أحبّتنا المستمعين !
تقبّلوا أحرّ التحايا حيث نجدّد اللقاء بكم عبر حلقة أخري من برنامجكم الفيمينيّة تحت المجهر ، وحيث ذكرنا في محطّة البرنامج المنصرمة أنّ هذه الحركة المتطرّفة التي كانت قد جاءت لإنقاذ المرأة الغربيّة ، أدّت إلي ظلم من نوع آخر بحقّ المرأة يسمّي ظلم المساواة وذلك عبر حركة متسرّعة و مفتقرة إلي التدبير وتحت شعار المساواة بين المرأة والرجل ، و تجاهل الفروق الذاتية بين الرجل والمرأة . وسوف نتناول في هذه الحلقـة أمواج الفيمينيّة وكذلك الرؤي التي انبثقت منها . ندعوكم للمتابعـة .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
ذكرنا أن مظاهر حرمان المرأة من حقوقها ظلّت قائمـة في المجتمعات الغربيّة فكانت محرومـة من الكثير من حقوقها الاجتماعية والثقافية من مثل حق التصويت ، حق حضانة الأولاد ، حق التملّك وغير ذلك .
ولكن وعلي إثر اتساع نطاق الموجـة الأولي من الفيمينيّة وبعد الحرب العالميّة الأولي ، أخذ تواجد النساء يزداد ويتّسع في المجالات العامّة إلي حدّ كبير . ولكن وعلي الرغم من تأكيد الحكومات علي المساواة في التعامل مع النساء ، إلّا النساء شهدن مع ذلك مظاهر التفرقة والتمييز الفاحشة في مجال النشاطات الاقتصادية فظلّت المرأة تشعر بالدونيّة والتمييز . وعلي سبيل المثال ، فقد كانت المرأة قد تحوّلت في هذا العهد إلي قوّة عاملة رخيصة تعمل لساعات طويلة في خدمة النظام الرأسمالي . كما أن هذا النظام كان قد أدرك هو بدوره أنّ النساء يمثّلن أفضل أداة للنزعة الاستهلاكيّة و الدعاية لها .
وقد هيّأ استمرار النظرة الدونيّة والاستعلائيّة إلي المرأة ، الأرضيّة لـ الموجة الثانية من الفيمينيّة . علماً أنّ هذه الموجّة بدأت بعد فترة بلغت أربعين عاماً من الموجة الأولي ، من عقد الستينات ومن خلال طرح الأفكار المتطرّفة والإيديولوجيّة في تحليل النظرة الدونيّة إلي المرأة و رسم المُثُل الفيمينيّة . وقد عمدت هذه الموجة في السبعينات إلي طرح المواضيع التي تخصّ المرأة في نطاق العلوم الإنسانيّة و قرنت في الثمانينات نظرتها بالوجهة المعرفيّة للفيمينيّة و تناولت بالنقد العام الفلسفة المعرفيّة وإنتاج العلم . وعلي هذا الأساس فقد ظهرت الموجة الثانية مستندة إلي التنظيرات العلميّة .
وكان أنصار الموجـة الثانية يسعون من أجل أن يقدّموا أسباب النظرة الدونيّة و الوضع المثالي في قالب النظريات العامة والشموليّة . ويري بعض الباحثين المتخصّصين في شؤون المرأة أنّ الثورة الجنسيّة و الاتجاهات المتطرّفة الأخري التي ظهرت فيما يتعلّريال بالمرأة ، هي في الغالب وليدة الموجة الثانية من الفيمينيّة .
إخوتنا المستمعين الأفاضــل!
تمكّنت النزعات الليبراليّة والراديكاليّة الفيمينيّة من أن تتوصّل إلي منهج كفاحي مشترك إلب حدّ ما ؛ حيث كان منع التمييز والتفرقة الشاملة و حقوق المرأة الماديّة و محاربة العنف ضدّ النساء والمساواة ، كلّ ذلك كان يمثّل الأطروحة الغالبة لفيمينيّة الموجـة الثانية والتي سنتحدّث عنها في الحلقة القادمة .
