البث المباشر

تواضعه

الخميس 15 نوفمبر 2018 - 20:01 بتوقيت طهران
تواضعه

خلق التواضع في معاملة الناس بقدر ما يكون عبادة اسلامية يندب الشرع الالهي اليها كذلك يعبر عن احدى صيغ التعامل الفاضل بين ابناء الامة فهو من وسائل توحيد الكلمة وجمع الشمل واشاعة المودة والغاء التفاوت الطبقي.

ولقد كان الامام علي عليه السلام مثلا اعلى في تواضعه كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله من قبل.
وسيرته العطرة تطرح المزيد من الشواهد على ذلك الخلق الاسلامي الرفيع.
فعن الامام الصادق عليه السلام يقول: (كان امير المؤمنين يحطب ويستقي ويكنس وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز).
وكان الامام عليه السلام يشتري حاجته وحاجة اسرته الكريمة من السوق بنفسه ويحملها بيده وهو امير المؤمنين الذي يحظي باحتلال ارفع مركز في حياة المسلمين ولقد كان الناس يسرعون اليه لحمل اشيائه حين يرون ذلك منه ولكنه يأبى عليهم ويقول: رب العيال احق بحمله.
وكان عليه السلام يسير في الاسواق وحده, لا يصحبه حشم ولا خدم ولا جند فيرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبقالين والتجار ويأمرهم بالتواضع وحسن المعاملة ويتلو عليهم قوله تعالى: (تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الارض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)(القصص/83).
ومن عظيم تواضعه عليه السلام انه خرج يوما على اصحابه وهو راكب فمشوا خلفه فالتفت اليهم فقال: ألكم حاجة؟ قالوا:
- يا امير المؤمنين ولكنا نحب ان نمشي معك.
- فقال لهم: (انصرفوا فان مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي)
وقد استقبله زعماء الانبار وترجلوا واسندوا بين يديه فقال عليه السلام:
- ما هذا الذي صنعتموه؟ قالوا:
- خلق منا نعظم به امراءنا.
- فقال عليه السلام: ( والله ما ينتفع بهذا امراؤكم وانكم لتشقون به على انفسكم وتشقون به في اخرتكم وما اخسر المشقة ورءاها العقاب وما اربح الراحة معها الامان من النار).
ومن تواضعه الجم اكله خبز الشعير واللبن ولبسه ابسط انواع اللباس وترقيعه لثوبه البالي وبساطته في مسكنه ووقوفه بين يدي القاضي مع رجل من عامة الشعب الذي يضطلع الامام عليه السلام بقيادته.
ومن أدبه الكامل تسليمه على النساء من قومه ومشيه مع المراة لقضاء شأن من شؤونها حتى وان جلب له الامر مشقة, فعن الامام الباقر عليه السلام قال: (رجع الامام عليه السلام الى داره في وقت القيظ فاذا امراة قائمة تقول:
- ان زوجي ظلمني واخافني وتعد علّي..
فقال الامام عليه السلام:
- يا امة الله اصبري حتى يبرد النهار ثم اذهب معك ان شاء الله, فقالت:
- يشتد غضبه علّي.
فطأطأ الامام عليه السلام راسه ثم رفعه وهو يقول:
- لا والله او يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع! اين منزلك؟
ووقف الامام عليه السلام على باب فخرج شاب.فقال له الامام عليه السلام:
- يا عبد الله اتق الله, فانك قد اخفتها واخرجتها!
فقال الفتى: وما انت وذلك؟ فقال امير المؤمنين:
- آمرك بالمعروف وانهاك عن المنكر تستقبلي بالمنكر وتنكر بالمعروف؟
فاقبل الناس يلقون التحية على الامام عليه السلام:
- سلام عليكم يا امير المؤمنين!
فأسف الشاب على ما كان منه وهو يقول:
- يا امير المؤمنين اقلني عثرتي, فوالله لاكونّن لها ارضاً تطؤني.
فالتفت الامام الى المرأة قائلاً:
- يا امة الله ادخلي منزلك ولا تلجئي زوجك الى مثل هذا وشبهه.
وكان الامام عليه السلام قريبا سهلا هينا يلقى ابعد الناس واقربهم بلا تصنع ولا تكلف ولم تحط نفسه بالالقاب ولا زخرفة الملك. بل كان يتعامل مع الامة كفرد منها, يعايش مشاكل الضعفاء ويحب المساكين, ويتودد للفقراء ويعظم اهل التقوى من الناس.
ولقد كان من شواهد رفقه بالامة وتواضعه في المعاملة وسهولته ومرونته مقابلته لمن يلقاه بالبشر وطلاقة المحيا والابتسامة الحلوة وبشر الوجه, الغاءً منه للحواجز والرسميات بين القيادة والامة وانهاء لدور الزخرفة والالقاب التي يحيط بها الامراء والقادة انفسهم عبر تعاملهم مع الناس.
ولاشتهاره بتلك الروح الاجتماعية السمحة بين عامة الناس حاول اعداؤه ان يشوهوا تلك الميزة في الامام عليه السلام ويحولولها الى عيب ينبزونه فيه امعانا منهم في تشويه واقع خطه وسياسته وجميل صفاته الشخصية والاجتماعية.
فعمرو بن العاص يحدث اهل الشام عن علي عليه السلام فيقول: انه ذو دعابة شديدة محاولا الانتقاص من شأن الامام عليه السلام والامعان في تغطية فضائله والعمل على كل ما من شأنه تضليل الناس هناك لكي يحال بينهم وبين التطلع لواقع الامام عليه السلام وحقيقته.
حتى ان الامام عليه السلام حين بلغ افتراء ابن العاص قال:
(عجباً لابن النابغة يزعم لاهل الشام ان فيًّ دعابة واني امرؤ تلعابة).
ولقد كان معاوية بن ابي سفيان يشيع ما يشيعه ابن العاص كذلك في مناسبة أخرى.
وما يضير امير المؤمنين عليه السلام اذا عابه معاوبة وابن العاص, فلقد كان عليه السلام يقتفي اثر رسول الله صلي الله عليه وآله في سماحة اخلاقه وطلاقة محياه وسواء بسوء.
وكان عليه السلام يعمل على الالتصاق بالناس للتعرف على ما يعانون حتى انه كان يمشي في الاسواق ويتابع الحركة التجارية من ناحية الوزن والاسعار ونوعية المعروض من السلع- كما المحنا اليه قبل قليل.
وكان الامام عليه السلام حريصا على متابعة تصرفات الولاة في البلدان والقادة وجباة الاموال, ويأمروهم بالرفق والتواضع في معاملة الناس.
وما اروع روح التواضع عند علي عليه السلام كما يصفها ضرار بن ضمرة في حديثه لمعاوية - الذي افتتحنا به هذا الفصل- : (يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب.. كان كاحدنا يجيبنا اذا سألناه ويبتدئنا اذا اتيناه وياتينا اذا دعوناه.. يعظم اهل الدين ويحب المساكين).

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة