أظهرت نتائج البحث أن تقليص أيام العمل مع الحفاظ على نفس الأجر، يؤدي إلى انخفاض معدلات الإرهاق المهني، وتحسّن في الصحة النفسية، إلى جانب ارتفاع في الرضا الوظيفي، خاصة لدى الموظفين الذين قلّصوا ساعات عملهم بشكل أكبر.
ونقلًا عن موقع "نيو أطلس"، فإن من أبرز التحولات التي أفرزتها جائحة كورونا هو إعادة التفكير في توازن الحياة والعمل. ففي أعقاب الجائحة، قامت عدة دول مثل آيسلندا، إسبانيا، بريطانيا، اليابان، بلجيكا، والإمارات العربية المتحدة بتجربة نظام العمل لأربعة أيام، بل واعتماد هذا النموذج في بعض الحالات.
وأجرى هذا البحث الشامل فريق من "كلية بوسطن" في الولايات المتحدة، وشمل 2896 موظفًا في 141 شركة موزعة على ست دول: الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، إيرلندا، أستراليا، ونيوزيلندا. وتمت مقارنة هذه الشركات بـ12 شركة أخرى حافظت على النظام التقليدي لأيام العمل.
وخلال فترة تجريبية امتدت لستة أشهر، تم تقليص عدد ساعات العمل الأسبوعية للموظفين من نحو 39 ساعة إلى 34 ساعة، مع احتفاظهم بكامل رواتبهم. وقد أُعيد تنظيم سير العمل في هذه الشركات لتقليل المهام غير الضرورية مثل الاجتماعات، وتُركت الحرية لكل شركة في اختيار كيفية تنفيذ تخفيض ساعات العمل.
وقام الباحثون بقياس مؤشرات متعددة تتعلق بالرفاهية، مثل معدلات الاحتراق الوظيفي، الرضا الوظيفي، الصحة الجسدية والنفسية، جودة النوم، مستوى الإرهاق، وتكرار النشاط البدني، إلى جانب عوامل وسيطة مثل التحكم في جدول العمل والدعم الوظيفي.
وبحسب النتائج، شهد الموظفون الذين انتقلوا إلى نظام العمل لأربعة أيام تحسنًا ملحوظًا في مختلف المؤشرات مقارنةً بالمجموعة المرجعية، بما في ذلك تراجع الإرهاق المهني، وزيادة الرضا عن العمل، وتحسن في الصحة النفسية وحتى الجسدية، ولو بشكل طفيف.
وأظهرت الدراسة أن كلما انخفضت ساعات العمل الفردية، ارتفعت مؤشرات الرفاه. كما ساهمت إعادة هيكلة نظام العمل على مستوى الشركة بشكل عام، لكنها لم تكن بنفس تأثير التغيرات الفردية.
وقد فسّر الباحثون هذه النتائج بثلاثة عوامل رئيسية: الشعور بقدرة أكبر على أداء المهام، انخفاض مشاكل النوم، وتراجع الشعور بالإرهاق. كما لوحظ تحسن طفيف في مستويات النشاط البدني والدعم الوظيفي والتحكم في الوقت.
وأشار الدكتور "دوغال ساترلند"، المدير التنفيذي لشركة "Umbrella Wellbeing" في نيوزيلندا، إلى أن هذه النتائج تتماشى مع أبحاث سابقة أكدت فعالية هذا النموذج في رفع كفاءة الموظف وتعزيز رفاهيته. لكنه أشار إلى أن ما يميز هذه الدراسة هو اتساع عيّنتها واعتمادها على معايير أكثر صرامة، ما يجعلها معيارًا جديدًا في هذا المجال.
وأضاف ساترلند أن التدريب الذي تلقته الشركات قبل البدء في التجربة كان عاملًا حاسمًا في نجاحها، حيث طُلب منها تبنّي طرق أكثر كفاءة في إدارة العمل، وتبسيط الإجراءات، وتقليص المهام غير الضرورية، ما يؤكد أن تقليص ساعات العمل وحده لا يكفي بدون دعم مؤسسي وهيكلي فعّال.
ورغم أهمية هذه النتائج، إلا أن الدراسة لم تخلُ من قيود، من أبرزها أن الشركات المشاركة انخرطت طوعًا ولم يتم اختيارها بشكل عشوائي، إلى جانب أن أغلبها كان من مؤسسات صغيرة وواقعة في دول غربية ذات دخل مرتفع، ما قد يحد من قابلية تعميم النتائج. كما أن تقييم مؤشرات الرفاه اعتمد على تقارير ذاتية قد تكون خاضعة للتوقعات والتصورات الشخصية.
ومع ذلك، تؤكد نتائج الدراسة أن تقليص عدد أيام العمل إلى أربعة أيام دون خفض في الرواتب يمكن أن يكون مسارًا ناجحًا لتحسين الصحة النفسية والرضا الوظيفي للموظفين، شريطة أن يتم في إطار تنظيمي مدروس ومتكامل.