البث المباشر

مهران .. درب العشق الحسيني وبوابة القلوب نحو كربلاء

الثلاثاء 22 يوليو 2025 - 10:34 بتوقيت طهران
مهران .. درب العشق الحسيني وبوابة القلوب نحو كربلاء

مع اقتراب أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، يستعيد معبر مهران مكانته كوجهة رئيسية لعشاق أهل البيت عليهم السلام؛ إذ يشهد تدفّق ملايين الزوّار من داخل إيران وخارجها، في مشهد إيماني تتجسد فيه مشاعر الشوق والولاء، وتنبض ساحاته بروح الخدمة والإيثار على طريق كربلاء.

مع نسمات شهر محرم وعبق الأربعين الذي يسري في أزقة إيلام ومهران، تبدأ قصة العشق الحسيني من جديد؛ وكأن كل الدروب تتلاحم لتقود الزائرين نحو كربلاء، في مهران، تتحرك الخطى بالدموع والهمسات، والقلوب تغتسل بالشوق، والأنظار ترنو نحو الأفق، حيث الضريح الطاهر.

ففي هذه الأيام، ومع إشراقة كل صباح، يقف أهالي هذه المنطقة الحدودية بأذرعٍ مفتوحة وعيونٍ متلهفة، لاستقبال زوار الحسين عليه السلام. زائرون تطوف خطواتهم بتراب الوطن، يسطرون حكاية الوفاء والبذل والمحبة، ويكتبون على أرض مهران فصولًا من الكرامة والولاء.

تعيش المدينة حراكاً إيمانياً ينبض بالحياة، في استعداد لوجستي وشعبي قلّ نظيره. من الأفران التي لا تهدأ، إلى أواني الشاي وأصوات التكبير والبخور، يتناغم كل شيء في المدينة ليشكل سيمفونية حبّ وخدمة حسينية لا تنقطع.

الطرقات تزينها الرايات السوداء والحمراء، وتفوح من الأزقة رائحة القهوة العربية وخبز التنور، بينما تتداول الأيادي كؤوس الماء البارد في صفوف انتظار لا تعرف الكلل، وتزدان الجدران بلافتات الترحيب التي تحمل بين حروفها سلامًا لا ينتهي.

في كل عام، ومع حلول شهري محرم وصفر، يلتقي قلبا إيران والعراق في هذه النقطة؛ حيث تقف نساء ورجال يحملون ماء الورد على أطراف الطرقات، والدموع تفيض من العيون مع كل "لبّيك يا حسين"، في مشهد يجسد أسمى مظاهر المحبة العابرة للحدود.

إيلام، وخصوصاً مهران، تستعيد حيويتها بالكامل في موسم الأربعين، حين تعجُّ الطرقات بملايين الزائرين، ويتحول المكان إلى ساحة عالمية تتلاقى فيها جموع الشيعة من شتى الأقطار، في مشهد قلّ نظيره.

بجهود مواكب الخدمة والشباب المتطوع، وتحضيرات الأهالي والمسؤولين، تصبح مهران أحد أبرز مراكز العبور في البلاد، وتتحول إلى عنوان للوحدة والتلاحم الوطني. وقد شهدت الأيام القليلة الماضية، فقط في تاسوعاء وعاشوراء، عبور أكثر من 185 ألف زائر، بزيادة قاربت 20% عن العام الماضي، فيما تشير التوقعات إلى احتمال تجاوز عدد الزائرين لعتبة الستة ملايين، نسبة كبيرة منهم ستعبر من مهران.

منذ الأيام الأولى بعد عاشوراء، تبدأ الاستعدادات الواسعة في مهران لاستقبال الزائرين. تصل المواكب من مختلف أنحاء البلاد، تُنصب الخيام، وتجهز القدور والمطابخ الميدانية، وتُحشد الإمكانيات بكل طاقتها.

ومن أبرز ما يشغل القائمين على هذه المواكب هذا العام هو التحدي المناخي، خاصة مع درجات الحرارة المرتفعة، حيث جُهزت شاحنات متنقلة لتوفير الماء والثلج، إضافة إلى تأمين المواد الغذائية والخدمية بالتعاون مع الجهات المعنية، منها الهلال الأحمر، والشرطة، والإسعاف، والدفاع المدني.

ليست الخدمة الحسينية حكراً على طائفة أو منطقة؛ العام الماضي، أقامت مجموعة من أبناء تركمن‌صحرا من أهل السنّة موكباً فريداً في مهران، قطعوا آلاف الكيلومترات من قلب الصحراء ليقدموا خبزهم التقليدي وأطعمتهم الشعبية، في لوحة أخوّة نادرة تذوب فيها كل الفوارق.

كما حضر معلول على كرسي متحرك ليُصلح –بصندوق عدّته المتواضعة– عكازات الزائرين المكسورة، وخيّاط أصفهاني متطوع لترميم الحقائب الممزقة، في تجلٍّ نادر لمعنى "الخدمة الحسينية"، حيث يغدو كل جهد –مهما صغُر– فعل حبّ عظيم.

تُعدّ مهران اليوم البوابة الأهم نحو كربلاء، ومع عبور أكثر من نصف مليون زائر يوميًا في ذروة الموسم، عملت الجهات المختصة في محافظة إيلام على توفير البنى التحتية وتوسعة المعابر وتعزيز الطاقة الاستيعابية.

كما جُهزت عشرات المراكز الصحية والنقاط الطبية المتنقلة، وفرق الاستجابة السريعة، ومراكز الدعم النفسي، إضافة إلى خطط محكمة لإدارة أزمة المياه والطاقة وتسهيل مرور الشاحنات الغذائية والصحية.

معبر مهران، بعد أن كان شاهداً على سنوات الدفاع المقدس، عاد اليوم ليكون شاهداً على أعظم مسيرة حبّ ووفاء في العصر الحديث؛ فقد تحوّل، بفضل الجهود الوطنية والشعبية، إلى قلب نابض بملايين الخطى التي تتجه نحو كربلاء.

في عام 1447 هجرياً، تثبت مهران مجدداً أنها ليست مجرد نقطة حدودية، بل رمز لحبّ لا ينضب، وهمّة لا تنكسر، وشعب لا تنال منه حرارة الصيف ولا مشقة الطريق؛ إنها حكاية أمة تسير بخطى واثقة على درب الإمام الحسين عليه السلام.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة