مستمعينا الأحبّة في كلّ مكان !
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ...
يسعدنا أن نجدّد اللقاء بكم مرّة أخري عبر محطّة أخري من محطّات برنامجكم الفيمينيّة تحت المجهــر والتي سنواصل الحديث فيها حول ظاهرة الطلاق ودور الفيمينيّة في تأجيجها و توسيع نطاقها ، وموقف الشريعة الإسلاميّة من هذه الظاهرة والتوصيات التي وردت بشأنها ، ندعوكم للمتابعة ...
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
يري الباحثون المتخصّصون في مجال الأسرة أنّ من بين أسباب زيادة الطلاق اليوم ، اتساعَ موجة الثقافة الفيمينية في الغرب . فقد أسهمت عوامل من مثل السعي من أجل المصادقة علي الحقوق والواجبات الاقتصادية المتساوية مع الرجال ، والاستهانة وعدم التقدير المعنوي والمادي لأي نوع من نشاطات المرأة في البيت و تغيّر أدوار المرأة والرجل في الأسرة والمجتمع بذريعة القضاء علي التفريق بين النساء والرجال ، و زعزعة الأسرة أو القضاء عليها باعتبارها أوّل موضع وأهمّه للنظرة العنصريّة إلي النساء وظلمهنّ ، و وضع بعض القوانين والبني الاجتماعيّة الداعمة في المجتمع لتسهيل دخول المرأة في المجتمع في ظلّ ظروف متساوية مع الرجل ، واستخدام أدوات الضغط النفسيّة والقانونية و البنيوية ولاقتصادية بهدف إجبار المرأة علي الانخراط في المجتمع و الحصول علي العمل الذي يتكفّل بتأمين دخلها وما إلي ذلك ، كلّ ذلك مِن عوامل أسهم في أن تواجه عمليّة تكوين الأسرة و مواصلة الحياة المصاعبَ والتحدّيات .
ومن الملاحظ في عالمنا المعاصر أن الكثير من الرجال يتزوّجون في سنّ متأخّر و يرون أن التزاماتهم محدودة إزاء الأسرة . و بصراحة أكثر فإنهم يبحثون عن زوجات يمكنهنّ تأمين حياتهنّ . وهم يفضّلون الأسر الصغيرة و في حالة عدم رضاهم عن حياتهم الزوجيّة فإنّهم يلجؤون إلي الطلاق بسهولة . وفي هذا المجال فإنّ تعديل قوانين الطلاق ، فتح الطريق أمام تسهيل المراحل القانونيّة المعقّدة و أضعف القواعد المنطقيّة لدفع النفقة من قبل الرجال . وقد شجّع الفيمينيّون بدورهم الرجالَ علي تحرير أنفسهم من هذه القيود .
وبالطبع فإن علينا أن نضيف أن الفيمينيين وبينما يشجّعون النساء أكثر من ذي قبل علي الطلاق و الحصول علي حضانة الأطفال و يضغطون علي الحكومات من أجل وضع قوانين في هذا المجال ، فإنّ كل الشواهد تشير إلي أنّ النساء المطلّقات يعشن في مجال حياتهنّ وضعاً سيّئاً وأن الكثير من النساء المطلّقات تضرّرن إلي حدّ كبير من التبعات الاقتصادية لانهيار حياتهنّ الزوجيّة . فالنساء لا يتحمّلن نفقات الطلاق المباشرة فحسب ، بل إنهنّ يتحمّلن أيضاً كلّ نفقات ومسؤوليّات تربية الأولاد الذين أفرزهم الطلاق .
مستمعينا الأفاضـــل!
ويعدّ رباط الزواج في الإسلام رباطاً مقدّساً وضرورياً لسكن الروح والجسم . وقد أمر القرآن الكريم في الكثير من الآيات بالزواج كما شدّد النبيّ (ص) في التأكيد عليه وحذّر المسلمين من عدم الزواج بسبب الخوف من الفقر والعوز .
وكما أن الزواج أمر مقدّس و ممدوح في الإسلام وورد التأكيد علي ثباته كثيراً ، فإن الطلاق بعتبر أمراً قبيحاً وغير مقدّس حيث تمّ توظيف كلّ الوسائل الممكنة من أجل الحيلولة دونه وذُكِر في كلمات الشارع المقدّس باعتباره أبغض الحلال عنده وأمراً يستتبع غضب الله . يقول الإمام الصادق (ع) :
" ما من شيء أبغض الى الله عزّ وجل من الطلاق .
وجاء في حديث آخر له عليه السلام :
" ما من شيء أبغض الى الله عزّ وجلّ من بيت يخرب في الاِسلام بالفرقة، يعني الطلاق .
وقال سلام الله عليه : " تزوّجوا ولا تطلقوا، فاِن الطلاق يهتزّ منه العرش
وخلافاً للعقود الاجتماعيّة الأخري ، فإن ميل الإنسان إلي الزواج هو أمر طبيعي وذاتي يتمّ علي أساس المحبّة و الانسجام و التضحية من قبل المرأة والرجل إلي جانب بعضهما البعض .
إنّ الآلية الطبيعية للزواج والتي وضع الإسلام قوانينه علي أساسها ، هي أن تكون المرأة محبوبة ومحترمة في منظومة الأسرة . وبناء علي ذلك فإنّ سقطت المرأة عن هذه المكانة لأسباب ما وانطفأت شعلة حبّ الرجل لها و أصبح ينفر منها ، فإن القاعدة والركن الأساسي للأسرة يكونان بذلك قد تقوّضا وبهذا ينهار مجتمع طبيعي بحكم الطبيعة . وينظر الإسلام نظرة الأسف إلي مثل هذه الحالة . ولكنه وبعد أن يري الأساس الطبيعي لهذا الزواج قد تقوّض ، فإنه لا يمكن يفترضه أمراً باقياً وحيّاً من الناحية القانونيّة . بمعني أنّ المرأة يجب أن تبقي في حالة الجاذبيّة والرجل في حالة الطلب و الرغبة . وتوصيات الإسلام بأن المرأة يجب أن تزيّن نفسها للزوج وأن تشبع رغباته و أن يظهر الرجل من الجانب الآخر الحبَ والحنان لها ، و يعبّر عن حبّه لها وتعلّقه بها ، كلّ ذلك كي تبقي التجمّعات الأسريّة في أمان من المخاطر والتشتّت .
أعزّتنا المستمعين !
لاشكّ في أنّ السلام والوئام هما اللذان يجب أن يسودا العلاقة بين المرأة والرجل . ولكن الوئام الذي يجب أن يسود الحياة الزوجيّة يختلف كلّ الاختلاف عن المصالحة التي يجب أن تحكم العلاقة بين الزميلين أو الصديقين المتجاورين .فالوئام والسلام في الحياة المشتركة يعادلان الإيثار والتضحية و اهتمام الزوجين بمصير بعضهما البعض و تحطيم جدران الازدواجيّة ، و اعتبار أحد الطرفين لسعادته سعادةَ الطرف الآخر و تعاسته تعاسةَ الجانب الآخر . ومثل هذا النوع من العلاقة لايؤدّي إلي الانفصال وحسب بل إن العلاقة ستزداد استحكاماً يوماً بعد آخر .
ورغم أن الإسلام لا يوصي بالطلاق ولكن الحياة عندما تكون مستحيلة فإنه يوصي بالطلاق باعتباره الحلّ الأخير و بشروط خاصّة رغم أن هذا الطلاق يجب أن يتمّ من خلال الالتزام بالمعايير الأخلاقيّة و بكلّ سلام وهدوء و لايحق لأي من الطرفين أن يظلم الآخر وعلي الرجل أن يدفع كلّ حقوق المرأة ومنها مهرها ونفقتها . والملاحظة الأخري أن الإسلام فرض العدّة علي المرأة لمدّة ثلاثة أشهر حيث يتوجّب عليها خلال هذه المدّة أن تمكث في بيتها ولا يحقّ لها الزواج من رجل آخر .
وربّما كان من أسباب فرض العدّة علي المرأة المطلّقة أن تكون فرصة مناسبة لأن يكتشف الرجل والمرأة أخطاءهما السابقة وأن يستأنفا حياتهما في حالة توفّر الرغبة في ذلك .
مستمعينا الأكارم !
ها هو ذا الوقت المخصّص للبرنامج يأذن بالانتهاء ، نتمنّي لكم لحظات سعيدة وهانئة ، ونُوكِل مواصلة الحديث في موضوعنا هذا الذي يدور حول الطلاق وتبعاته السلبيّة في المجتمعات الغربيّة ورأي الإسلام في ذلك ، إلي الحلقة القادمة من برنامجكم الفيمينيّة تحت المجهـــر ، حتي ذلك الحين كان الله معكم و حافظاً لكم .