البث المباشر

تفسير الآية السادسة من سورة الحمد المباركة

الإثنين 20 يناير 2020 - 08:23 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 3

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين؛ مستمعينا في كل مكان طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة وأهلا بكم الى حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة.

 

نتناول في هذه الحلقة مستمعينا الأفاضل الآية السادسة من سورة الفاتحة:

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦﴾

للإنسان في الحياة سبل متعددة، سبيل يختاره لنفسه على أساس حاجاته الفردية كطريق للآباء والأجداد وطريق يحدده الطواغيت والظالمون كسبيل الملذات الدنيوية أو سبيل للعزلة أو الإنزواء عن الحياة الإجتماعية. ثمة سؤال يطرح هنا: هل يحتاج الإنسان لإختيار السبيل الصحيح الى مرشد يدله عليه؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول: إن الله تبارك وتعالى قد بعث الأنبياء عليهم السلام وأنزل الكتب السماوية لهداية البشر؛ والانسان إنما يكون على طريق الهداية إذا ما سار على نهج الرسول الأكرم (ص) وتمسك بالثقلين، القرآن الكريم والعترة النبوية الشريفة، ومن هنا فإننا في كل صلاة ندعوه تعالى الى أن يأخذ بأيدينا الى الصراط المستقيم، والصراط المستقيم هو الطريق الأوسط، إنه يقود الى الإعتدال في كل الأمور، وإجتناب كل إفراط وتفريط.

فمثلا: بعض الناس يرون القادة الإلهيين كالناس العاديين وفي المقابل يرفع البعض الأنبياء (عليهم السلام) الى درجة الربوبية كما حدث عند اولئك الذين يعتبرون المسيح (ع) هو ابن الله. إن مثل هذه الأفكار والسلوكيات إنما فيها دلالة عن الإنحراف عن جادة الصواب والصراط المستقيم الذي يمثل النبي الأكرم (ص) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) النموذج العملي له.

 

إن القرآن الكريم مستمعينا الكرام يدعونا الى سبيل الإعتدال في الأمور العبادية والإقتصادية وغيرها؛ يقول تعالى في الآية الحادية والثلاثين من سورة الأعراف المباركة: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) ويقول تعالى في الآية العاشرة من سورة الإسراء المباركة: (لا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بيت ذلك سبيلا) ونقرأ كذلك في الآية 67 من سورة الفرقان المباركة: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما).

نعم مستمعينا الأكارم، لقد حث الإسلام على بر الوالدين حيث قال تعالى: (وبالوالدين إحسانا) لكن إذا دعا الوالدان الإبن الى الباطل فإنه تعالى يقول: (فلا تطعهما) وفي مقابل من يدعون الى العبادة إعتزال المجتمع وفي مقابل من يرون العبادة إنما هي في خدمة الناس فقط يأتي القرآن الكريم ليقول: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فالصلاة رابط بين الخالق والمخلوق، والزكاة رابط بين الناس بعضهم ببعض. المؤمنون الحقيقيون هم من يصفهم تعالى في آخر آية من سورة الفتح المباركة حيث يقول جل جلاله: (محمد رسول الله والذين معهم أشداء على الكفار رحماء بينهم).

 

مستمعينا الكرام؛ الدروس التي يمكن أن نتعلمها من هذه الآية هي أن طريق السعادة هو الصراط المستقيم، ذلك أن هذا الصراط طريق إلهي ثابت، أما ما عداه من طريق البشر فهي في تغيير دائم وباستمرار، إن أقصر طريق مابين نقطتين هو الطريق المستقيم وهو يوصل الإنسان الى الهدف المطلوب بأقصر الأزمان وبكل اطمئنان، ولإختيار الطريق والبقاء في الطريق المستقيم لابد أن نستعين بالله، ذلك أننا معرضون على الدوام للخطأ والضلال ولا ينبغي أن يتصور أحدنا بأننا لم ننحرف بعد في طريق الحياة فإننا سنطوي هذه الطريقة بأمان حتى النهاية.

فكثيرون من بني الإنسان قضوا عمرا في الإيمان لكن عندما نالوا الشهرة والمال نسوا الله، ولأن من الصعوبة تشخيص الطريق المستقيم، فإن الآية الكريمة التالية جاءت لتقدم النموذج العملي له وتعرفنا في ذات الوقت بمن زلوا وانحرفوا من الصراط المستقيم.

لنسمع معا قوله تعالى في الآية السابعة من سورة الحمد:

 صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿٧﴾

 

مستمعينا الكرام؛ الناس على ثلاثة مشارب في اختيار طريق الحياة، جماعة اختارت طريق الله فجعلت حياتها الفردية والإجتماعية على أساس القوانين الشرعية والإلهية، هذه الجماعة على الدوام محفوفة بالعناية الإلهية ومشمولة بالنعم والرحمة الربانية، والجماعة الثانية هي التي تقف في مقابل المجموعة الأولى، هم من عرفوا الحق وتركوا طريق الله واتخذوا الى غيره سبيلا، ففضلوا أهوى النفس على حب الله منقادين في ذلك الى اهواء النفس والآخرين من الأصدقاء والخلان والأقرباء، فهؤلاء نراهم يهوون الى مهاوي الشقاء والعناء ولذلك ينالهم غضب الله فوسمتهم الآية الكريمة بالمغضوب عليهم.

أما الجماعة الثالثة فهي التي لم تختر لنفسها طريقا معينا ومحددا، تعيش في حيرة وضلال وهي الجماعة التي عبر القرآن عنها هنا (الضالين)، وفي القرآن مصاديق كثيرة حول هاتين الجماعتين إلا إننا نشير هنا أبرز هذه المصاديق.

 

مستمعينا الكرام، تحدث القرآن الكريم عن قصة بني اسرائيل الذين سامهم فرعون سوء العذاب، ثم نجوا على يدي النبي موسى (ع)، لطف الله شمل بني اسرائيل عندما كانوا يعملون بأوامره تعالى حتى أن الله فضلهم على العالمين في زمانهم كما جاء في الآية 47 من سورة البقرة.. لكن بني اسرائيل وجراء سوء أعمالهم باؤوا بغضب من الله لأنهم كما قال القرآن الكريم يحرفون الكلم، فعلماء اليهود كانوا يحرفون التوراة وتجارهم كانوا يتعاطون الربا المحرم؛ عامة الناس من بني اسرائيل كانوا يميلون الى الدعة وقد تقاعسوا عن الدفاع عن دينهم حتى أنهم قالوا للنبي موسى (ع)؛ (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون). أما الأخيار من بني اسرائيل فقد لاذوا بالصمت والتزموا السكوت إزاء كل هذه الإنحرافات فكان إن هبط بنو اسرائيل من أوج عزتهم الى قاع ذلتهم.

إننا من أجل التعرف على الصراط المستقيم مستمعينا الأفاضل الى النموذج الذي يدلنا عليه وفي الآية 69 من سورة النساء المباركة، يبين تعالى أن هذا النموذج يتجلى في الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين الذين شملهم الله تعالى بخواص نعمه.

 

مستمعينا الكرام وفي ختام حلقة اليوم من برنامج نهج الحياة التي قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران نشكر لكم حسن المتابعة والإصغاء، وفي الحلقة القادمة نبدأ بتفسير سورة البقرة المباركة إن شاء الله؛ حتى ذلك الحين نستودعكم الله والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة