بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، وصل وسلم على حبيبك وخيرة خلقك النبيّ المصطفى محمدّ وعلى آله الطاهرين.
إخوة الإيمان في كلّ مكان السلام عليكم وأهلاً بكم في رحاب القرآن الكريم وحلقة جديدة من برنامج نهج الحياة لنتابع بمشيئة الله وعونه تفسير سورة الأنفال.
فبادىء ذي بدء، ننصت لهذه التلاوة العطرة للآية الثانية والأربعين من هذه السورة المباركة:
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى.............
يوضح ما تقدم من آي سورة الأنفال، ماهية غزوة بدر الكبرى ثم يبين سبحانه في هذه الآية نصرته للمسلمين، قائلاً: "إذ أنتم" أيها المسلمون "بالعدوة الدنيا" ، إن الله قدير على نصركم وأنتم أذلة إذ أنتم نزول بشفير الوادي الأقرب إلى المدينة "وهم" المشركون أصحاب النفير "بالعدوة الصوى" أي: نزول بالشفير الأقصى من المدينة "والركب" يعني: أبا سفيان وأصحابه وهم العير "أسفل منكم" أي: في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر، قيل: كانوا على شط البحر بثلاثة أميال. فذكر سبحانه مقاربة الفئتين من غير ميعاد وما كان المسلمون فيه من قلة الماء مع قلة العدد والعدة وما كان المشركون فيه من كثرة العدد والعدة ونزولهم على الماء والعير أسفل منه وفيها أموالم ثم مع هذا نصر المسلمين عليهم ليعلم أن النصر من عنده سبحانه "ولوتوا عدتم لآختلفتم في الميعاد" معناه: لو تواعدتم أيها المسلمون للإجتماع في الموضع الذي اجتمعتم فيه ثم بلغكم كثرة عددهم مع قلة عددكم لتأختر تم فنقضتم الميعاد. وقيل: لاختلفتم بما يعرض من العوائق والقواطع، فذكر الميعاد توكيداً لأمره في الاتفاق ولولا لطف الله مع ذلك لوقع على الإختلاف "ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً" معناه: ولكن قدر الله إلتقاء كم وجمع بينكم وبينهم على غير ميعاد منكم ليقضي الله أمراً كان كائناً لا محالة وهو إعزاز الدين وأهله وإذلال الشرك وأهله واعلاء كلمته على عبدة الأصنام "ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة" أي: فعل ذلك ليموت من مات منهم بعد قيام الحجة عليه بما رأى من المعجزات الباهرة للنبي صلى الله عليه وآله في حروبه وغيرها ويعيش من عاش منهم بعد قيام الحجة عليه.
وقيل: إن البينة هي ما وعد الله من النصر للمؤمنين على الكفار صار ذلك حجة على الناس في صدق النبي صلى الله عليه وآله فيما أتاهم به من عند الله.
بينت الآية:
- نصر المسلمين في بدر –دليل ناصع لحقانية الاسلام وبطلان الشرك.
- يتضح مدى اهمية الهداية والايمان بالدلائل والوعي والدراية لا بالتعصب والتقليد الاعمى.
والآن، نبقى ولو لحظات مع الآية الثالثة والاربعين من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
إذ يريكهم الله في منامك قليلاً....
يجوز أن يري الله الشيء في المنام على خلاف ما هو به لأن الرؤيا في المنام تخيل للمعنى من غير قطع وان جامعة قطع من الإنسان على المعنى وإنما ذلك على مثل ما يخيل السراب ماء من غير قطع على أنه ماء ولا يجوز أن يلهمه اعتقاداً للشيء على خلاف ما هو به لأن ذلك يكون جهلاً لا يجوز أن يفعله الله، والرؤيا على أربعة أقسام:
رؤيا من الله عزوجل ولها تأويل ورؤيا من وساوس الشيطان، ورؤيا من غلبة الاخلاط، ورؤيا من الأفكار وكلها أضغاث أحلام إلا الرؤيا من قبل الله التي هي إلهام في المنام، ورؤيا النبي صلى الله عليه وآله هذه كانت بشارة له وللمؤمنين بالغلبة.
وقيل معنى قوله في منامك في موضع نومك، أي: في عينك التي تنام بها وليس من الرؤيا في النوم.
