خبراء البرنامج: الشيخ جعفر عسّاف الباحث الإسلامي من لبنان والدكتور فاضل أبو هيم الباحث الإجتماعي من فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
نحييكم أجمل تحية وندعوكم لمتابعة هذه الحلقة من برنامج من الواقع والتي نقدمها لكم كالمعتاد من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، في حلقة اليوم اعزائنا سنحاول أن نتظرق الى موضوع طالما كان سبباً في تكبّد خسائر مادية اومعنوية لشخص واحد او لعدة أشخاص والذي يؤدي الى تلكأ البعض في أداء عمله وأحيانا يكون هناك تأخير مُتعمّد من قبل هؤلاء البعض فينجم عنه أضرار أكبر وخسائر اوسع. اذن موضوع حلقتنا لهذا اليوم اعزائنا المستمعين سيكون عن التأخير المُتعمّد في العمل وهذا الموضوع أعزائي المستمعين له بكل تأكيد أسباب وعوامل أدت الى أن يتعمّد بعض الناس الى التأخير في إنجاز أعمالهم او في إنجاز أعمال الآخرين لذلك سنستضيف بعد أن نستمع الى قصة اليوم ضيفين من ضيوف البرنامج الأعزاء وهما فضيلة الشيخ جعفر عسّاف الباحث الإسلامي من لبنان والدكتور فاضل أبو هيم الباحث الإجتماعي من فلسطين لكي نتعرف على تلك الأسباب والدوافع ونتعرف ايضاً على الحلول الملائمة. فكونوا معنا
أعزائي الكرام ماجد وعصام صديقان حميمان إتفقا يوماً على أن يستأجرا أحد المحلات التي اُفتتحت حديثاً في الحي الذي يقطناه. كانت البداية مُشجعة جداً خاصة بالنسبة الى ماجد الذي وجد في شراكته مع صديقه عصام فرصة لأن يعمل ويتطوّر وأن يُحقق أحلامه التي كثيراً ما تأملها وإنتظرها. كان ماجد منذ الوهلة الأولى حريصاً ويبذل جهداً أكثر من زميله عصام إلا أنه لم يكن يُعر لذلك أهمية ولم يكن يُلفت نظر صاحبه الى الأحيان التي كان يتأخر فيها او يتباطئ في إنجاز عمله تجاه الزبائن فكان ماجد وكما عرفتم أعزائي المستمعين حريصاً على الوصول الى المحل مبكراً ولكن بمرور الأيام أصبح هذا الأمر مُملاً بل مُزعجاً بالنسبة اليه وعندما كانت تمر ساعة وبعض الأحيان ربما ساعتين او أكثر تبدأ حالة التوتر وعدم الإرتياح بسبب تأخر صاحبه عصام تنتابه وكان كلما يتصل به يجده إما لايزال نائماً وأحياناً لايرد على الإتصال بالمرة. تكررت هذه الحالة كثيراً وإستمرت أسابيع وشهوراً ومثلما يقول المثل الشائع فقد طفح الكيل بماجد وما عاد يصبر على تصرفات عصام فقرر أن يُعاتبه قليلاً وأن يطلب منه إبداء بعض الحرص في العمل لأنهما إتفقا على هذا منذ البداية.
لم ينفع أعزائي الكرام الكلام الذي قاله ماجد لصاحبه عصام ولم ينفع العتاب الذي وجهه له بل ظلت حالة الإهمام والتأخر عن العمل مرافقة لعصام.
في يوم مرض ماجد وكان عليه أن يُلازم الفراش إسبوعاً كاملاً كما طلب منه الطبيب فإتصل بهذه الحالة بصديقه عصام وطلب منه أن يذهب مبكراً وأن لايتأخر كالعادة وأن يُبدي إهتماماً اكثر لكي لايؤثر ذلك على ثقة الزبائن ويتعرض المحل الى الخسارة، طمأنه عصام وقال له: لاتقلق ياصاحبي وحاول أن ترتاح، أنا عند الصباح الباكر سأكون في المحل ولن أغادره حتى أكون قد أنجزت كل الأعمال.
نظر ماجد اليه وقال: عسى أن تكون على وعدك ولو لمرة في حياتك. وفعلاً عند الصباح الباكر خرج عصام متوجهاً الى المحل فصادفه أحد الأصدقاء.
سأله عصام: الى أين أنت ذاهب؟
أجابه صديقه: بصراحة ذاهب الى السوق لشراء بعض الأشياء فهل تريد أن ترافقني؟
رحّب عصام على الفور بدعوة صديقه ووافق على الذهاب معه الى السوق مُتناسياً ضرورة أن يذهب الى المحل كما وعد شريكه ماجد الراقد في الفراش، إستغرق ذلك حوالي الخمسة ساعات حتى عادا معاً ففكر بعدها عصام بأن يذهب الى المحل وعند المساء إتصل به ماجد وسأله عما جرى خلال تواجده في المحل في هذا اليوم وماذا أنجز وماذا لبّى من طلبات الزبائن ظناً منه أن صاحبه ذهب الى المحل كما وعده فجاء رد عصام أنه باشر بالعمل منذ الصباح الباكر ولم يعد إلا قبل دقائق قليلة. شكر ماجد صديقه عصام كثيراً وقال له: أرجو أن تواصل ذلك غداً وبعد غد حتى أتمكن من مغادرة الفراش وأعود الى العمل.
