هذا وبسبب سوء إدارته وعنجهيته وتسلّطه في علاقاته مع بكين ومع الدول الأخرى، وهذا منهج السياسة الأميركية منذ أمدٍ بعيد.
وتتوالى الإجراءات الأميركية تجاه الدول الأخرى مستخدمة أدواتها العقابية لفرض سيطرتها بالقوّة في عالم من المفترض أنّه يتّسم بالتّعددية القطبية، إلاّ أنّ الولايات المتّحدة لا تريد أن ترضَخ لهذه الواقعيّة، فيما تمارس كافّة أوجه الإستبداد والطّغيان في علاقاتها مع كافّة الدول والصين من بينها.
وكان جديد إجراءاتها، قرار الخارجية الأميركية إلغاء 5 برامج للتّبادل مع الولايات المتّحدة مموّلة من الصين لأنّها “أدوات دعائيّة” بحسب زعمها، وتموّلها وتديرها بالكامل الحكومة الصينيّة.
توتر العلاقات وصل حدَّ مساس إدارة ترامب بمُدّة تأشيرات زيارة أعضاء الحزب الشيوعي الصيني وأفراد أسَرهم المباشرين، وتخفيضها من 10 سنوات إلى شهر واحد، بالإضافة لإغلاق البورصات والأسواق المالية الأمريكية أمام الشركات المالية الصينية في حال كان أحد أعضاء إدارتها ينتمي للحزب الشيوعي، ما دفع الصين للتّحذير، واصفةً الخطوات الأمريكية بالـ “مؤشرات مقلقة” على تحول العلاقات الثنائية إلى “مسار خطير”.
إذًا، “العلاقات الصينيّة الأمريكيّة يطغى عليها الحذر المتبادل حيث يسودها المُراقبة المتبادلة بين الطرفين، فالثّقة مهتزة باستمرار على مستوى السياسة الإستراتيجية الخارجية”، هذا ما أكّده الباحث في العلاقات الدّولية، الدكتور نبيل سرور، في حديث لموقع “العهد” الإخباري.
وأضاف “الولايات المتّحدة الأمريكية أعدَّت رُزمة اتهامٍ للصين في عدّة مواضيع من بينها ما يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان والملكية الفكرية في العالم، وإغراق الأسواق، ومجموعة من الإتّهامات التي تُثيرها الولايات المتحدة تجاه الصين، موضّحًا أنَّ هذه السياسة مُشتركة بين جميع الرؤساء الأميركيين السابقين سواء الجمهوريين أو الديموقراطيين.
وحول إمكانية الرئيس المُنتخب جون بايدن بأن يغيِّر في طبيعة علاقات بلاده مع الصين، أكَّد سرور، أنَّ الدولة الأمريكية العميقة هي من تقرِّر السياسة تجاه المارد الصيني، وأنَّه ليس باستطاعة الرئيس الأمريكي سواءً كان ديموقراطيًا أو جمهوريًا تغيير الثّوابت الأمريكية التي يتحكّم بها الأطراف المتمثّلة بمجلس الأمن القومي والبنتاغون والـ CIA ومراكز الدراسات.
وتابع سرور لـ “العهد” “التّضييق على أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، ووضع المزيد من العقوبات، يهدف إلى حشر بايدن في الزاوية ومنعه من أيّ انفتاحٍ لاحقٍ على الصين”، مُشيرًا إلى أنَّ بايدن سيكون مُلزمًا بالمزيد من التضييق كونه سيخضع للثوابت المُشار إليها أعلاه التي تتحكّم بالخيارات الإستراتيجية للولايات المتّحدة الأمريكية، وبالتالي لا يمكن لأيّ رئيسٍ تجاوزها.
الباحث في العلاقات الدولية، ذكر أنَّ العلاقات الأمريكية الصينية تحتكم لعنصرين، أوّلهما المنافسة على المسرح الدولي، بمعنى أنّ المارد الصيني نهض بشكلٍ كبير، ويُعدُّ حاليًا لمشروع الحزام والطّريق منفتحاً من خلاله على 160 دولة تقريبًا، بعلاقاتٍ تجارية واستثمارية وخط تجاري كبير.
وأضاف لـ “العهد” “المسألة الثانية هي الحضور السياسي والإقتصادي، فالأُحادية والثُنائية القطبية اختفت من المسرح الدولي بعد صعود الكثير من الدول الساعية لضرب النفوذ الأمريكي، وعلى رأسها الصين وروسيا وإيران، كما يحاولون إيجاد بدائل وتحالفاتٍ تكسر الطّوق الأمريكي كمجموعة شانغهاي والبريكس، وجميعها منظّماتٌ دولية تشمل دولًا إقليمية لكسر النفوذ الأمريكي، حتى أنّها تتحدّى الإرادة الأمريكية وتعوِّم عملتها كبديلٍ للدولار الأمريكي.
في السياق نفسه، شدَّد سرور على أنَّ الخوف الأمريكي المتنامي، هو من أن يكون للمدّ الصيني دورٌ يؤثر في الترتيب الأمريكي على مستوى العالم، مشيرًا إلى أنَّ دورها وحضورها تضرَّرا في أكثر من منطقةٍ من العالم سواءً في أفغانستان وعدة دول آسيوية.
وأردف أنَّ أدوات الضغط الأمريكية تعتبر الصين وروسيا أكبر منافسيها، إلاّ أنَّ تخوّف أي إدارة أمريكية يكمن في قيام التّحالف الذي تسعى الجمهورية الإسلامية في إيران إلى إنشائه في المنطقة لمواجهة الحضور الأمريكي والكيان الصهيوني، الذي من المُمكن أن يُشكّل رافعةً سياسية واقتصادية تُواجه النّفوذ الأمريكي.
وحول مدى تأثير العلاقة المتوتّرة بين البلدين الصيني والأميركي على الأخيرة، قال سرور “هذا التّوتر يترافق مع انقسامٍ حادٍ في الدّاخل، وعندما تتخلخل الولايات المتّحدة داخليًا سوف يتأثر دورها إلى حدّ كبير على مستوى السياسة الخارجية وحضورها الدولي”، لافتًا إلى قاعدة في العلاقات الدولية تقول أنّه عندما يكون تماسك الدولة الداخلي قويًا يكون حضورها الخارجي أقوى، وعندما يضعف الداخل فالدور سيضعف بشكلٍ أكبر، وهذا ما ينطبق على وضع الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
موقع العهد / يوسف جابر