أحبّتنا المستمعين الأكارم في كلّ مكان !
كلّ المراحب بكم في لقاء جديد يجمعنا بكم عند محطّة أخري من محطّات برنامجكم الأسبوعيالفيمينيّة تحت المجهــر ، حيث أشرنا في الحلقة الماضية إلي أن الفيمينيين ابتلوا بالتطرّف والمغالاة في طرح الكثير من الحقائق الاجتماعيّة . و كانت صناعة الموضة والجمال من الموضوعات التي منيت بالفشل بسبب التطرّف المبالغ فيها وتجاهل الحقائق الاجتماعيّة . وسنتناول في حلقتنا هذه وجهة النظر المتطرّفة للفيمينيين والمجتمع الرأسمالي والرأي المعتدل للإسلام في مجال ما يسمّي بصناعة الموضة والجمال ، تابعونا ....
مستمعينا الأكارم !
من الظواهر السائدة في تاريخ البشريّة ، وجودُ الموضة والجمال وميل الإنسان إليها . إن كلمة الموضة أو (mode) أو (fashion) تعني الذوق والأسلوب والنمط وهي في الاصطلاح الأسلوبُ والطريقة الموقتة التي يتمّ تنظيمها علي أساس أذواق الأشخاص .
والنزعة إلي الموضة هي أن ينظّم الفرد أسلوب حياته مثل شكل ارتداء الملابس ونمط حياته و نوع تقاليد الاستقبال والمعاشرة والتزيين والسلوك وفق الآخرين وأن يتبع نمطاً جديداً بمجرّد أن ينتشر في المجتمع نموذج جديد . ويسمّي علماء الاجتماع السلوك الجماعي الحديث الظهور الذي لم يتم ترسيخه بعد إلي مستوي التقاليد الاجتماعيّة ، بـ الموضة الاجتماعيّة .
ولقد خلق الله الإنسان بشكل بحيث نراه يتهرّب دوماً من حالة الرتابة والتكرار ليبحث دوماً عن التطوّر والإبداع . وهي ميزة الإنسان التي تقوده إلي الدرجات العليا من الحقيقة والكمال والعلوم المختلفة ، ليزيد يوماً بعد آخر من تطوّراته وإبداعاته ، و يوجّهه من الحياة الرتيبة والمثيرة للملل إلي حياة مفعمة بالحيويّة والتحرّك والتنويع . وهنا يمكننا البحث عن جذور اتباع الإنسان للموضة في الجوانب الجماليّة و طلب التنويع و الكمال الذي تمتدّ جذوره في ذاته ويعدّ جزءاً لا يتجزّأ من وجوده . ولذلك فقد يكون هذا الاتباع شيئاً جيّداً وقد لا يكون . ومن البديهي أنّ الموضة الجيّدة هي حصيلة اختيار شعب بلد ما وفكره وإبداعه ولأن جذورها تمتدّ في المعتقدات الدينيّة ، فإنها تؤدّي إلي خلق النشاط وإغناء الإحساس بطلب التنوّع لدي الإنسان ، والإحساس بالقيمة والثقة بالنفس والخلّاقيّة وازدهار المواهب ، وحبّ البشر والتعاون ، واحترام التقاليد و تعزيز العلاقات الإنسانيّة والعائليّة و تستتبع في النهاية سموّ مواهب الأفراد وتفتّحها.
ولكن الموضة لا تصدر دوماً من عقلانيّة بلد ما وتفكيره وثقافته . ففي بعض الحالات تفرض علي أفراد المجتمع بأساليب غير مباشرة وخطيرة . وللأسف فإنّ المجتمع الرأسمالي يسعي اليوم من خلال توظيف الأسواق الرأسماليّة و وسائل الإعلام لأن يغيّر نمط حياة شعوب العالم لصالح أهدافه . والنساء هنّ من الأهداف الرئيسة التي يركّز عليها المجتمع الرأسمالي لترويج الموضة .
مستمعينا الأحبّة !
لقد ابتلي الفيمينيّون بالتطرّف في قضيّة حاجة البشر إلي الموضة والجمال . فهم يرون أنّ سعي النساء لتزيين ظاهرهنّ ، حوّلهن إلي مخدوعات بصناعة الموضة حيث مايزال عليهنّ تحمّل مظاهر الظلم المفروضة علي بنات جنسهنّ باعتبارهنّ لُعَباً بيد الرجال . وهنّ ينتقدن دوماً من خلال اتخاذ اتجاهات راديكاليّة ، الإعلامَ ( والأفلام و الموضات الحديثة ) ويرين أنّ هذا النوع من الأفلام يوجّه الإهانات للنساء ، ويحوّلهن إلي مطامع للرجال من أجل إشباع لذّاتهم . وبذلك فإن اعتبر زيّ ما أو صورة أو أسلوب لتصفيف الشعر مثيراً ، فإنه سيواجه انتقاد الفيمينيين .
ومن الأسس المهمة لانتقادات الفيمينيين أن الموضة تملي علي المجتمع من خلال الصناعات المرتبطة بها و منتجات التجميل الخاضعة لسيطرة الرجال . هذا في حين أن بإمكاننا ومن خلال نظرة إلي صناعة الموضة الممتدّة لمائة وخمسين عاماً ، أن ندرك أن المرأة كانت المحور في تلقّي هذه الصناعة و أن معظم الدعايات ذات العلاقة بصناعة التجميل تكتب بواسطة النساء .
لقد استتبعت مواجهة الفيمينيين لحاجات النساء الطبيعية ومنها النزعة إلي الجمال والموضة ، اعتراضَ النساء تدريجياً . وعلي سبيل المثال فقد كتبت السيّدة لِندا سكوت إحدي الكاتبات الذائعات الصيت في مجال قضايا النساء في الغرب في قسم من كتابها مؤكّدة علي أن وجهات نظر الفيمينيين فيما يتعلّق بملابس النساء وظاهرهنّ خلال السنوات المائة والخمسين الأخيرة كانت مثيرة للتحدّي دوماً ، كتبت قائلة :
علي الحركة الفيمينيّة أن تنهي اهتماماتها القديمة فيما يتعلّق بالخصوصيات الظاهرية للأفراد وأن تكفّ عن رؤاها السابقة الضعيفة وغير المجدية بشأن الجمال .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
وهناك في مقابل النظرة المتطرّفة للفيمينيين إلي صناعة الموضة ، نظرة متطرّفة أخري تروّج وتدعو للموضة علي نطاق واسع وتسعي لأن تحدّ من إبداعات الأشخاص وتحوّل النساء إلي مجرّد مستهلكات . وهذه النظرة متأثّرة في الغالب بوجهة نظر الغرب وثقافته الرأسماليّة حيث تقوم بالدعاية بشكل متطرّف كما تنوي في ذات الوقت تغيير أسلوب حياة شعوب العالم . ويعمل المجتمع الرأسمالي علي أن يوجّه الأسواق نحو جني الأرباح وتحقيق مصالحه عبر الموضة و صناعة الجمال وأن يستغلّ النساء .
لقد تحوّلت صناعة الموضة والجمال اليوم إلي قطاع ثابت من النظام الرأسمالي في المجتمعات الغربيّة وخاصة المجتمع الأمريكيّ . ويفكّر المسوّقون والعاملون في الدعاية في خلق العرض من خلال تغيير أذواق المستهلكين أو أن يُحدِثوا علي الأقل التغييرَ في السلوك الاستهلاكي للأشخاص .
لقد كان لنظرة الغرب المتطرّفة إلي الموضة الكثيرُ من التبعات كان من جملتها انهيار القيم الإنسانيّة للمرأة والمجتمع والأسرة . و يروّج النظام الرأسمالي اليوم عن طريق القنوات الفضائيّة لبعض الموضات الخطيرة التي لا تليق بشخصيّة المرأة مثل : حميات التنحيف غير المطابقة للمواصفات ، و ثقب الأنف ، و الوشم ، و تحويل لون البشرة إلي البرونزي وغير ذلك والتي تستتبع أخطاراً تهدّد جسم الإنسان فضلاً عن الأضرار الاجتماعيّة . وعلي سبيل المثال ، فإن أكثر من ثلاثين مليون شخص في أمريكا يقومون سنوياً بعمليات البرنزة لأجسامهم علماً أنّ برنزة البشرة يزيد من خطر الإصابة بالأورام السرطانيّة حتي ۷٥% . ومن البديهي أنّ الترويج لهذا النوع من الموضة ، هو دعاية لسلوك سلبي يسبب الضرر لروح الإنسان وجسمه .
وفي هذا المجال فإنّ نظرة الإسلام وتعاليمه إلي موضوع الموضة والنزعة إليها هي نظرة عقلائيّة ومنطقيّة و منبثقة من الاعتدال . فالإسلام ومن خلال رفض النظرتين الإفراطيّة والتفريطيّة اختار نظرة معتدلة ومتوسّطة فيما يتعلّق بصناعة الموضة والجمال، وسعي لأن ينقذ الأشخاص وخاصة الشباب من الحيرة في اختيار الموضة من خلال الفصل بين الموضات الجيّدة والسيّئة كما أبرز الموضات الجيّدة المنسجمة مع الثقافة والقيم الوطنية والدينية بين الأفراد .
مستمعينا الأطايب !
في الحلقة القادمة من الفيمينيّة تحت المجهــر، سنستعرض بإذن الله النظرة الإسلاميّة لظاهرة الموضة والجمال ، شكراً علي حسن المتابعة ، وإلي الملتقي .