مستمعينا الأكارم !
تقبّلوا تحايانا القلبيّة في هذا اللقاء الجديد الذي يسرّنا أن يجمعنا بكم عبر برنامجكم الفيمينية ، تحت المجهـر ، راجين أن تقضوا معنا أوقاتاً عامرة بكل ماهو نافع ومفيد ، ندعوكم للمتابعة ...
أحبّتنا المستمعين !
أشرنا في حلقة البرنامج الماضية إلي أمواج الفيمينيّة المختلفة وذكرنا أنّ حق المرأة في التصويت قد تمّ الاعتراف به رسميّاً أخيراً في بريطانيا باعتبارها البلد الغربي الأول وذلك عام ۱۹۱۸ ، ثمّ في أميركا سنة ۱۹۲۰ ، وذلك علي إثر اعتراض المرأة خلال الأمواج الثلاثة للفيمينيّة بهدف انتزاع الاعتراف بحقوقها . ولكن الحركة الفيمينية ابتليت بالتطرّف خلال سنيّ نشاطها و عبر طرح التفسيرات والرؤي المختلفـة والمتناقضة مع أهدافها . و سنتعرّف في محطّتنا هذه علي النزعات والاتجاهات المختلفة للفيمينيّة وتحليلاتها المختلفة لأهداف حركة المرأة ، لذا ندعوكم - إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات- إلي متابعة حلقتنا لهذا الأسبوع ...
أعزّتنا المستمعين !
لا تمثّل الفيمينيّة حركة فكرية واحدة ومفهوماً ذا بُعد واحد بل تضمّ اتجاهات فكريّة مختلفة و تعكس طيفاً واسعاً من وجهات النظر المختلفة والعديدة التي قد تفترق عن بعضها البعض كثيراً في بعض الأحيان ولذلك فإنّها تبدو مثيرة للجدل . كما كان لاستلهام الفيمينيّة من التيارات الفكرية الكبري والعامة مثل الليبرالية والماركسية دور أيضاً في هذا الانتشار والتعدّد . كما كان الحال بالنسبة إلي تطرّف زعماء الحركة الراديكالية والذي كان له هو أيضاً دور في تشتّتها وانتشارها .
وعلي هذا الأساس يعتبر الباحثون في شؤون المرأة النهجَ الفيميني مشتملاً علي توجّهات مختلفة مثل الفيمينية الليبرالية ، الفيمينية الاشتراكيّة ، الفيمينية الماركسيّة والفيمينية الراديكاليّة وغيرها حيث يحمل كلّ منها وجهات نظر و أنماط تفكير خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة . وسنعمد هنا إلي بيان بعض من هذه الاتجاهات ودراستها من أجل تسليط الضوء علي هذه الاختلافات .
مستمعينا الأكارم!
إن رفض فكرة أن تمتلك النساء قوّة التعقّل والمنطق له تاريخ طويل في الكتابات الفلسفيّة . فقد كان أرسطو و مفكّرو القرون الوسطي وفلاسفة اللييبراليّة الجدد ومنهم هيوم ، روسو ، كنت وهيغل يشكّون في قدرة المرأة علي التعقّل . ولذلك فقد كان الفيمينيّون الليبراليّون يدافعون عن المرأة من خلال التأكيد علي نظرياتهم الليبراليّة ، وفيما يتعلّق بحقوق الأفراد السياسيّة وعلي أساس قوّة التعقّل لديهنّ . وكانوا يرون أن سبب تخلّف النساء عن الرجال حرمانهنّ من الحصول علي إمكانيّات متساوية مع الرجال .
وقد كان الهاجس الرئيس للفيمينيين الليبراليين حقوقَ المرأة السياسية والقانونية وعدالة البني السياسيّة . وعلي هذا الأساس ، فقد كان كفاح القرن التاسع عشر وخاصة في الموجة الأولي من أجل إعادة حق الملكيّة للمرأة قائماً علي الأسس الليبراليّة . وكان الفيمينيون الليبراليون يطالبون من خلال التأكيد علي الجانب الإنساني من المرأة ، بفرص مساوية للرجال . ولذلك ، فقد كانوا يؤكدون علي المساواة بين الرجال والنساء وتوفير فرص عمل متكافئة ويعتبرون العمل في البيت ظلماً للمرأة .
وكان دور الأم ، فضلاً عن ذلك ، من أكثر قضايا أنصار الفيمينيّة الليبراليين إثارة للجدل بحيث كانوا يعتبرون إجهاض الجنين من أهم حقوق المرأة . ويري الليبراليون أن تغيير القوانين الاجتماعية والسياسية كاف لحل التمييز القائم وأن مظاهر عدم المساواة هذه سوف تزول من خلال رفع مستوي مشاركة النساء في مجال التعليم والاقتصاد والمجتمع .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
إنّ تأكيد الليبراليّة الأحاديّ والمبالغ فيه علي النزعة الإنسانيّة ، الحرية الفرديّة ، النزعة الفرديّة وغير ذلك قد أسهم الآن في تمزيق شمل الحياة الأسرية والاجتماعية في الغرب . وقد أوقع عدم الإذعان للاختلافات في أنماط الحياة بين الرجال والنساء و الاعتقاد بالمساواة الكاملة بينهما في المجالات الاجتماعيّة ، أوقع الفيمينيّة الليبرالية في تناقضات كبيرة .
جدير ذكره أنّ المجال الاجتماعي هو مجال فيه الكثير من المرونة مع المحافظة علي البني السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة . و يعني التكافؤ في الفرص والنتائج توحيد كلّ مجالات التنافس أمام الرجال والنساء ، فكيف إذن يمكن للنساء وهنّ يؤدّين دوراً خاصاً في استمرار الجنس البشري ، و يتميّزن بقوي جسمية أكثر ضعفاً وخاصة في فترة الحمل ، أن يكون بمقدورهنّ التنافس مع الرجال ؟!
وتعدّ الماركسيّة من التقسيمات الأخري للفيمينيّة . حيث يري أنصار الفيمينيّة الماركسيون أنّ مصدر حرمان المرأة ، هو حرمانها غير المبرَّر من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والقانونية المتكافئة مع الرجل ويذهبون إلي أن هذا الظلم لا يمكن أن ينتهي إلّا إذا تغيّرت الظروف الاجتماعية والاقتصاديّة . ويعتبر الفيمينيّون الماركسيون المرأة كالعامل المسخَّر في خدمة مصالح النظام الرأسمالي ويرون أنّ الرأسماليين يستغلّون الأيدي العاملة الرخيصة للنساء والأطفال بهدف التقليل من نفقات الإنتاج . ولذلك فقد كانوا يؤكدون علي إلغاء النظام الرأسمالي و وضع حد لظاهرة ظلم المرأة . وهم يرون أن تخصيص النساء للعمل في البيت من شأنه أن يهيّء الأرضية لأن تستغل المرأة من قبل الرجل لا باعتبار الرجال رأسماليين بل باعتبارهم أزواجهنّ . ومن جهة أخري ، فإن الفيمينيّة الماركسيّة تتجاهل أيضاً النشاط الولاديّ للنساء وتعتبر الإنجاب شبيهاً بالنشاط الحيواني أكثر من كونه نشاطاً إنسانيّاً .
ويري ماركس وانجلز ، أنّ الأسرة هي أول مؤسّسة اجتماعيّة يتمّ فيها التقسيم غير المتكافيء للعمل ويجب أن يزال هذا النظام وتحلّ محلّه المؤسسات الاشتراكيّة كي يؤدّي كلا الجنسين مهمّة العمل في البيت وتربية الأولاد علي قدم المساواة . وهكذا فإنّ الفيمينيّة الماركسيّة أساءت من الناحية العمليّة إلي حدود الأسرة وتجاهلت الحقائق الاجتماعيّة .
ومن بين الانتقادات الموجّهة إلي الفيمينية الماركسيّة أنها تعتبر الظلم بحق المرأة ناجماً عن سلطة الرجل والرأسماليّة ، في حين أنّه لا يوجد أي وجه مشترك بينهما . كما ان الفيمينيّة الماركسيّة ابتعدت عن تجارب النساء اليوميّة في علاقتهنّ مع الرجال،ولذلك فإنها لا تعير أهميّة لفهم هذه التجارب وإدراكها .
أحبّتنا المستمعين الأطايب !
في حلقتنا للأسبوع المقبل من الفيمينيّة ، تحت المجهــر سنواصل تتبّع تشعّبات الفيمينيّة وتفرّعاتها في المذاهب والتيّارات الفكريّة والسياسيّة خلال القرن العشرين ، نرجو منكم أن تكونوا في انتظارنــا ، وفي الختام تقبّلوا منّا خالص التحايا ، وجميلَ المني ، شاكرين لكم طيب المتابعة ، وإلي الملتقي ...