أعزائي الكرام إستغل عصام مرض صديقه ماجد لذلك لم يكن يذهب بتاتاً الى المحل ولم يكن يهتم بأمره أبداً وبعد أن تحسّنت حال ماجد بعد عشرة أيام تقريباً نهض صباحاً مبكراً وغادر البيت متوجّهاً الى المحل ليجعلها مفاجأة لصاحبه لكنه لما وصل لم يجده ورغم ذلك قال في نفسه: لابأس فصاحبي قد تعب كثيراً في غيابي ويجب أن أعوّض له ذلك، سأتركه ولم أتصل به حتى يُقرر المجيء متى يشاء. وما إن فتح ماجد المحل دخل اليه حتى بانت له الحقيقة فقد إكتشف أن لاأحد قد زاره، لاصاحبه ولاأحد من الزبائن أبداً. وراح يتأكد من ذلك أكثر فتبيّن أن صاحبه عصام فعلاً لم يأت الى المحل ولم يقم بأي عمل إلا أخذه مبلغاً من المال منه دون أن يقول ذلك له!
إنزعج ماجد كثراً وراح ينتظر مجيء صاحبه ولكن كالعادة لاجدوى من الإنتظار فعصام لم يأت، فهو شريك في الأسم فقط، ففكر أن يتصل به ولكن ايضاً دون جدوى من الإتصال فعصام لايرد. وبعد أن مضت ساعتين تقريباً إتصلت زوجة عصام به لتخبره أن زوجها في المستشفى وفي حالة خطيرة جداً.
ذُعر ماجد لدى سماعه الخبر وقرر أن يذهب فوراً ودون تردد ليطئمن على حال صاحبه ولما وصل المستشفى قالت له مسؤولة الإستعلامات إن عصام يُعاني من مرض خطير منذ فترة ليست بقصيرة وكان عليه إجراء بعض الفحوصات الأولية لكي يتفادى تطوراته وتداعياته إلا أنه كان مُهملاً كثيراً في ذلك بل إنه في إحدى المرات قد راجع الطبيب نتيجة آلام شديدة قد ألمّت به لكنه تأخر حوالي الشهر دون أن يُراجع الطبيب مرة أخرى كما طلب منه ذلك وكما ترى فإنه في حالة خطيرة اليوم بسبب سوء تصرفاته.
سألها ماجد: وماذا قرر الطبيب بشأنه؟
قالت: إنه بحاجة الى إجراء عملية جراحية ولكن لحد الان المبلغ لم يكتمل وهو بإنتظار ما ستوفره له زوجته!
غادر ماجد المستشفى بسرعة في سبيل المجيء بالمال من البيت ولما وصل إستقبلته إبنته وقالت له: أبي قد جاء شخص الى البيت وقد سلمني هذه الرسالة.
فتح ماجد الرسالة بسرعة وباله مازال منشغلاً بصاحبه لكنه رغم ذلك تفاجئ بأن الرسالة تحتوي على إشعار بالإنذار على المحل الذي يخصّه هو وصاحبه عصام وأن هناك موظفاً كان يحضر المحل كثيراً قبل عشرة أيام لكن لم يكن هناك أحد لذلك قررت دائرة البلدية تغريم المحل بسبب التأخر في سداد الضرائب المترتبة عليه.
بعد أن إستمعتم أعزائي الى قصة عصام وكيف تسبب في خسائر مادية لصاحبه ماجد ولنفسه ايضاً وكيف تسبب تأخره الدائم في اداء عمله حتى بحياته وحتى في معالجة مرضه، نتوجه الى الشيخ جعفر عسّاف الباحث الإسلامي من لبنان لسؤاله عن تعاليم الدين وتوصياته لمَن يتهاون في عمله ولايؤديه في وقته خاصة اذا كانت له إلتزامات في شراكة فهو لايؤدي ما يؤديه شريكه لكنه يُناصفه في الأرباح وكذلك للإنسان الذي يتأخر في معالجة نفسه من الأمراض؟ فلنستمع معاً
عسّاف: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
ما تفضلتم به من عرض لهذه المشكلة التي تعبّر عن كثير من افراد المجتمع، نستطيع أن نلاحظ أن المشكلة بين عصام والأخ ماجد هي أن الأخ عصام لديه نقطتان وتعتبران مشكلة مهمة في الحياة الإجتماعية وهو أنه يهمل للعمل والشراكة وايضاً لنفسه ونستطيع أن نوجز هذا الأمر لنقول أن الأخ عصام هو فعلاً مُهمل من ناحية علاقته بالناس وعلاقته بالآخرين والأمر الآخر أن هذا الإهمام تسبب بنفسه وحياته الخاصة لذلك هنا لابد أن نتوجه الى الأخ عصام لنقول إن الكسل وحب الراحة هو عادة لايُفيد النفس الإنسانية وغالباً ما ترغب النفس بشكل عام والبشر بطبيعتهم عادة يميلون الى الراحة وعدم التعب، كما تعلمون أن العمل والتجارة يحتاجون الى جد ونشاط ويحتاج الى الإستيقاظ الباكر ويحتاج في بعض الأحيان الى السهر، يحتاج الى بذل الجهد الجسدي والتعب الفكري ولذلك يستطيع الإنسان ولابد للإنسان حتى يُقاوم هذا الميل وهي حب الراحة وهذا يحتاج الإستلهام من احاديث اهل البيت صلوات الله عليهم اجميعن حيث نجد في بعض الروايات عن الإمام زين العابدين عليه السلام عندما يدعو في هذا الدعاء الى التعوّذ من الكسل والفترة والسئامة وما الى ذلك من الأمور التي تجعل الإنسان يعيش على هامش الحياة لذلك أستطيع أن أقول إن الإنسان المُهمل هو إنسان يعيش على ضفة الحياة ولاتأثير له في أي أمر حياتي وقد دعانا الله سبحانه وتعالى الى العمل والى الجد "وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"(سورة التوبة۱۰٥)، أنا اقول للأخ عصام إن الإنسان الذي لايعمل يؤدي به الإهمال الى الإهمال النفسي والمالي في العلاقات مع الآخرين والتجارة فإن ذلك يجعله بعيداً عن المسؤولية في الحياة، بعيداً عن الناس، بعيداً عن الله سبحانه وتعالى وبعيداً عن الجنة والحمد لله رب العالمين.
بعد ان إستمعتم أعزائي المستمعين الى ما قاله ضيفنا فضيلة الشيخ جعفر عسّاف الباحث الإسلامي من لبنان نتوجه الآن الى الدكتور فاضل أبو هيم الباحث الإجتماعي لسؤاله عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الحالة التي إنتابت عصام، هل هي ناجمة عن كسل فقط أم لها جذور تربوية وماهو تأثير هذه الحالة نفسياً وإجتماعياً على الشخص ذاته وعلى الآخرين؟
أبو هيم: بسم الله الرحمن الرحيم
طبعاً معروف أن العمل هو جزء أساسي في حياة الإنسان ويحقق للإنسان السعادة النفسية والبطالة هي نوع من قتل الإنسان في ذاته بالتالي يشعر الإنسان نتيجة البطالة بالذل وعدم القيمة وعدم تحقيق الذات معنى ذلك أن الإنسان لو لم يحقق لذاته وحقه سوف يموت في ذات الإنسان كل ماهو عنده من أخلاق إجتماعية لكن ليس معنى ذلك أن الكل يأتي بذلك وأما هناك مَن يصل الى مرحلة تسمى بالإحتراق المهني او الدافعية للعمل، يشعر بأن العمل نمط من الثقل يقع على كاهله وبالتالي ينغلق فيه الطموح الشخصي وتنغلق آفاق نظرة الإنسان الى المستقبل ومن هذا المنطلق يرى العمل ثقل عليه، هذا الوضع نقول إنها حالة نفسية لأن معنى العمل عند هؤلاء الناس لامعنى له، لايحقق له طموح. قد يذهب بعض الناس الى العمل مُثقلاً، قد يكون كارهاً للعمل بالتالي لايحقق هذا العمل شخصية الإنسان ولايحقق ذاته ولاطموحه ولامستقبله فمن هذا المنطلق يكره العمل. هناك مَن يكره العمل فلايذهب للعمل، هناك بعض الناس يخشى الفشل من العمل فلايستطيع ان يعمل، هناك بعض الناس لايستطيع أن يقوم بمحاولات لأنه يخشى المحاولة ولايستطيع إنجاز العمل بالتالي يتجنب العمل. هناك بعض الناس لايستطيع الذهاب الى العمل منفرداً إلا أن يكون هناك احد الناس يساعده دائماً ويغرس في داخله الطموح ويشجعه. هذه بعض الأسباب لكن أشدها حين تنغلق آفاق الطموح داخل الإنسان ويشعر أنه لاقيمة لعمله ولايؤدي عمله الى تحقيق ذاته فمثل هؤلاء الناس يفقدوا بريق العمل ويفقدوا القدرة على التواصل مع العمل وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان الى كراهية العمل والإبتعاد عن العمل.
في ختام حلقة اليوم مستمعينا الكرام نشكر لضيفينا العزيزين فضيلة الشيخ جعفر عسّاف الباحث الإسلامي من لبنان والدكتور فاضل أبو هيم الباحث الإجتماعي من فلسطين حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن إصغاءكم لبرنامج من الواقع والذي قدمناه لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، الى حلقات أخرى قادمة نستودعكم الله وفي أمان الله.