نص الحديث
قال الامام الباقر عليه السلام: "لاعقل كمخالفة الهوى".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد صورة تشبيهية، الا ان التشبيه كما كررنا في لقاءات سابقة اما ان يكون تخيلياً لتقريب الواقع الحسي أو واقعياً حسياً مباشراً: كالحديث المتقدم، ونقصد بالواقع الحسي ليس ما يقابل المعنوي بل نعني بذلك: الواقع المباشر او الحقيقي وهو ما ينسحب على حديث الامام الباقر عليه السلام عندما شبه مخالفة الهوى بالعقل الكامل وهو واقع ملموس مباشر كما قلنا (مخالفة الهوى تدل على العقل)، اذن: نحن الآن امام ظاهرة نفسية هي مخالفة الهوى وارتباطها بسلامة العقل، وهذا يقتادنا الى ان نتناول هذه الظاهرة دلالياً وجمالياً، اما دلالياً، فان المخالفة لهوى النفس: كمن يخالف هواه في العدوان على الاخرين، او في الممارسة الجنسية المحرمة، أو ممارسة الكذب والغيبة والخداع وحب السلطة وحب الدنيا الخ، حيث ان مخالفته لهذه الممارسات تجعله واعياً لوظيفته العبادية وتعرج به في النهاية الى كسب رضاه تعالى والدخول الى الجنة، وهذا ما يرتبط بالحديث دلاليا، ولكن ما هي نكات الحديث جمالياً؟.
بلاغة الحديث
تتمثل النكات الجمالية او البلاغية في الحديث المتقدم من حيث صياغة (التشبيه الواقعي) فبدلاً من ان يقول عليه السلام مثلاً (مخالفة الهوى تدل على العقل)، قال (لا عقل كمخالفة الهوى)، والفارق بين التعبيرين هو: انه عليه السلام اعتمد على التشبيه بدلاً من التقرير المباشر، ونحسبك تتساءل قائلاً: ما هو الفارق بين التعبيرين؟ الجواب: الفارق هو: ان التشبيه يساهم من حيث الاثر النفسي في تعميق الدلالة فعندما تشبه شيئاً بشئ آخر كما لو قلت (لا شجاعة كشجاعة الامام علي عليه السلام)، تكون بذلك قد عمقت هذا المفهوم من خلال المقارنة بين شجاعة علي عليه السلام وبين مطلق الناس، اما لو اكتفيت بالقول بان الامام عليه السلام شجاع او اضفت صفة خاصة لهذه الشجاعة: حينئذ يكون اثرها (من الزاوية النفسية) اقل حجماً من التشبيه، كما هو واضح.
ثمة نكات اخرى نستخلصها من حديث الامام الباقر عليه السلام (لا عقل كمخالفة الهوى) منها: مما قلنا ان مخالفة الهوى تجسيد لأعلى مستويات العقل ومنها: ان عملية المخالفة بصفتها عملاً مضاداً لما يشتهيه الانسان اي: العمل المضاد لما يحققه الانسان (المنحرف طبعاً) من الحاجة الى اشباع ما هو غير مشروع يظل تعبيرا عن حسم الصراع بين اللذة العاجلة وبين تأجيلها اي: عدم الانصياع الى حبائل الشيطان وهو امر يفصح عن غلبة (العقل) على (الهوى) وهو ما يستهدفه المشرع الاسلامي في حديثه المتقدم.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ممن يخالف هواه وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.