ضيوف البرنامج: سماحة السيد عبد السلام زين العابدين الباحث الإسلامي من قم المقدسة والأستاذة نسرين نجم الباحثة الإجتماعية من لبنان
مستمعينا الكرام نرحب بكم ونقدم لكم برنامج من الواقع، موضوع حلقة اليوم سيكون عن احدى الحالات التي نهى عنها الإسلام وتعاليمه ونهت عنها ثقافتنا وعاداتنا، موضوعنا سيكون عن الإستهزاء بالآخرين وكما عودناكم في كل حلقة من حلقات البرنامج أن يكون معنا ضيفان من ضيوف البرنامج لذلك سيكون في ضيافتنا لهذا اليوم سماحة السيد عبد السلام زين العابدين الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة والأستاذة نسرين نجم الباحثة الإجتماعية من لبنان لمناقشة حالة الإستهزاء بالاخرين التي تُصيب البعض وماهي أسبابه؟ تعالوا معنا أحبتي المستمعين لنتابع قصة ثامر وكيف كان يستهزأ بزملاءه ولماذا ذهب الى بيت صديقه أديب في تلك الليلة وماذا جرى بعد ذلك؟ فكوموا معنا
أعزائي رغم معرفة ثامر ودرايته بشؤون عمله بل ورغم أجادته بالمهام التي دائماً ماكان يوكلها له مدراء الأقسام في الدائرة التي يعمل فيها إلاّ أنه عُرف ايضاً بإستهزاءه بعض الأحيان بزملاءه الموظفين وخاصة الجدد منهم.
نعم في يوم عُين موظف جديد في نفس القسم الذي يعمل فيه ثامر. كان الموظف الجديد وكما يُقال إسماً على مايُسمى إسمه أديب وهو فعلاً مؤدب وحريص على عمله ومتفان الى أبعد الحدود فمنذ وصوله وإستلامه عمله بدأت شهرته بين الموظفين تأخذ طريقها لما عرف عن مواظبته في إنجاز العمل حتى لو إقتضى الأمر أن يبقى ساعات إضافية بعد الدوام الرسمي وهذا ربما حرّك ثامراً لأن يشن حملاته الإستهزائية ضد اديب ظناً منه أن هذا سيُضعف موقف زميله ويُشوّه صورته امام الآخرين.
في أحد الأيام دخل اديب الغرفة وبيده مجموعة من الأوراق؛ كان منهمكاً مسرعاً في مشيته بعض الشيء ولما جلس في مكانه لم ينتبه بأن يسلم على ثامر مثلاً ولا حتى على بقية الموظفين. كان جلّ همه أن يقرأ تلك الأوراق ليبدأ على ضوءها بإنجاز عمله تنفيذاً لطلب المدير. بطبيعة الحال أثار هذا الأمر ثامراً كثيراً وحاول أن يُقلل من اهمية عمل اديب أمام الآخرين فقال له بإستهزاء: ماذا بيدك يااديب؟ وما الذي تعمله؟
رد عليه اديب: لقد كلّفني المدير بعمل وعليّ أن أنجزه بأسرع مايمكن.
قال ثامر بإستهزاء وعلى طريقته المعروفة: لقد أصبحت موظفاً معروفاً ياحضرة الأستاذة اديب!
لم يرد اديب عليه، هذا السكوت لم يرق لثامر لأنه لم يحقق ما يريده لحد الآن ففكر بطريقة يُهين بها أديباً أمام الموظفين فقال بإستهزاء ايضاً: عفواً ياحضرة الأستاذة ممكن أن تساعدني قليلاً لو جئت الى بيتك هذا المساء؟
وهنا أجابه اديب مستغرباً: وأي مساعدة تريدها مني حتى تطلب أن تأتي لأجلها الى بيتي؟
ردّ ثامر عليه: هناك بعض المقالات اريد أن آخذ رأيك فيها وفي نفس الوقت تكون فرصة مناسبة للحديث والتسامر بعيداً عن أجواء العمل، ماذا قلت؟
لم يستطع مستمعينا الكرام اديب أن يرفض طلب زميله ثامر لكنه كان في نفس الوقت مُحرجاً جداً بسبب تواضع البيت الذي يسكنه ولأسباب اخرى ما كان يريد أن يكتشفها أحد وأثناء تفكيره أعاد عليه ثامر نفس السؤال دون أن يفسح له مجالاً. ماذا قلت؟ ألا تريد أن يزورك بعض الأصدقاء الى البيت؟
ردّ اديب بخجل: بالعكس فأنا يسعدني أن يزورني أحدكم ويُشرفني ذلك لهذا سأكون بإنتظارك.
طبعاً أعزائي لم تكن الزيارة التي أرادها ثامر الى بيت اديب لغرض الزيارة في ذاتها او لأجل بعض المقالات كما إدعى ذلك إنما ليكشف خلالها للآخرين تواضع الحياة التي يعيشها اديب وماذا يعمل أبوه.
مستمعينا بعد أن وصل اديب بيته قبل حوالي الساعة الرابعة عصراً كان قد هيء نفسه لإستقبال صديقه ثامر فحاول أن يُعد الشاي وبعض الحلوى بنفسه لأنه كان فقير الحال لايتمكن من شراء شيء جاهز من السوق وفعلاً بعد ساعة تقريباً من وصوله سمع طرقات على الباب. توجّه مسرعاً وفتحها وإذا به وجد ثامراً وبصحبته خمسة من الموظفين الآخرين، شعر اديب بالحرج كثيراً فهو لم يكن مستعداً لإستقبال هذا العدد من الزملاء ورغم ذلك أعاد البسمة الى وجهه من جديد وإستقبلهم بكلمات الترحيب التي فقدها في اللحظة التي فتح فيها الباب قائلاً: تفضلوا تفضلوا حللت اهلاً ونزلت سهلاً.
دخل ثامر وبقية الزملاء بيت أديب ولما جلسوا سأل ثامر وقال: اين عائلتك يااديب؟ أم أنك تعيش لوحدك؟ تلعثم اديب ولايدري بماذا يُجيب فأبوه يعمل اجيراً في مكتب تجاري كذلك امه تعمل كمنظفة ومربية في بعض بيوت الجيران. مرة اخرى قال له ثامر: ما قلت لنا يااديب هل تعيش لوحدك؟
قال اديب: لا أنا أعيش مع أبي وأمي وهما خارج البيت الآن وهنا حاول أديب أن يُغيّر الموضوع فقال: اين المقالات التي طلبت مني قراءتها؟
ردّ عليه ثامر: اترك شأنها يارجل لنسترح قليلاً من تعب الدائرة التي نعمل فيها. شعر اديب أن صاحبه يريد أن يوقع به وإلا لماذا تنازل عن موضوع المقالات ولماذا يسأل عن أبويه وكانه يعلم اين يعملان لذلك لن تفلح محاولة اديب في تغيير الموضوع فقد أصّر ثامر أن يسأل عن أبوي اديب لأنه كان يعلم اين يعملان وماذا يعملان فقال: ما قلت لنا يااديب اين أمك واين ابوك؟ أم إنهما لم يعودا بعد من عملهما؟
أجاب اديب بسرعة وهو مرتبك: نعم نعم انت تعرف كم انا حريص في عملي أليس كذلك؟ هذا الحرص إستمددته من أبي وكذلك من أمي.
اعزائي كان اديب وبأي طريقة أن يُبعد ثامراً عن الحقيقة ولكن هل تمكن من ذلك؟ لا طبعاً واليكم بقية القصة.
