البث المباشر

التمييز بين الأبناء

الإثنين 18 نوفمبر 2019 - 14:16 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 64

خبراء البرنامج: الدكتور مصطفى الركّابي أستاذ في العلوم الإسلامية من جامعة قم والدكتورة زينب عيسى المستشارة في علم النفس من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نرحب بكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لحضراتكم برنامج من الواقع حيث نقدم لكم في برنامج اليوم موضوعاً مهماً وحسّاساً جداً أدى الى نتائج سلبية وعكسية بين أفراد الأسرة والسبب يعود الى ماتُمارسه بعض الأمهات او يُمارسه بعض الآباء أحياناً من تمييز بين أبناءهم فهذا التمييز اعزائي يعود الى أسباب عدة قد تكون خارجة عن إرادة الأم او الأب لكنها بمرور الوقت تتضاعف وتتفاقم لتشكّل عنصراً هدّاماً لأواصر المحبة والألفة بين الأخوة وبين الأخوات على حد سواء. في هذه الحلقة وكما عودّناكم مستمعينا الكرام سوف نستضيف الدكتور مصطفى الركّابي أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة قم والدكتورة زينب عيسى المستشارة في علم النفس من لبنان وذلك لأجل تسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع بعد أن نستمع معاً الى قصة اليوم فتابعونا
أعزائي المستمعين ام لؤي أم لثلاث بنات كانت تولي كل رعايتها وإهتماماتها لهن دون تمييز ودون تفرقة. سألتها في يوم إبنتها الكبرى بعد أن لاحظت عليها ملامح الحسرة والحيرة: مابك ياأمي؟ أراك حزينة وغير سعيدة معنا!
اجابت الأم: ومن أين تأتيني السعادة وأنا الوحيدة التي ليس لها ولد؟
قالت إبنتها: وهل الولد أفضل من البنت بنظرك؟
أجابت الأم: لافرق ياعزيزتي لكن أدعو الله كل يوم أن يرزقني بولد أسوة ببقية النسوة حتى لايُشيروا أليّ بأنني الوحيدة التي ليس لي ذلك.
لم تعلّق البنت على كلام أمها بل سكتت لأنها لم تشعر بالراحة من كلامها وأحست وأخواتها أنها أقل شأناً من شأن الأولاد، في يوم وبعد عودتهن من المدرسة ولما دخلت الأخوات الثلاثة البيت وجدّن علائم الفرحة والسعادة قد ملئت أرجاءه وكان بإستقبالهن الأب الذي عبّر عن سروره حين قام بإحتضانهن وتقبيلهن ولما سألت مريم البنت الكبرى أباها عمّا يجري قال لها سوف يرزقنا الله بولد، نعم سوف يرزقنا الله بولد طالما إنتظرته أمكم وإنتظرته أنا!
عمّت الفرحة قلوب الأخوات الثلاث وفعلاً شعرن بسعادة لاتوصف وتهلل وجههن بفرح وإبتسامة فأسرعن الى الغرفة لرؤية أمهن وحتى وضعت الأم ولدها وكانت فرحتها به لاتوصف ولامثيل لها وكأنه الوليد الأول لها وتناست بمقدمه إهتمامها ببناتها الثلاث بل تركت رعايتها لهن وحتى السؤال عنهن.
كبُر الوليد وأصبح بمرور الوقت صاحب الكعب المُعلى في البيت وخاصة من قبل الأم وهذا ما ولّد إحباطاً وشعوراً بالحساسية والغيرة الشديدة لدى الأخوات الثلاث تجاه أخيهم الصغير المُدلل لؤي. تعوّد لؤي منذ نعومة أظفاره على نيل كل ما يتمناه وكل مايطلبه فكل شيء كان يريده كانت الأم تُسارع في توفيره وشراءه له واذا وجد لعبة او ما شابه عند إحدى أخواته وأعجبته فهو فقط يقول ذلك لأمه وبإشارة واحدة منها لأبنتها تكون تلك اللعبة او ذلك الشيء في متناول يد لؤي.
إستمر هذا الحال طويلاً وبدأ يُشكل امام علاقة الأخوات بأخيهم عائقاً كبيراً وسداً منيعاً لأن يسود الود وتسود المحبة بينهم وإنعكس ذلك ايضاً على تعلّق البنات بأمهن بعد أن لبثن منها تغيراً واضحاً وملموساً في الإهتمام تجاههن مباشرة بعد ولادة اخيهم الصغير لؤي ونتيجة لذلك بدأ لؤي يتجاوز كثيراً على أخواته وامام انظار أمه فمثلاً كان يتشاجر مع أخته الكبرى مريم او يضرب أخته الصغرى ايمان ولكن دون أن تردعه أمه او يمنعه أبوه.
قررت الأم أن تُقيم حفلاً كبيراً في البيت بمناسبة عيد ميلاد إبنها لؤي فدعت كل نسوة الحي وإتصلت بأخواتها وطلبت من زوجها ايضاً بتوجيه الدعوة الى أصحابه وأصدقاءه فأثار هذا الإهتمام والتصرّف حقد وكراهية الأخوات الثلاث لأن أمهن لن تفكّر مرة واحدة بإقامة حفل ميلاد لهن أبداً لذلك قررن إفشال الحفلة بأي طريقة وأي وسيلة كانت وما أن بدأ الحفل وبدأ المدعوون بالتوافد حتى بدأت الإشارات والتغمزات تتبادل بين الأخوات لتنفيذ الخطة وبعد أن بدأت أعداد المدعوين تزداد حتى حانت لحظة تقطيع الكعكة وإطفاء الشموع فإنتبهت الأم الى إبنها، صاحب بزوجها بنوع من القلق: اين لؤي؟
ثم توجّهت الى بناتها: أين أخوكم، أين لؤي؟ لا أراه في الحفل؟ وراحت تبحث عنه ولكن دون جدوى. بدأ قلقها يزداد ودخلت تبحث عنه في كل غرف البيت وكل مكان فيه، عادت وسألت الأب عنه. تعجّب الأب من ذلك وبدوره قال لها والذعر بالغ عليه: أنا ايضاً ومنذ ساعات طويله لم أنتبه اليه فقد كنت مُنشغلاً بإستقبال الضيوف وتحضير مراسيم الحفل. لقد بدأت أنا ايضاً أشعر بالقلق!
فجأة سمعت الأم صوتاً يُناديها ويقول: أسرعي يا أم لؤي أسرعي فإبنك في خطر!
لم تًصدّق الأم ما سمعته ، توجهت الى صديقتها التي نادتها وقالت لها: اين إبني وماذا حلّ به؟ ومَن قال لك إنه في خطر؟
أمسكت صديقتها بيدها وأخذتها حيث سقط إبنها مغشياً عليه!
لاتتمالك الأم المشهد فصرخت وتجمّع المدعوون إثر ذلك وكل يحاول معرفة ما يجري ثم جاء الأب والخوف بان عليه لايدري ماذا حصل لإبنه لؤي.
أعزائي أحبتي المستمعين بعد أن إستفاق لؤي من الإغماء الذي أصابه سألته أمه: ماذا حلّ يك يابُني؟
أجابها وهو لايزال يُعاني من عدم التركيز والإنتباه الى حوله: لاأعرف بالضبط ياأمي!
إقترب منه أبوه وقال له: ما بك يابُني هل تشعر بشيء؟
قال لؤي: رأسي يؤلمني وأشعر أنني بحاجة الى النوم .
سأله أبوه: وماذا تناولت؟
قال: لاأتذكر جيداً، فقط أتذكر أن أخواتي الثلاث كانوا معي في الغرفة وأن نحتفل لوحدنا وأن نشرب الشرابت ونأكل الكيك وبعض المأكولات.
سأله أبوه: وماذا شربت؟ وماذا أكلت؟
قال لؤي: شربت كثيراً وأكلت كثيراً ولكن بعدها لاأعرف ماذا حصل لي.
وهكذا اعزائي تبيّن لكم أن الأخوات الثلاث قد إتفقن على إعطاء أخيهن جرعات كبيرة من المخدّر كادت أن تودي بحياته ثم قمن بإخفاءه في إحدى غرف البيت لكي لايُشارك في الحفل اوعلى الأقل ليفشل الحفل الذي أقامته الأم ولم تقم مثله لهن سابقاً.
وهكذا اعزاءنا المستمعين وبعد أن إستمعتم الى قصة اليوم نتوجه الى الدكتور مصطفى الركّابي أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة قم المقدسة لسؤاله عن تداعيات التمييز بين الأبناء وماذا نصح الشرع الإسلامي بشأنه وماجزاء الأم التي تُفضّل أحد أبناءها على إخوته او أخواته؟ لنستمع معاً
الركّابي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل الطيبين الطاهرين طبعاً من مبادئ الشريعة الإسلامية هي حرمة التمييز بين الأبناء ويوجد عندنا في النصوص الفقهية وفي الروايات الترجيح والتمييز بين الأبناء يكون للأناث، وردت عندنا نصوص أن الأب اذا ورد الى بيته يستقبل الأناث ويقبّل الأناث ويأتي بالهدايا الى الأناث أما التمييز الذي يقع بين الناس من حيث التفريق بين الذكر والأنثى أغلبه لايمت للإسلام بشيء وناتج عن الأعراف والتقاليد الجاهلية والقبلية. تفضيل الذكر على الأنثى أغلبه يأتي من خلال البيئة التي تتحرّك فيها هذه الأسرة، في المجتمعات العشائرية والمجتمعات القبلية يكون التمييز على أساس الذكورية وهذا لاأساس له في الإسلام بل الإسلام نهى عن ذلك بل هناك نصوص وروايات وهناك سيرة وسلوك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وللأئمة في تقديم الإناث وعندنا نص أنه "لو رُزق إنسان بثلاث إناث وجبت له الجنة او من علامات المؤمن أن يُرزق بنتاً". وهكذا عندنا نصوص تمثل إستهدافاً وإشارة الى التركيبة العشائرية والقبلية التي وُلد فيها النص يعني النص كان يُشير الى واقع كان ينبغي أن يتغيّر.
وبعد أن إستمعنا الى الدكتور مصطفى الركّابي الأستاذ في العلوم الإسلامية في جامعة قم المقدسة نتوجه الآن الى الدكتورة زينب عيسى المستشارة في علم النفس من لبنان لسؤالها عن بعض الأسباب التي تدعو بعض الآباء او بعض الأمهات الى التمييز بين الأبناء وما مخاطر ذلك على تماسك الأسرة وبقاء الألفة والمحبة بينهم؟ فلنستمع معاً
عيسى: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركته وعظّم الله اجوركم بذكرى الإمام الحسين سلام الله عليه.
بالنسبة الى الطفل لؤي يتبين من كلام حضرتكم بأنه حاز من قبل والديه وحظي منهما من ناحية المعاملة من الدلال والتمييز على حساب أخواته فأنا أريد أن أشير هنا وسريعاً وبشكل موجز الى النتائج التي تؤدي اليها عملية التدليل الولد عن اخواته، أولاً بشكل عام الدلال المُفرط نتائجه كالإهمال المُفرط فالدلال يؤدي بالطفل الى عدم إمتثال الطفل لأي معايير وقيم إجتماعية فالأهل عندما يُدللوا الولد الذي أتى بعد عدة بنات فهذا الطفل على مستوى الأسرة أعطى الأسرة قيمة إجتماعية لما يُمثل لؤي قيمة إجتماعية في إمتداد أسم الأسرة وعلى المستوى النفسي أعطى قيمة نفسية للأهل أنه عادة في مجتمعاتنا الولد يعطي إشباع على مستوى اللاوعي للأهل. مايحصل بالنسبة للؤي يجب على الأهل الإنتباه جيداً في هذه الحالة لأنه أولاً فكرة الدلال على حساب الأخوات يؤدي حتماً الى الكراهية مابين الأخوات والأخوة فالأخوات يكرهن لؤي وبالتالي أمام هذا الكُره يتصرّف لؤي بتصرّف عدواني وبسلوك عدواني أمام أخواته بالتالي نجد ان الأسرة تعيش قلقاً ومآزم نتيجة هذا الصراع بين الأخوة وثانياً بالنسبة الى لؤي بحد ذاته، هذا السلوك المُفرط من الأهل في الدلال يؤدي الى الخلل في البناء النفسي لدى لؤي لأن لؤي هنا لايستطيع أن يمتثل لقانون المجتمع، لقانون الأسرة، لقانون المعايير الخلقية فيعيش لؤي ضمن حدود نزواته وهذا يؤسس الى حالة من التضخّم الذاتي لديه على حساب العالم الخارجي فلاشك يعيش نرجسياً مرجعيته الى ذاته وليس الآخرين واذا كان الآن لؤي في نقطة من العمر ممكن أن يؤدي هذا لاحقاً الى خلل في توازنه النفسي وخلل في تحصيله المدرسي وعلى المستوى اللاحق يؤدي الى عدم توازن ومشاكل في المستوى المهني والعملي لاحقاً فعلى الأهل أن يعوا هذه المسئلة لأن الإسراف في المحبة لها سلبياتها على البناء النفسي لإبنهم وبعد قليل من الوقت تظهر السلبيات التي أسسوا لها من حيث لايشعرون.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا العزيزين الدكتور مصطفى الركّابي أستاذ العلوم الإسلامية من جامعة قم المقدسة والدكتورة زينب عيسى المستشارة في علم النفس الإجتماعي من لبنان حسن المشاركة كما نشكر لكم احبتي حسن الإستماع الى برنامج من الواقع والذي قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، الى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة