شرحها الناس الواناً حتى الاندلسيون في آخر الدنيا شرحوا هذه المقصورة لماذا؟ لجمالها، لفوقها على سائر الشعر، كانوا يقولون عنه انه ما فاق من سكر الا ليشرع في سكر فتقول لهم بالله عليكم اذا كان الرجل هذا شأنه، هم يقولون ايضاً كيف املى الجمهرة على الناس وهو غير مستفيق من سكره؟ وكيف قبلتم هذه الجمهرة الرائعة جداً وهو غير مستفيق من سكره؟ فما من دخيل وما من فاسق وما من سكير وما من كذا الا وهو من اولئك الذين كانوا يحبون اهل البيت (عليهم السلام) وانت تقول ان التاريخ قد كتبه انصار السلاطين والسلاطين في كل الازمنة والامكنة هم الذين يمتلكون حناجرهم.
المحاور: استاذ بشير اثبات الشيء لا ينفي ما عداه ولا يمكن ان نقيس حاشى لله منك والقياس ولكن لايمكن ان نقيس ونقارن بين السكر وبين البخل، البخل صفة حتى رسول الله لم يطلبه لأصحابه وكان بينهم من هو بخيل حتى ذهب وقال ما قال في حديث شريف، الرجل هناك من يقول انه كيف للمتنبي ان يكون بخيلاً وقد اجاد بنفسه عندما لحقه اللصوص وقالوا ألست القائل الليل والخيل فأجاد بنفسه، ان يجود الرجل لشرفه ولأسمه هذا يفرق عن ان يجود بماله وما تحمله يده فهذا المال لربما ذهب الكثير الى غياهبهم ولدينا بحث كامل حول هذا الموضوع، ان شاء الله في حلقة.
الجزائري: ان شاء الله.
المحاور: لدي الان اتصال من الاخ العزيز اعتقد الاخ السيد موسوي من العراق ربما يذكرني السيد احمد الموسوي هو معنا الان، سيد احمد سلام عليكم.
احمد: سلام عليكم.
المحاور: يا اهلاً وسهلاً.
احمد: كيف الحال؟
المحاور: العفو على التأخير.
احمد: في الحقيقة لدي سؤال من ضيف البرنامج، بما يمتاز الشعر المتجدد عن الشعر المقلد وشكراً جزيلاً لكم.
المحاور: اهلاً وسهلاً انا اشكرك الشكر الجزيل اذن بما يمتاز؟
الجزائري: قد قلنا ذلك في صدر الكلام في ساعة ابتداءك انت متكرماً مررنا بمثل هذا، اذا كان الشعر معنياً بنقل التجربة، بنقل شعورك، ما تشعر به تنقله للاخرين وتضعه في اعماق قلوبهم ذلك نقول عنه شعر مجدد اما الشعر المقلد فهو الذي يحدثك بأشياء لا تكاد تلتفت اليها، لا تكاد تعنى بها او لا تطيق حتى ان تسمعها وانت ماش من قبيل وصف مزرعة او من قبيل وصف نار تتأجج او وصف سيارة مسرعة او طيارة قد حطت فجأة وتحطمت مثلاً اجارنا الله امثال هذه الحوادث وجعلنا في امن وسلام منها.
المحاور: طيب يعني استاذ بشير دعني اعود مرة اخرى انت تحدثت عن جوهر الاشياء وتحدثت عن الشاعر الحقيقي الذي يتوجه الى جوهر الاشياء ونحن قطعنا الحديث وقطعنا عنه ما قطعنا.
الجزائري: احسنت.
المحاور: دعنا نعود بالمستمعين الكرام مرة اخرى الى ما تفضلت به، سيدي الكريم انت تحدثت عن جوهر الاشياء يعني مم جئت بهذا المقياس الحاد؟
الجزائري: والله انا لا اتصور نفسي انني اجيئ بمقاييس حادة انما هي حقيقة ملموسة للناس، انت الان ساعة تقرأ او ساعة تسمع شعراً من قبيل:
قيل لي انت اشعر الناس طراً
في بديع من الكلام بديهي
فعلام تركت مدح ابن موسى
والخصال التي تجمعن فيه
قلت اني لا استطيع مدح امام
كان جبريل خادماً لأبيه
ساعة تسمع مثل هذا القول وهو قول سيدنا ابي نواس، انا بالنسبة لي اقول هذا لا اعتقد انك تملك نفسك وتقول هذا لا يستحق ان يسمع بل نقول:
ياليت لي ماء ذهب فأكتب هذا
ياليتني اكتب هذا في اعماق قلبي
لا اكتبه في دفتري
لا اكتبه في مجلتي
المحاور: لخولة اطلال ببرقة في تمهد تلوح كباقي الوشم بظاهر اليد، اذن كالوشم.
الجزائري: سيدي الكريم اذن هذه هي الاشياء التي نستطيع ان نسميها الجواهر التي تهز كيان الانسان، التي تجتذب ذوق هذا الانسان وتثير فيه ان يفكر ويقول: ياليت لي هذا وكثير من ابرع الشعراء تمنوا، دواوين لهم تمنوا بيتاً واحداً من شعر غيرهم او بيتين من شعر غيرهم.
المحاور: طيب يعني استاذ بشير يعني استطيع تلخيص ما تقدم من كلام على حقيقة الشعر بأنها ترجع الى مصدر اعمق من الحواس فأذا رزق الانسان شعوراً حياً وقاداً تعود اليه المحسوسات عودة النفحات الى الطيب كان شعره مطبوعاً وذا حقيقة جوهرية كما تفضلت.
الجزائري: احسنت، اكرمك الله.
المحاور: وهي ما نبحث عنه ونتمنى سيادته في ادبنا.
اذن سوف نكون في مجال مع الاستاذ العزيز بشير الجزائري ان شاء الله فهو يوم بيوم سيدي الكريم.
الجزائري: زدنا من هذه الايام.
المحاور: على كل حال هناك اخ عزيز استاذ بشير من ارض الشعر والجمال وارض العروض وارض الادب وايضاً الرافدين.
الجزائري: (سلام الله عليه).
المحاور: الاخ عبد العباس من العراق، اخ عبد العباس سلام عليكم اهلاً بك.
عبد العباس: تحية طيبة لك وللاستاذ بشير ابو محمد حفظكم الله ورعاكم.
المحاور: اهلاً وسهلاً.
عبد العباس: الحقيقة انا هنا اسجل اعتراضي على المخرج الذي وصف به المتنبي رحمه الله وانا من ارض تضم في ثناياها هذا الشاعر العظيم، وصفتموه بالبخل حسب ما قال الاخ رائد.
الجزائري: لا هو كان قد نقل، السيد احمد هو كان قد نقل.
عبد العباس: نعم نقل نقل.
المحاور: يعني ناقل الكفر ليس بكافر اخ عبد العباس، اذاني صاغية تفضل اسمعك.
عبد العباس: انا اقول، كان المتنبي قد ملأ الدنيا عطاءاً كرماً في اطار افضل شعر عرفه التاريخ وحينما يسمع الانسان شعر المتنبي يجده تلميذاً لنهج البلاغة في اقواله وفي مصارحاته، انا فقط اقول حبذا السيد بشير يقرأ لنا ابياتاً من المتنبي التي قالوا له لم لا تصف الامام علي فقال: تركت مدح الوصي تعمداً ومن هنا جاءت الحملة على المتنبي ولو تسمح لي سيد بشير اقرأ لك وصفاً للمتنبي لفرسه يقول:
تسعدني في غمرة بعد غمرة
سبوح منها عليها شواهد
تثنى على قدر الطعان انما
مفاصلها تحت الرماح مراود
واشكركم جزيل الشكر وبارك الله فيكم وادامكم الله.
المحاور: انا ايضاً اشكرك اخ عبد العباس وكما قلت انا نقلت وايضاً اعطيت المصدر للاستاذ بشير الجزائري وايضاً ان شاء الله نتابعه ولكن دعني استاذ بشير.
الجزائري: من اي مدينة من العراق الاخ؟
المحاور: لا اعلم ربما انقطع الاتصال، لا اعلم الاخ عبد العباس من اي مدينة من العراق، انقطع الاتصال على كل حال انا اذكر هذا الموضوع سيدي الكريم وانت اعلم بذلك وكما قلت اثبات الشيء لا ينفي ماعداه والجود بالكلام هو ليس كالجود بما في الجيب وانا لا اخون هذا الرجل ان اقول انه ليس شاعراً، قيل له المتنبي فهذا يكفيه فخراً في قوله وفي كلامه.
الجزائري: لاحتى قيل لغيره في الاندلس، قيل له متنبي الاندلس يعني كما قيل للقاموس المحيط للفيروز آبادي كما يقول الايرانيون وللفَيروز آبادي كما يقول العرب، قيل لكل معجم يؤلف في اللغة العربية بعد القاموس قيل له قاموساً، ألفت قاموساً، اريد ان ألف قاموساً.
المحاور: يعني اذا قلنا في وقت من الاوقات استاذ بشير الجزائري ان الحطيئة قبيح الوجه فهل ننكر شعره؟
الجزائري: لا.
المحاور: وهل ذهبنا بعيداً عن قبحه؟
الجزائري: انا ربما استطيع ان اقول بمهارة ادبية اذا سمحت لي ان اقول انه لم يكن قبيح الوجه ولكن الناس كانوا يتحاشون لسانه الطويل عليهم فكانوا يقبحونه لفظاً لا حقيقة لها.
المحاور: عبد العباس ايضاً من الكوت سيدي الكريم هذا ما ابلغني به.
الجزائري: اذا كان من الكوت بودي ان اذكر لحضرته ايضاً سمة كريمة للمتنبي رحمه الله الذي دافعنا عنه ولسنا بمتفضلين عليه.
المحاور: هو يقول ان ضريح المتنبي في مدينة الكوت واعتقد انه قتل في مدينة الكوت ايضاً اخ عبد العباس؟
الجزائري: في اطرافها.
المحاور: على اي حال الكوت هي في اطرافها او في اكنافها سيدي الكريم وقتل فيها.
الجزائري: في ارباضها يعجبك؟ الارباض هي اطراف المدينة.
المحاور: يعني ذبح الرجل.
الجزائري: يعني كما تسمى المحمودية او الاسكندرية من بغداد فهي ارباض بغداد، طيب هذا الرجل الكريم جداً الذي وصف بالبخل ظلماً ولو لم تثر انت هذه الدعوى على الرجل في اثناء مسيرنا.
المحاور: استاذي الكريم انا قلت عشرة مرات انا حتى انني لم اكفر ولكن ناقل الكفر ليس بكافر وانت تعلم ذلك وهذه هي من اصول البحث وايضاً اشرت اليك الى الجاحظ، الى الحطيئة.
الجزائري: لنمر بالناصرية والكوت
المحاور: انا قلت لو ان عينا المتنبي لن تكن زرقاوتان هل هذا يهين شعره؟
الجزائري: لا.
المحاور: لو قلت لم يكن طويل القامة كان قصيراً دميماً وهذا كان وصفه سيدي الكريم، لو جاء احدنا وقال ان علي بن ابي طالب كان بطيئاً بطيناً ادعجاً ربعه فهل هذا ينقص من امير المؤمنين علي بن ابي طالب وهو الدر والذهب المصفا وباقي الناس كلهم تراب؟
الجزائري: هذا الذي تذكره هو الروح والذي مر سابقاً هو التراب يعني ما قيل في شأن المتنبي كان ممن لا يطيق المتنبي، ممن مازال حتى الان يحسد المتنبي الذي نظم مئة بيت جمعها المرحوم السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب وهو سيد من اهالي الناصرية الكريمة وآل الخطيب في الناصرية تعذرني والكوت ايضاً والحلة والديوانية.
المحاور: والله اهل الكوت.
الجزائري: مئة بيت اخذها من.
المحاور: حفظ الله اهل الكوت واهل العراق فهم اهلي وهم جلدتي وهم ظهري وانا امام هذا الاصرار وعدم الخنوع للوقائع ولربما الحقائق المنقولة انا اعتذر من الاستاذ بشير الجزائري وايضاً من اخي العزيز عبد العباس من العراق ومن الكوت بالضبط واستودعكم الله وسنبقى في حقيقة الشعر الاسبوع القادم لو كانت لنا في هذه الدنيا قسمة كما يقال.
الجزائري: ان شاء الله.
المحاور: في امان الله.
*******