بينما راح اديب يصب الشاي لضيوفه قال ثامر لأحد الزملاء: سمعت ان أمك متعبة ولم تعد قادرة على تنظيف بيتها؟ أجابه زميله: نعم ياثامر لقد منع الطبيب امي من مزاولة أي عمل منزلي. ردّ عليه ثامر: ولكن في هذه الحالة من الذي سينظف لكم البيت؟ ومن سيُعد الطعام؟ أجابه زميله ضاحكاً: لاتقلق فأن هناك العديد من العوائل الفقيرة تبحث عن أي عمل مهما كان نوعه، المهم هو توفير لقمة العيش.
ضحك معه ثامر وقال: الحق معك، فهؤلاء الفقراء أنا اعطف عليهم كثيراً ثم توجه الى اديب وقال له: بالمناسبة يااديب ألا تعرف امرأة مسنة تقريباً ومحتاجة للعمل في نفس الوقت لتساعد والدة زميلنا في إنجاز أعمال بيتها؟
هنا احبتي تأكد لأديب بأن ثامراً يعلم كل شيء عن طبيعة عمل والديه فشعر بالخجل كثيراً وإنتابه الإرتباك، لايعرف بماذا يرد وماذا يفعل خاصة وأن موعد عودة أمه وأبيه كان قريباً وفعلاً وبعد لحظات سمع الحاضرون الطرقات على الباب. قام ثامر بنفسه ليفتح هو الباب، لحق به اديب ثم نهض بقية الزملاء. إنتبه اديب الى المشهد فسأل مع نفسه نعم يبدو ودون شك أن الكل يعلم الحقيقة. فتح ثامر الباب فإذا بأبوي اديب كان وضعهما وملابسهما يدلان بوضوح على ضعف الحال. إستقبلهما ثامر بالتحية والسلام ولكن بإستهزاء شديد.
قال: كيف حالك ياعم؟
أجابه والد اديب ببساطة مطلقة وهو الرجل المسن: أهلاً ياولدي وكيف حالك أنت؟
قال له ثامر والإستهزاء واضح عليه والزملاء الأخرون يقفون وراءه ينظرون ماذا سيقول: لقد كنت أتسائل من اين تعلم أبنك اديب إعداد الشاي بهذه الطريقة الجيدة بل لاحتى طريقة تقديمه الشاي للضيوف؟ وكان يظن ثامر أن في أفعاله هذه سوف يُشوّه صورة اديب أولاً ويدعم موقفه امام الأخرين ولكن اعزائي هل تظنون أنه نجح في فعلته هذه؟ لا وكما يقول المثل الشائع فقد إنقلب السحر على الساحر حين وقف الأصدقاء الخمسة وقفة واحدة بوجه زميلهم ثامر وراحوا يعاتبون فعلته ويوبخون ما جناه بحق زميلهم اديب وبوالديه.
أحبتي المستمعين وبعد أن إستمعتم الى قصة ثامر وكيف كان يستهزأ بزميله اديب وما سببه له من إحراج كبير جعله ينقطع عن الذهاب الى العمل. نتسائل أعزائي هل ينسجم هذا مع تعاليم الإسلام وهل ينسجم مع ما يجب أن نطبّقه مع الفقراء المساكين وخاصة من بينهم من هو مخلص وكفوء؟ لذلك توجهّنا الى ضيف البرنامج سماحة السيد عبد السلام زين العابدين الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة لنقف عند رأيه بهذا الخصوص.
زين العابدين: الإستهزاء بالآخرين من سمات الجاهلين ولهذا نقرأ في سورة البقرة حينما قالوا لموسى "أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ"(الآية ٦۷)، لم يقل أعوذ بالله أن أكون من المستهزئين. هنا موسى عليه السلام اعطى السبب، سبب الإستهزاء هو الجهل؛ الإنسان الجاهل هو الذي يستهزأ، بحسب السياق المفروض أن يقول أعوذ بالله أن أكون من المستهزئين لكن في القرآن الكريم يقول "أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ". الذي يستهزأ بالآخرين ويستخف بالآخرين هذا جاهل اما الإنسان العاقل يحترم كل الطاقات لأن كل إنسان لديه طاقات قد تختلف عن طاقات الآخرين وكل إنسان مهم في المجتمع من الكناس الى سائق التكسي الى الزبال الى الأستاذ الجامعي الى المعلم يعني هنالك سخريا يعني نظرية السخريا او سنة السخريا بحيث الواحد مسخر للآخر فتختلف طاقات الناس وتختلف إمكانياتهم وكل انسان ميسر لما خلق له لهذا يجب أن أنظر الى الجانب الإيجابي من الآخر، الى النصف الملآن من الكأس ولاأنظر الى الجانب الفارغ اذن يعلمنا الإسلام ويعلمنا الأنبياء أن لانستهزأ "لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ"(سورة الحجرات الآية ۱۱)، ربما كل انسان يملك طاقات لايملكها الاخر وكل انسان يستفيد من طاقات الآخر كما قال العبد الصالح لموسى عليه السلام "وكلّتُ بأمر لاتطيقه ووكلّتَ بأمر لاأطيقه".
وبعد أن إستمعنا الى سماحة السيد عبد السلام زين العابدين الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة نتوجه الى الأستاذة نسرين نجم الباحثة الإجتماعية من لبنان حيث سألناها عن الأسباب التي تدفع بالبعض الى الإستهزاء بالآخرين، هل هي لأسباب نفسية ولماذا؟ أم تعود لنقص في تربية الوالدين لأبناءهما؟
نجم: بالطبع موضوع السخرية هو موضوع هام جداً يتعلق بالصحة النفسية بالدرجة الأولى واذا أردنا أن نأخذه بنظرة اجتماعية نقول إنه يعتبر من الأشياء المعيبة والثقافات الغير مرغوب فيها لأن فيها التحقير والإستصغار للإنسان الآخر وحتى لو أتينا من الناحية الإسلامية الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه أتى بالكثير من الآيات التي حذر من أن قوم لايجب أن يسخروا من قوم آخر. الأسباب التي يمكن أن تؤدي الى السخرية عديدة قد نعتبرها أنها بسبب العداوة، أنا لاأستطيع أن أنال من هذا الشخص عبر عملي وعبر نشاطي الذي أقوم به فأكنّ له العداوة وأحاول تشويه صورته امام الآخرين وامام العاملين معنا فبالتالي أقوم بإستخدام أسلوب رخيص جداً هو الإستهزاء وهو ان يكون في موضع السخرية للآخر. ايضاً موضوع التكبر وهذا يعود الى التربية الذاتية والتنشأة الإجتماعية التي تلعب دوراً كبيراً في بناء العداوة او بناء التكبر او عدم معرفة حدود الذات وحدود الآخرين وحتى فقدان الثقة بالنفس في كثير من الأحيان تؤدي الى أن نجعل من الآخر عرضة للسخرية وللإستهزاء. نقول في علم النفس أن هنالك عملية إسقاط أي أننا نسقط ما نراه في أنفسنا من بطش او خوف إتجاه الآخرين يعني نقول هو من يقوم بهذا العمل الغير صالح بينما نحن من يعاني من مشاكل اجتماعية او نفسية او تربوية فلانستطيع ان نعبر عنها فنسقطها او نحاول أن نلقيها على الآخرين، هذا يعود على التربية التي لاتقوم على تعزيز الثقة بالنفس على معرفة ماهي مكنونات هذه النفس وماتتضمنه من طاقات، من كفاءات. دائماً هنالك التفاضل يعني دائماً أنا انظر الى أفضال الآخرين يعني من هم أفضل مني، من لديهم مال أكثر مني او يمتلكون مراكز مرموقة أكثر مني فاعزز هذه الثقافة عند الأطفال فينشأون على هذه النظرة لأن الحياة فيها من هو قوي، فيها من هو ضعيف فعليه أن يقبل بما هو عليه.
في ختام حلقة اليوم نتوجه بالشكر الجزيل الى ضيفينا الكريمين على حسن مشاركتهما كما نشكر لكم الإستماع الى برنامج من الواقع. الى حلقات اخرى قادمة بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.