جدير ذكره أنّ نشاط المرأة الفيمينيّة في هذا العهد طرح أدبيّات من نوع جديد من خلال طرح آراء من مثل التغيير الجذري في الأسرة والزواج ، التغيير في بنية دور الأمومـة و مطالب المساواة وتأليف العديد من الكتب مثل الجنس الثاني لـ سيمون دي بوار ، حيث لم يتجنّبوا أي نوع من التطرّف في هذا المجال فيما يتعلّق بالنساء . جدير ذكره أنّه قد تمّ في هذا الكتاب تحدّي ومواجهة مكانة المرأة في البيت والأسرة ، الزواج وعلاقته القانونيّة بالأزواج ، العمل في البيت ، دور الأمومـة ، الأسس النفسية والسلوكيّة للنساء والكثير من القضايا الأخري .
واعتباراً من السبعينات وما بعدها آلت الموجة الفيمينيّة الثانية إلي الأفول . وظهرت من أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات أرضيّات ظهور الموجة الثالثة من الفيمينيّة . وقد استطاع الراديكاليون والليبراليون في الموجة الثانية أن يصادقوا علي القوانين التي كانت تعنيهم ؛ مثل عدم تقنين التمييز بين الرجال والنساء ، تقنين إجهاض الجنين ، إعادة النظر في تقسيم المدارس ومناهجها الدراسيّة علي أساس الجنس وغيره .
ولكن التطرّف في النظريّات الفيمينيّة اشتدّ إلي درجة بحيث واجه اعتراض الكثير من الأشخاص والحركات . بحيث ظهرت اعتباراً من النصف الثاني من عقد السبعينات حركة ضدّ الأفكار المتطرّفة للموجة الثانية من الفيمينيّة . حيث دافعت عن الأنوثة واعتبرت الأمومة أمراً مقدّساً . وقد عارضت هذه الحركة بعد إذعانها للاختلاف بين طبيعة المرأة والرجل ، حركةَ إجهاض الجنين و بذلت بعض الجهود في هذا المجال .
وعلي هذا الأساس فقد ظهرت الموجة الثالثة من الفيمينيّة بعد اتّساع الانتقادات ضدّ الموجة الثانية وشيوع النزعة النسبية تحت تأثير الأفكار الحديثة الوضيعة في المجتمع و بعض العوامل الأخري .
مستمعينا الأطايب !
كانت الخصوصيّة الأهم للموجة الثالثة من الفيمينيّة ، فيمينيّة ما بعد الحداثة والتي ظهرت في الفترة بين السبعينات والتسعينات . وبعبارة أخري ، فإن الموجة الثالثة مدينة قبل كلّ شيء لتطوّرات النظام الرأسمالي ، طرح وجهة نظر ما بعد الحداثة وردود الفعل الناجمة عن التطرّف و النظرة الأحاديّة لأنصار الموجة الثانية . وفي الحقيقة فإنّ اتجاه ما بعد الحداثة هو اتجاه نقديّ تنصبّ بعض نقوده بالطبع علي الحداثة والعصرنة . ومن الجدير بالذكر أنّ قراءة اتجاه ما بعد الحداثة للفيمينيّة والذي هو في الحقيقة مراجعة ونقد للموجة الثانية من الفيمينيّة ، جعل النزعات الراديكالية الفيمينيّة تواجع ردود الفعل السلبيّة . ذلك لأنّ أنصار فيمينيّة ما بعد الحداثة يرون أنّ هذه النزعات المتطرّفة للفيمينيّة ، تربك حركة المرأة وثورتها وإذا ما لم نكن نتمتّع بأطروحة ونظام قانوني عام وعالمي ، فإن من غير الممكن دعوة المرأة إلي طريق وفكر وبرنامج مشترك .
أعزّتنا المستمعين !
مع انتهاء الوقت المخصّص للبرنامج، نوكل مواصلة الحديث حول الاتجاهات الفيمينيّة الحديثة و النزعات التي تمخّضت عنها إلي محطّتنا القادمــة ف حتي ذلك الحين نترككم أيّها الأعزّة في رعاية الله .