"ولو أراكهم كثيراً" على ما كانوا عليه لجبنتم عن قتالهم وضعفتم ولتنازعتم في أمر القتال فكان يقول بعضكم نقاتلهم وبعض آخر يخالفونهم ويقول بعضكم لبعض تقدم أنت في القتال ويتأخر هو بنفسه "ولكن الله سلم" أي: سلم المؤمنين عن الفشل والتنازع واختلاف الكلمة واضطراب الأمر بلطفه لهم وإحسانه إليهم حتى بلغوا ما أرادوه من عدوهم "انه عليم بذات الصدور" أي: بما في قلوبكم يعلم أنكم لو علمتم كثرة عدوكم لرغبتم عن القتال.
ما تعلمناه من الآية:
- من طرق تواصل الصالحين والأخيار بالله- الرؤيا الصادقة.
- ما يضعف معنويات المؤمنين لدى محاربة العدو –ذكر عدته وعدده.
والآن نستمع للآية الرابعة والأربعين من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً....
"وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً" الكاف والميم كناية عن المؤمنين. والهاء والميم كناية عن المشركين. أضاف الرؤيا في النوم إلى النبي صلى الله عليه وآله لأن رؤيا الأنبياء لا تكون إلا حقاً.
وأضاف رؤية العين الى الناس قلل الله المشركين في أعين المؤمنين ليشتد بذلك طمعهم فيهم وجرأتهم عليهم وقلل المؤمنين في أعين المشركين لئلا يتأهبوا لتقالهم ولا يكترثوا بهم فيظفر بهم المؤمنون وذلك قوله تعالى ويقلكم في أعينهم.
"ليقضي الله أمراً كان مفعولاً" إنما كرره سبحانه مع ذكره في الآية الأولى لتكرر الفائدة. لأن المعنى في الآية الاولى جمعكم من غير ميعاد ليقضي الله أمراً كان مفعولاً من الإلتقاء على تلك الصفة.
والمعنى هنا: أنه قلل كل فريق في عين صاحبه ليقضي أمراً كان مفعولاً من إعزاز الدين بجهاركم.
وقيل: أراد بالأول الوعد بالنصرة يوم بدر، وبالثاني الإستمرار على النصر.
وقيل: إنما كرر للتأكيد. وإنما قال كان مفعولا.
والمعنى يكون مفعولاً في المستقبل لتحقيق كونه لا محالة حتى صار بمنزلة ما قد كان لعلمه سبحانه أنه كائن لا محالة. "وإلى الله ترجع الامور" مر معناه.
أفادتنا الآية:
- من الإحدادات الالهية –التحكم بالبصيرة وما تراه العين تضليلاً للعدو ومن اجل قهره وهزيمته.
- النصر –لا يتحقق بالعدة والعدد فحسب وإنما بالايمان بالله- فانه سبحانه هو الذي يقلل العدد او يزيده بأعين طرفي القتال.
والآن ننصت خاشعين للآية الخامسة والاربعين من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا.......
ثم أمر سبحانه بالقتال والثبات في الحرب فقال "يا ايها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة" أي: جماعة كافرة "فاثبتوا" لقتالهم ولا تنهزموا وإنما اطلق الفئة لأن من المعلوم أن المؤمن لا يقاتل الفئة الكافرة أو الباغية فحذف للايجاز "واذكروا الله كثيرا" مستعين به على قتالهم ومتوقعين النصر من قبله عليهم.
وقيل معناه: واذكروا ما وعدكم الله من النصر على الاعداء في الدنيا والثواب في الآخرة ليدعوكم ذلك إلى الثبات في القتال "لعلكم تفلحون" أي: لكي تفلحوا وتنجحوا بالنصر والظفر بهم وبالثواب عند الله يوم القيامة.
تفهمنا الآية، أن:
- ما يلزم الإيمان –الثبات والصمود- في كل الميادين.
- الثبات والصمود –هما رمز النصر في سوح القتال.
- ذكر الله –يجنب المرء الكبر والغرور والأنسانية لنصره على العدو.
أعزاءنا مستمعينا الأفاضل، إنتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة. نستودعكم الله والسلام عليكم.