بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، وصل وسلم على خيرة خلقك النبي المضطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
إخوة الإيمان في كل مكان السلام عليكم وأهلاً بكم في لقاء آخر وحلقة أخرى من برنامج (نهج الحياة) وتفسير آيات أخرى من سورة الشعراء المباركة نستهله بالآيتين 151و152:
وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ﴿١٥١﴾
الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴿١٥٢﴾
مر بنا أن صالحاً عليه السلام كان قد بعث الى ثمود نبياً هادياً داعياً كمن سبقه من الأنبياء القوم الى ما فيه خير الدنيا وثواب الآخرة، إلا أنهم لم يستجيبوا للدعوة فاتبعوا أهواءهم وضلوا السبيل. فقال لهم النبي صالح عليه السلام ناهياً: (ولا تطيعوا أمر المسرفين) أي لا تطيعوا أمر الرؤساء من ثمود وهم تسعة الذين عقروا الناقة، ثم وصفهم قائلاً: (الذين يفسدون في الأرض).
وفي الآية (ولا تطيعوا... ) وما بعدها، ينهى النبي صالح عليه السلام قومه عن الإسراف والإفراط في الأعمال والإنصياع للمسرفين وهم كما ذكرنا تسعة. فالإسراف والإفراط أي: تجاوز الحد زيادة أو نقصاناً وهو نوع من لظم الذات والغير ومن شأن التمادي في هذا الأمر ارتكاب الخطايا والذنوب وإشاعة الفساد والفحشاء وما هو منكر، وبالتالي الحيلولة دون القيام بصالح الأعمال وما يفيد الفرد والمجتمع.
والإسراف أيضاً كما هو معروف، مذموم حتى في الثقافة الإسلامية وهوكما يؤكدهه الدين مذمة حتى في الإنفاق مثلاً.
تفهمنا الآيتان:
- إن لم يكن التمتع بالمال والثراء وما أنعم الله مطابقاً للعقل والمنطق وما أمر به سبحانه وتعالى، لكان وبالاً ومدعاة لإشاعة الفاحشة بين الناس.
- تجنب تسليم مسؤوليات المجتمع الى المسرفين، لعدم أهليتهم لإدارة الأمور.
- عدم التعويل على المرفهين في إصلاح الأمور، فهذا لا يتم إلا في ظل تعاليم الأنبياء وما جاء به الرسل.
والآن نستمع لقوله تعالى في الآيتين 153 و154 من سورة الشعراء:
قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ﴿١٥٣﴾
مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿١٥٤﴾
قالت ثمود مكذبة والعياذ بالله أمر النبي صالح عليه السلام: (إنما أنت من المسحرين) أي: قد أصبت بسحر ففسد عقلك فصرت لا تدري ما تقول أو كما قيل من المخلوقين المحتاجين للطعام والشراب، أو أنت يا صالح مخلوق مثلنا لك (سَحْرٌ) ومعنى (سحر) هو الرئة، فيكون المعنى أنك مثلنا تتنفس وتأكل وتشرب فلم صرت أولى منا بالنبوة، ثم قالوا (ما أنت إلا بشر مثلنا) أي آدمي (فأت بآية) أي: معجزة تدل على صدقك (إن كنت من الصادقين).
تفهمنا الآيتان:
- إن ما يراه الماديون عبيد المال والدنيا في سواهم، أنهم لا يعقلون ولا يعوون ما يقولونه وما يفعلون، فيكيلوا إليهم ما شاؤوا من التهم والإفتراءات ظلماً وعدواناً.
- يتبع من تهمهم الحياة الدنيا ومالها وزخرفها، ويتأسون فخراً واعتزازاً والأدنياء لا الأتقياء والصلحاء من الناس.
والآن مع الآيتين 155 و156 من سورة الشعراء.. نستمع معاً:
قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴿١٥٥﴾
وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿١٥٦﴾
أجل، شاءت إرادة الخالق جلت قدرته أن تخرج من الصخرة أو من جوف الجبل ناقة عشراء، أي: مضى لحملها عشرة أشهر، إستجابة لطلب قوم صالح بأن يأتيهم بمعجزة تدل على نبوته، أما قوله (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) أي: لها حظ من الماء لا تزاحمزوها فيه ولكم حظ لا تزاحمكم فيه...
وقيل: إن أول عين نبعت في الأرض هي التي فجرها الله لصالح؛ المثير في أمر هذه الناقة معجزة خروجها من الجبل وشربها الماء.. فما كانت شربه من الماء يوازي حظ يوم واحد. وكان النبي صالح يقول للقوم إن الناقة هذه ليست كسواها، لذا (ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم) وهو يوم القيامة.
ما نفهمه من الآيتين:
- إن يد الله في الطبيعة غير مغلولة، الله الذي حول عصا موسى عليه السلام الى حية تسعى، لقادر على أن يخرج من الصخرة حيواناً كبيراً عظيم الجثة مثل الناقة.
- إذا كان الإنسان يعاقب على إهانة حيوان مقدس ويؤخذ بجريرة ما أساء إليه، فكيف به إذا كان قد أهان الرموز المقدسة وأساء الى المقربين من الخلق الى بارئ الخلائق الواحد القهار؟
وهكذا إخوتنا الأعزاء نأتي الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة.
على أمل اللقاء بكم في حلقة أخرى من البرنامج نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.